يشهد الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً بتقنيات الاستمطار الصناعي، كوسيلة مبتكرة للتعامل مع التحديات المناخية المتصاعدة، وعلى رأسها ندرة المياه وتراجع المعدلات الطبيعية لهطول الأمطار. تلجأ عدد من الدول العربية، في مقدمتها المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المغربية، جمهورية مصر العربية، وجمهورية العراق، إلى تنفيذ مشاريع استمطار صناعي ضمن استراتيجياتها الوطنية لتعزيز الأمن المائي والاستجابة لتغير المناخ.
الاستمطار الصناعي، أو تعديل الطقس، هو تدخل بشري مخطط في الغلاف الجوي لتحفيز تكوّن السحب أو تعزيز كمية هطول الأمطار باستخدام مواد كيميائية معينة تُنثر داخل السحب، أشهرها يوديد الفضة أو ثاني أكسيد الكربون المجمد. ورغم أن الفكرة تعود إلى أربعينيات القرن العشرين، إلا أن التطورات التكنولوجية الحديثة جعلت من هذه التقنية أداة أكثر دقة وفعالية، وهو ما دفع العديد من الدول العربية إلى تبنيها بشكل متسارع.
الاستمطار الصناعي في المملكة العربية السعودية
تعاني المملكة العربية السعودية من جفاف شديد وظروف مناخية قاسية بسبب موقعها الجغرافي داخل الحزام الصحراوي، حيث يُسجل متوسط هطول الأمطار السنوي أقل من 100 ملم في معظم المناطق. ولأجل ذلك، أطلقت السعودية برنامجاً وطنياً للاستمطار الصناعي بالتعاون مع المركز الوطني للأرصاد، وهو مشروع يحظى بدعم حكومي كبير ضمن رؤية المملكة 2030.
في أبريل 2022، أعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية إطلاق أولى العمليات التجريبية للاستزراع السحابي في مناطق الرياض وحائل والقصيم، ولاحقاً توسعت العمليات لتشمل عسير والطائف. تستخدم المملكة طائرات مخصصة لإطلاق الشعلات التي تحتوي على يوديد الفضة ومواد أخرى داخل السحب الركامية لتحفيز تكاثف بخار الماء وتساقط الأمطار. وقد سجلت النتائج الأولية زيادة ملحوظة في كميات الأمطار وتحسيناً في الغطاء النباتي في بعض المناطق.
الاستمطار في الإمارات العربية المتحدة
الإمارات من أوائل الدول العربية التي اعتمدت الاستمطار الصناعي كجزء من سياستها المناخية، حيث بدأت العمل على هذا الملف منذ تسعينيات القرن الماضي. وتُعد اليوم من الدول الرائدة عالمياً في مجال البحوث والتمويل المتعلق بالاستمطار، من خلال «برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار» الذي أُطلق عام 2015 تحت رعاية المركز الوطني للأرصاد.
تستخدم الإمارات أحدث التقنيات، بما في ذلك الطائرات دون طيار المزودة بأجهزة كهربائية لإحداث شحنات موجبة داخل السحب لتحفيز هطول الأمطار. كما أن الدولة تمتلك أسطولاً من الطائرات المعدلة لهذا الغرض، وتُسيّر سنوياً عشرات الرحلات خلال مواسم تكوّن السحب. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الاستمطار ساهم في زيادة كميات المياه الجوفية وتحسين جودة الهواء، مما جعله أداة أساسية في استراتيجية الأمن المائي الإماراتية.
الاستمطار الصناعي في المملكة المغربية
المغرب يمتلك خبرة طويلة في مجال الاستمطار الصناعي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، من خلال برنامج «الغيث» الذي تنفذه القوات الملكية الجوية بالتعاون مع المديرية العامة للأرصاد الجوية. ويهدف هذا البرنامج إلى زيادة كميات الأمطار وتخفيف حدة الجفاف الذي يؤثر على القطاع الزراعي بشكل خاص.
تعتمد العمليات في المغرب على استخدام الطائرات العسكرية لرش مادة يوديد الفضة داخل السحب المناسبة، بعد دراسات أرصادية دقيقة لتحديد مواقع تكوّن الغيوم المثلى. وقد ساهم هذا البرنامج في تحسين الإنتاج الزراعي وتغذية الموارد المائية، خاصة في مناطق الأطلس الكبير والريف، كما ساعد على تخفيف تداعيات نقص المياه في المواسم الجافة.
الاستمطار في جمهورية مصر العربية
رغم أن مصر لم تكن من الدول المبكرة في اعتماد تقنيات الاستمطار الصناعي، فإنها أبدت اهتماماً متزايداً في السنوات الأخيرة نتيجة التحديات المائية التي تواجهها، لا سيما في ظل ثبات حصة مياه النيل وزيادة الطلب السكاني والمناخي. وفي عام 2021، بدأت وزارة الطيران المدني بالتعاون مع وزارة الموارد المائية والري دراسة جدوى تنفيذ عمليات استمطار صناعي على نطاق محدود.
