البروكلي وقاية من سرطان الرئة

البروكلي لوقاية المدخنين من سرطان الرئة

يُعد سرطان الرئة من أكثر أنواع السرطانات فتكًا عالميًا، ويأتي التدخين في مقدمة العوامل المؤدية إلى الإصابة بهذا المرض الخطير. فقد ثبت علميًا أن التبغ يحتوي على أكثر من 70 مادة كيميائية مسرطنة، مما يؤدي إلى إتلاف الأنسجة الرئوية وإحداث تغيرات جينية خطيرة تمهد لظهور الخلايا السرطانية. وفي خضم البحث الدائم عن وسائل وقائية فعالة تقلل من خطر تطور سرطان الرئة لدى المدخنين أو حتى من لديهم تاريخ في التدخين، برزت بعض الأغذية النباتية كمكونات غذائية واعدة، وعلى رأسها البروكلي، أحد أفراد عائلة الخضروات الصليبية.

تشير الدراسات العلمية الحديثة إلى أن البروكلي يحتوي على مركبات طبيعية فعالة تلعب دورًا هامًا في الوقاية من السرطان، خاصة لدى المدخنين، وذلك بفضل خصائصه المضادة للسموم، وقدرته على تنشيط الإنزيمات المسؤولة عن إزالة السموم من الجسم، بالإضافة إلى دوره في تثبيط الالتهابات المزمنة ومقاومة الإجهاد التأكسدي المرتبط بتطور الخلايا السرطانية.

التركيب الغذائي للبروكلي ودوره الحيوي في الوقاية من السرطان

يحتوي البروكلي على مجموعة متميزة من العناصر الغذائية والمركبات الحيوية النشطة التي تميّزه عن غيره من الخضروات. يتضمن هذا النبات مركبات كبريتية تُعرف باسم الجلوكوزينولات، وأبرزها السلفورافين (Sulforaphane) الذي يعتبر من أقوى المركبات النباتية في تحفيز آليات الدفاع الداخلي في الجسم ضد التسرطن.

كما يحتوي البروكلي على:

• فيتامين C، المعروف بفعاليته كمضاد للأكسدة.

• فيتامين K، الضروري لوظائف الخلايا والتوازن المناعي.

• ألياف غذائية، تعزز صحة الجهاز الهضمي وتسهم في التخلص من السموم.

• بيتا كاروتين، الذي يتحول إلى فيتامين A وله دور في حماية الخلايا.

• فيتامين E، الذي يقي من التلف الخلوي.

• مركبات الفلافونويد، وهي من مضادات الأكسدة الطبيعية التي تكافح الالتهاب وتمنع الطفرات الجينية.

السلفورافين: الدرع الكيميائي الطبيعي في البروكلي

يُعد السلفورافين من أهم المركبات النشطة بيولوجيًا في البروكلي، وقد أظهرت تجارب مخبرية على الخلايا البشرية والحيوانية أنه قادر على:

• تنشيط الإنزيمات المزيلة للسموم في الكبد والرئتين.

• تقليل الالتهاب الرئوي المرتبط بالتدخين.

• تقليل التأثيرات الوراثية الضارة للمواد المسرطنة الناتجة عن التبغ.

• تعزيز آليات الإصلاح الذاتي للحمض النووي المتضرر.

• تثبيط تكاثر الخلايا السرطانية وتحفيز موتها المبرمج (Apoptosis).

وقد كشفت دراسة نُشرت في “Journal of the National Cancer Institute” أن الأشخاص الذين يتناولون الخضروات الصليبية بانتظام، مثل البروكلي، يتمتعون بانخفاض في معدلات الإصابة بسرطان الرئة، وخاصة بين المدخنين النشطين أو السابقين.

البروكلي وتأثيره على إزالة سموم التبغ من الجسم

أثبتت التجارب الإكلينيكية أن تناول البروكلي أو مستخلصاته بشكل منتظم يساعد الجسم على التخلص من السموم الناتجة عن دخان التبغ، مثل البنزين والأكرولين، وهي من المواد الشديدة السمية والمسرطنة. وتبيّن أن مركب السلفورافين ينشط عائلة إنزيمات GST (Glutathione S-transferases)، وهي إنزيمات مهمة ترتبط بالمواد المسرطنة وتحوّلها إلى مركبات يسهل طردها عن طريق الكبد والبول.

في تجربة سريرية أُجريت على مجموعة من المدخنين في الصين، تبين أن تناول عصير البروكلي يوميًا أدى إلى زيادة واضحة في إفراز نواتج تكسير البنزين في البول، مما يشير إلى فعالية البروكلي في إزالة بعض من أخطر مكونات التبغ.

