كيف تبدأ حياتك من جديد بعد فقدان شخص عزيز؟ (الجزء الثاني)
1. الاعتراف بالعواطف والتعامل معها
من بين أولى الخطوات المهمة للتعافي بعد فقدان شخص عزيز هي الاعتراف بالعواطف والتعامل معها بصدق. غالبًا ما يواجه الأشخاص مشاعر من الحزن العميق، الصدمة، الغضب، وحتى الشعور بالذنب. لا يمكن لأحد الهروب من هذه المشاعر، ولا ينبغي لأحد أن يحاول تجاهلها أو قمعها. الاعتراف بها والعمل على فهمها هو خطوة أساسية للمضي قدمًا.
في هذه المرحلة، يجب أن تدرك أن الألم هو عملية طبيعية يحتاج الشخص إلى المرور بها. قد تشعر أحيانًا بأن الحزن أصبح ثقيلاً عليك، وأنه لا يوجد مخرج منه، لكن من المهم أن تعرف أن الوقت وحده يمكنه أن يخفف من حدة هذا الألم. عليك أن تمنح نفسك الإذن للشعور بكل شيء دون شعور بالذنب. لا يوجد “طريقة صحيحة” أو “خاطئة” للحزن، وكل شخص يمر بتجربة فريدة من نوعها.
2. إيجاد طرق للتعبير عن الحزن
التعبير عن الحزن هو جزء لا يتجزأ من عملية الشفاء. لا يمكن للإنسان أن يتعافى وهو يظل مكبوتًا أو مقيدًا في داخله. هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها التعبير عن الحزن والمشاعر المرتبطة بالفقد.
بعض الناس يختارون الكتابة كوسيلة للتعبير عن مشاعرهم، سواء في شكل مذكرات يومية أو رسائل غير مرسلة إلى الشخص الراحل. الكتابة يمكن أن تكون شكلًا من أشكال العلاج النفسي الذي يساعد على التفريغ العاطفي. البعض الآخر قد يجد الراحة في ممارسة الرياضة أو الأنشطة الفنية مثل الرسم أو العزف على آلة موسيقية. كل هذه الأنشطة تمنح الفرصة لتفريغ المشاعر والتواصل مع الذات.
من طرق التعبير أيضًا اللجوء إلى المحادثات مع الأصدقاء أو أفراد العائلة. بعض الأشخاص قد يشعرون براحة أكبر في التحدث عن ذكرياتهم مع الشخص الراحل، أو عن الأوقات الصعبة التي يمرون بها. البحث عن الدعم الاجتماعي في هذه المرحلة يمكن أن يكون له تأثير كبير في تحسين الحالة النفسية، إذ يساعد على الشعور بأن هناك من يشاركك الحزن، مما يخفف من شعور العزلة.
3. البحث عن النشاطات التي تمنحك السكينة
في الوقت الذي يبدو فيه أن العالم قد توقف، يحتاج الشخص إلى العودة إلى النشاطات التي كانت تجلب له السكينة والراحة في الماضي. هذا لا يعني أن الحياة ستعود كما كانت قبل الفقد، ولكن إيجاد الأنشطة التي تعيد إلى الحياة بعضاً من المعنى يمكن أن يساعد في التخفيف من حدة الألم.
يمكن أن تكون الأنشطة الروحية، مثل الصلاة أو التأمل، ملاذًا هائلًا. هذه الأنشطة تمنح الشخص فرصة للانفراد مع نفسه ومع أفكاره، وتساعده على إيجاد التوازن الداخلي. إذا كنت تميل إلى الاهتمام بالأمور الدينية، قد تجد في الإيمان والتقرب من الله مصدرًا كبيرًا للقوة في هذه الفترة.
البحث عن أنشطة جديدة أيضًا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي. قد ترغب في تجربة شيء جديد يفتح أمامك آفاقًا جديدة، مثل تعلم هواية جديدة أو الانضمام إلى مجموعة تطوعية. النشاطات التي تبعث على السعادة وتمنح الشخص شعورًا بالإنجاز يمكن أن تكون خطوة هامة نحو الشفاء.
4. الحفاظ على روتين يومي مرن
بعد الفقد، قد يشعر الشخص بأن حياته قد تحولت إلى حالة من الفوضى. بعض الأشخاص لا يستطيعون العودة إلى الروتين اليومي المعتاد، لكن الحفاظ على بعض الأنشطة الروتينية، حتى وإن كانت بأقل درجة ممكنة، يمكن أن يساعد في استعادة الإحساس بالاستقرار. الروتين يساعد على تقديم الهيكل اللازم للشعور بأن الحياة تسير للأمام.
