علاج تشنج عضلات الرقبة

تشنج عضلات الرقبة

تُعد تشنجات عضلات الرقبة من أكثر الحالات شيوعًا في الطب العضلي الحركي، وتشكل سببًا رئيسيًا للشعور بعدم الراحة وصعوبة أداء المهام اليومية. هذه الحالة تتمثل في انقباض لا إرادي ومفاجئ للعضلات الموجودة في منطقة العنق، ما يؤدي إلى ألم حاد، وتيبّس، وقيود واضحة في حركة الرأس. وعلى الرغم من أن هذه التشنجات قد تكون عابرة في بعض الحالات، فإنها قد تدوم لأيام أو حتى أسابيع إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح. ويزداد انتشار تشنج الرقبة في ظل أنماط الحياة المعاصرة التي تتسم بكثرة الجلوس، وضعف اللياقة البدنية، وزيادة التوتر النفسي.

البنية التشريحية لعضلات الرقبة

تتكون الرقبة من مجموعة معقدة من العضلات التي تعمل معًا لتثبيت الرأس وتسهيل حركته في الاتجاهات المختلفة. وتنقسم هذه العضلات إلى عضلات سطحية وعميقة، وتشمل على سبيل المثال:

• عضلة القصية الترقوية الخشائية (Sternocleidomastoid): مسؤولة عن تدوير الرأس وثنيه إلى الأمام.

• عضلات شبه المنحرف (Trapezius): تمتد من الرقبة إلى الكتف والظهر العلوي وتلعب دورًا مهمًا في حركة الرأس والكتفين.

• العضلات العميقة مثل عضلات الرقبة الأمامية والخلفية (Scalene وSplenius): تساهم في دعم وتثبيت الفقرات العنقية.

أي خلل في التوازن العضلي أو تعرض لإجهاد زائد يمكن أن يؤدي إلى تشنج عضلي في إحدى هذه المجموعات أو أكثر.

الأسباب الشائعة لتشنج عضلات الرقبة

1. الإجهاد العضلي والوضعيّة السيئة

تُعد الأسباب الوضعية من أكثر العوامل المؤدية لتشنجات الرقبة، خاصة عند الجلوس لفترات طويلة أمام الحاسوب أو استخدام الهواتف الذكية بوضعية انحناء الرأس للأمام. كما أن النوم في وضعيات غير صحيحة، أو استخدام وسائد غير مناسبة، يمكن أن يسبب توترًا عضليًا يؤدي في النهاية إلى التشنج.

2. الضغط النفسي والتوتر العصبي

العوامل النفسية مثل القلق والتوتر تؤدي إلى زيادة إفراز الكورتيزول، مما يُحفز العضلات على التقلص ويزيد من احتمال الإصابة بتشنج عضلي. ويعتبر الرقبة والكتفين من أكثر المناطق تأثرًا بالتوتر النفسي، حيث يتراكم التوتر فيهما بشكل واضح.

3. الإصابات المباشرة أو الحوادث

الرضوض الناتجة عن الحوادث، خاصة تلك التي تشمل حركة “الارتداد المفاجئ” للرأس (Whiplash)، يمكن أن تسبب تمزقًا في الألياف العضلية وتؤدي إلى تشنجات شديدة كرد فعل دفاعي من الجسم.

4. الانزلاقات الغضروفية العنقية

الضغط الناتج عن الغضروف المنزلق على الأعصاب العنقية قد يؤدي إلى شد عضلي دائم وتشنجات متكررة نتيجة لرد الفعل الالتهابي أو لتغير النمط الحركي لتجنب الألم.

5. القصور في التروية الدموية

نقص تدفق الدم إلى العضلات، كما يحدث أثناء الجلوس الخاطئ أو في حالات التصلب الشرياني، يقلل من وصول الأوكسجين والغذاء إلى الأنسجة العضلية، مما يؤدي إلى انقباضها تلقائيًا.

6. الأمراض العصبية والعضلية

بعض الحالات الطبية مثل التصلب اللويحي، أو خلل التوتر العضلي، قد تكون مسؤولة عن حدوث تشنجات مزمنة أو متكررة في الرقبة.

7. نقص المعادن الأساسية

انخفاض مستويات المغنيسيوم، البوتاسيوم، والكالسيوم يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات كهربائية في العضلات تتسبب في التقلصات والتشنجات المتكررة.