العلاقة بين استهلاك البروكلي وتقليل الطفرات الجينية

من المراحل الأولية في تطور السرطان حدوث طفرات في المادة الوراثية للخلايا (DNA)، وهذه الطفرات غالبًا ما تكون ناتجة عن التعرض المستمر للسموم الكيميائية، مثل تلك الموجودة في دخان السجائر. وقد كشفت دراسات بيولوجية على الحيوانات أن البروكلي قادر على تقليل معدل هذه الطفرات، ما يُعد مؤشرًا قويًا على فعاليته الوقائية.

كما بيّنت أبحاث بيوكيميائية أن السلفورافين يعزز آليات الإصلاح الذاتي للخلايا المتضررة من خلال تحفيز بروتينات إصلاح الحمض النووي، مما يقلل من احتمالية تحول الخلية المتضررة إلى خلية سرطانية.

تأثير البروكلي على الالتهاب المزمن المصاحب للتدخين

الالتهاب المزمن أحد المحركات الأساسية في تطور السرطان، خصوصًا في الرئتين حيث يسبب التدخين حالة التهابية مزمنة تؤدي إلى تلف مستمر في الأنسجة وتحفز تحولات خلوية خطيرة. أظهرت دراسات متعددة أن البروكلي يحتوي على مركبات مضادة للالتهاب مثل كيمفيرول وبيوتين، تساعد في تقليل التفاعلات الالتهابية وتنظيم مسارات السيتوكينات داخل الرئة.

علاوة على ذلك، ثبت أن استهلاك البروكلي يقلل من مستويات بروتين C التفاعلي (CRP) في الدم، وهو من المؤشرات الحيوية المعروفة للالتهاب الجهازي المزمن.

جدول: أبرز مركبات البروكلي وتأثيرها في الوقاية من سرطان الرئة

التوصيات الغذائية للمدخنين أو من أقلعوا عن التدخين

رغم أن الإقلاع عن التدخين يظل الإجراء الأكثر أهمية لحماية الصحة العامة، إلا أن النظام الغذائي يلعب دورًا مساعدًا لا يمكن تجاهله. ويُوصى بتناول البروكلي عدة مرات أسبوعيًا إما بشكل مطهو على البخار أو نيء ضمن السلطات، حيث يُفضل الطهو الخفيف للحفاظ على مركبات السلفورافين التي تتلف بسهولة بالحرارة العالية.

كما يمكن الاستفادة من البروكلي عبر عصائره أو مكملاته الغذائية المركزة، خاصة للأشخاص الذين لا يفضلون مذاقه، ولكن تحت إشراف طبي. ويُفضل دمج البروكلي مع خضروات صليبية أخرى مثل الكرنب، القرنبيط، والملفوف لتعظيم الأثر الوقائي.

محاذير وتفاعلات محتملة

رغم الفوائد الكبيرة للبروكلي، إلا أن استهلاكه بكميات مفرطة قد يكون له بعض التداخلات مع أدوية مميعة للدم مثل الوارفارين، نظرًا لاحتوائه على نسب مرتفعة من فيتامين K. كما يجب على مرضى الغدة الدرقية تجنب تناول كميات كبيرة من الخضروات الصليبية النيئة بسبب احتوائها على مركبات قد تؤثر على امتصاص اليود.

خاتمة علمية

يمثل البروكلي نموذجًا متكاملًا لما يمكن أن توفره الطبيعة من درع وقائي في مواجهة أمراض العصر، وعلى رأسها سرطان الرئة الناتج عن التدخين. فبفضل تركيبته الغنية بالمركبات المضادة للأكسدة والالتهاب، وقدرته على تنشيط آليات التخلص من السموم والإصلاح الجيني، يمكن للبروكلي أن يلعب دورًا فعّالًا في خفض خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى المدخنين ومن توقفوا عن التدخين. ومع تعزيز هذا النهج بنظام غذائي متوازن ونمط حياة صحي، يصبح الوقاية من أخطر أنواع السرطان أمرًا أكثر واقعية.

المصادر:

1. Zhang, Y., Talalay, P., Cho, C.G., Posner, G.H. (1992). A major inducer of anticarcinogenic protective enzymes from broccoli: isolation and elucidation of structure. Proceedings of the National Academy of Sciences, 89(6), 2399-2403.

2. Kensler, T.W., Chen, J.G., Egner, P.A., et al. (2005). Effects of glucosinolate-rich broccoli sprouts on urinary levels of aflatoxin-DNA adducts and phenanthrene tetraols in a randomized clinical trial in He Zuo township, Qidong, People’s Republic of China. Cancer Epidemiology Biomarkers & Prevention, 14(11), 2605-2613.