شملت التجارب الأولية في مصر استخدام الطائرات لرش المواد المحفزة فوق مناطق صحراوية غرب البلاد، وتحديداً في محافظة مطروح. وأكدت الجهات الرسمية أن التجارب أظهرت مؤشرات إيجابية تستدعي التوسع في استخدام التقنية مستقبلاً. وتسعى مصر إلى اعتماد هذه التكنولوجيا ضمن خطتها لمواجهة التغيرات المناخية وتعزيز مصادر المياه غير التقليدية.
الاستمطار الصناعي في العراق
يُعد العراق من الدول التي بدأت استكشاف الاستمطار الصناعي مؤخراً، بعد تفاقم أزمة المياه نتيجة تغير المناخ وانخفاض مناسيب الأنهار المشتركة مع دول الجوار. وفي عام 2022، أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية بالتنسيق مع وزارة النقل عن إعداد دراسة مبدئية حول جدوى تطبيق مشاريع استمطار في مناطق محددة مثل إقليم كردستان وشمال بغداد.
تم التعاقد مع شركات عالمية مختصة في تكنولوجيا الطقس لتقديم الخبرات الفنية والدعم اللوجستي. ورغم أن المشروع لا يزال في مراحله التمهيدية، إلا أن الحكومة العراقية تعتبره ركيزة استراتيجية في إطار تنويع مصادر المياه والاستعداد لسيناريوهات نقص الأمطار وازدياد التصحر في جنوب البلاد.
آليات وتقنيات الاستمطار المعتمدة في الدول العربية
تعتمد مشاريع الاستمطار الصناعي في الدول العربية على ثلاث تقنيات رئيسية، وهي:
| التقنية | الوصف | الدول المستخدمة |
|---|---|---|
| نثر يوديد الفضة | يُنثر من طائرات داخل السحب لزيادة تكاثف قطرات الماء | السعودية، المغرب، الإمارات |
| الشحن الكهربائي | استخدام طائرات مسيّرة لإطلاق شحنات كهربائية تحفّز تجمّع قطرات المطر | الإمارات |
| استخدام طلقات مدفعية | إطلاق مواد محفزة عبر مدافع مخصصة باتجاه السحب من الأرض | تُستخدم جزئياً في المغرب والعراق |
التحديات والاعتبارات البيئية
رغم الفوائد المتوقعة من الاستمطار الصناعي، فإن هناك تحديات بيئية وتقنية لا يمكن إغفالها. أبرز هذه التحديات:
-
التأثيرات غير المتوقعة: قد يؤدي تحفيز الأمطار في منطقة معينة إلى تقليل الأمطار في مناطق مجاورة، مما يطرح تساؤلات حول العدالة المناخية.
-
تأثير المواد الكيميائية: رغم أن المواد المستخدمة غالباً ما تكون بكميات آمنة، إلا أن دراسات بيئية متواصلة تُجرى لتقييم الأثر التراكمي لها على التربة والمياه.
-
الاعتماد على سحب معينة: لا يمكن إجراء الاستمطار في جميع الأوقات، إذ يتطلب وجود ظروف جوية وسحب ملائمة من نوع الركامية.
-
التكلفة العالية: تشمل عمليات الاستمطار تكلفة كبيرة في المعدات والطائرات والتكنولوجيا، ما يجعلها غير متاحة لبعض الدول ذات الموارد المحدودة.
الاستمطار كحل مستقبلي للأمن المائي العربي
يمثل الاستمطار الصناعي أحد الحلول غير التقليدية التي تلجأ إليها الدول العربية لمواجهة تحديات ندرة المياه والتغير المناخي. ورغم أنه ليس بديلاً كاملاً عن السياسات التقليدية لإدارة المياه، إلا أنه يعزز من فرص تحسين الإمدادات المائية في المناطق الجافة، خاصة إذا تم تنفيذه وفق معايير علمية مدروسة وتقييمات بيئية دقيقة.
يُظهر تنامي الاهتمام بهذه التقنية في السعودية والإمارات والمغرب ومصر والعراق، أن هناك وعياً رسمياً متزايداً بأهمية تبني أدوات علمية مبتكرة لمواجهة التغير المناخي وتحقيق الأمن المائي. وبينما تتطور هذه البرامج تدريجياً، فإن تبادل الخبرات الإقليمية والتعاون البحثي بين الدول العربية يمكن أن يشكل ركيزة صلبة لتطوير هذه التقنية بشكل جماعي يخدم مستقبل المنطقة بأسرها.
المصادر والمراجع
-
المركز الوطني للأرصاد – السعودية
-
برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار
-
المديرية العامة للأرصاد الجوية – المغرب
-
وزارة الموارد المائية والري – مصر
-
وزارة الموارد المائية – العراق
-
مجلة Nature Climate Change
-
تقارير منظمة الأرصاد العالمية WMO
-
دراسات منشورة في Springer وScienceDirect