قد لا تكون العودة إلى العمل أو الالتزامات الأخرى ممكنة في البداية، لكن البدء بأشياء صغيرة مثل تناول الطعام في مواعيده، الخروج للتنزه، أو ممارسة الرياضة بشكل يومي يمكن أن يساعد في إعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي. الحرص على تخصيص وقت للراحة والاهتمام بالنفس يعد أمرًا بالغ الأهمية.
5. الاعتناء بالجسم والصحة العامة
يعد الاعتناء بالجسم جزءًا أساسيًا من الشفاء النفسي بعد فقدان شخص عزيز. عندما نعاني من الحزن العميق، قد نميل إلى إهمال صحتنا الجسدية بسبب التوتر النفسي والعاطفي. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الجسم والعقل مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، والعناية بأجسادنا تساعد في تعزيز قدرتنا على الشفاء النفسي.
ممارسة الرياضة بانتظام، حتى إذا كانت مجرد تمشية قصيرة يوميًا، يمكن أن تعزز من مستوى الطاقة وتخفف من التوتر. التغذية السليمة والنوم الجيد من العوامل الأخرى التي تساهم في تحسين الحالة النفسية. كلما اعتنيت بجسدك، زادت قدرتك على مواجهة الصعوبات والتعامل مع الحزن بشكل أفضل.
6. السماح لنفسك بالنمو والتغيير
بعد الفقد، قد تشعر أنك لا تستطيع العودة إلى الحياة كما كانت سابقًا. في الواقع، لن تكون الحياة كما كانت من قبل، وهذا ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا. الفقد هو نقطة تحول حقيقية في حياة الإنسان، وقد يكون فرصة للنمو والتغيير. قد تكون هذه هي اللحظة التي تكتشف فيها شغفًا جديدًا أو تبدأ مسارًا جديدًا في حياتك.
تعلم أن تكون أكثر مرونة، وأن تقبل التغيير كجزء من دورة الحياة، يعد من الخطوات الهامة. قد يكون هناك طرق جديدة للنمو الشخصي، سواء كان ذلك في مجال العمل أو العلاقات أو حتى داخل نفسك. الحياة بعد الفقد لا تعني بالضرورة الركود، بل يمكن أن تكون بداية فصل جديد مليء بالفرص.
7. الاحتفاظ بذكريات الشخص الراحل بطرق إيجابية
من المهم أن تجد طرقًا للاحتفاظ بذكريات الشخص الذي فقدته، ولكن بطريقة إيجابية تساهم في شفاء قلبك. تذكر اللحظات الجميلة التي مررت بها معه أو معها، سواء كان ذلك من خلال الألبومات العائلية أو المذكرات أو الهدايا التي تركها لك. أحيانًا، يمكنك أيضًا تكريم الشخص الراحل من خلال القيام بأعمال خيرية أو مبادرات تساهم في المجتمع، مما يعكس قيمته في حياتك.
الذكريات ليست عبئًا، بل هي مصدر دائم للراحة والهدوء. إن العيش في ذكرى الشخص الراحل لا يعني الوقوف في الماضي، بل هو وسيلة للحفاظ على الاتصال به في شكل من أشكال الحب والاحترام المستمر.
8. البحث عن الدعم المهني عند الحاجة
أحيانًا، قد لا يكون الأصدقاء والعائلة كافيين لمساعدتك على تجاوز الحزن، وقد تجد نفسك بحاجة إلى دعم مهني. لا تتردد في البحث عن مستشار نفسي أو معالج يمكنه مساعدتك في التعامل مع الحزن والصدمة. المتخصصون في العلاج النفسي يمكنهم تقديم تقنيات وأدوات للتعامل مع الحزن بطريقة صحية، ويساعدونك على مواجهة مشاعر مثل القلق أو الاكتئاب إذا كانت تسيطر عليك.
9. الصبر مع الذات والتقدم التدريجي
التعافي من فقدان شخص عزيز ليس عملية سريعة، بل هي رحلة طويلة تتطلب الصبر والتفاهم مع الذات. لن تكون حياتك كما كانت سابقًا، ولكن مع مرور الوقت، ستتعلم كيفية التكيف مع الحياة الجديدة. تقدمك قد يكون بطيئًا، ولكن كل خطوة نحو الأمام تعتبر إنجازًا. مهم أن تتذكر أن الشفاء ليس خطيًا؛ قد يكون لديك أيام صعبة، ولكن مع الوقت ستجد نفسك أقوى وأكثر استعدادًا للمضي قدمًا.
من المهم أن تتقبل أن الحزن جزء طبيعي من الحياة، وأنه سيأخذ وقتًا للشفاء الكامل.