الأعراض المصاحبة لتشنج عضلات الرقبة

لا يقتصر التشنج العضلي على الألم فحسب، بل يمكن أن يترافق مع مجموعة من الأعراض المزعجة:

• ألم حاد أو نابض في الرقبة

• تيبّس واضح في حركة الرأس

• عدم القدرة على تحريك الرقبة بحرية

• صداع نابض يمتد من قاعدة الجمجمة

• ألم يمتد إلى الكتفين أو أعلى الظهر

• دوخة أو عدم توازن أحيانًا عند شدة التشنج

طرق التشخيص

يعتمد تشخيص تشنج عضلات الرقبة بشكل أساسي على الفحص السريري، حيث يقوم الطبيب بتحسس العضلات والتحقق من نقاط الألم، وتقييم حركة الرقبة. ومع ذلك، قد تُطلب بعض الفحوصات التصويرية أو التحاليل لاستبعاد الأسباب الأخرى:

• التصوير بالأشعة السينية (X-ray): للكشف عن مشكلات الفقرات أو الانزلاقات.

• الرنين المغناطيسي (MRI): في حال وجود شك في الانزلاق الغضروفي أو الالتهابات العصبية.

• اختبارات الدم: لفحص مستويات المعادن أو مؤشرات الالتهاب.

الخيارات العلاجية لتشنج الرقبة

1. العلاج الدوائي

• مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs): مثل الإيبوبروفين والديكلوفيناك لتقليل الألم والالتهاب.

• مرخيات العضلات: تُستخدم لتقليل الشد العضلي وتسهيل حركة الرقبة.

• المسكنات الموضعية: مثل الكريمات التي تحتوي على الكابسيسين أو الميثيل ساليسيلات.

2. العلاج الطبيعي

أحد أهم الوسائل لعلاج تشنج عضلات الرقبة ويتضمن:

• تمارين التمدد اللطيف: لاستعادة المرونة العضلية.

• العلاج بالحرارة والبرودة: الحرارة تزيد من تدفق الدم، بينما الثلج يقلل من الالتهاب.

• العلاج الكهربائي (TENS): يساهم في تقليل الإحساس بالألم.

• التدليك العلاجي: لتحفيز الدورة الدموية وتخفيف التوتر العضلي.

3. التدخلات اليدوية

المعالجة اليدوية من قبل أخصائي تقويم العمود الفقري قد تُفيد في استعادة الاستقامة الفقرية وتحسين الحركة.

4. التدخل النفسي

في الحالات التي يكون فيها التوتر العصبي هو السبب الأساسي، يمكن للعلاج السلوكي المعرفي أو تمارين الاسترخاء أن يكون لها دور فعّال في تقليل التشنجات المتكررة.

5. الوخز بالإبر (Acupuncture)

يُستخدم كوسيلة فعالة في الطب الصيني لتخفيف التوتر العضلي وتحفيز الشفاء الذاتي.

الوقاية من تشنجات عضلات الرقبة

تلعب الوقاية دورًا جوهريًا في الحد من تكرار تشنجات الرقبة، وتشمل الإجراءات التالية:

الجلوس بوضعية صحيحة

الحرص على دعم العمود الفقري العنقي أثناء الجلوس، وتجنب الانحناء للأمام لفترات طويلة. ويُنصح باستخدام كرسي مريح يدعم الرأس والعنق.

أخذ فترات استراحة خلال العمل

يُفضل أخذ فترات راحة كل 30-60 دقيقة، خاصة للأشخاص الذين يستخدمون الحاسوب أو الهاتف المحمول لفترات طويلة.

استخدام وسادة مناسبة أثناء النوم

ينبغي اختيار وسادة تدعم انحناء الرقبة الطبيعي وتمنع تمددها الزائد أو انخفاضها.

ممارسة التمارين الرياضية

تمارين تقوية عضلات الرقبة والكتف وتمارين التمدد تقلل من احتمالية الإصابة بالتشنجات.

السيطرة على التوتر النفسي

اللجوء إلى تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، اليوغا، التأمل، أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة قد يُسهم في تقليل الشد العضلي الناتج عن التوتر.

مضاعفات تشنج الرقبة غير المعالجة

في حال عدم التعامل مع التشنجات بشكل فعّال، قد يؤدي ذلك إلى تطور بعض المضاعفات:

• تقييد مزمن في حركة الرأس

• تفاقم الألم ليتحول إلى صداع مزمن أو ألم في الكتفين

• تدهور النوم بسبب الألم الليلي

• زيادة خطر الإصابة بمشاكل فقرات الرقبة

مقارنة بين أنواع العلاج المختلفة

الخاتمة

تشنج عضلات الرقبة هو حالة شائعة ترتبط بمجموعة متنوعة من الأسباب العضلية والعصبية والميكانيكية والنفسية. وقد تتفاوت شدة الحالة من بسيطة إلى معيقة للحركة اليومية. يعتمد التعامل مع التشنج على التشخيص الدقيق، تلي ذلك خطة علاجية شاملة تشمل العلاج الدوائي، الطبيعي، وتقنيات الوقاية. الفهم العميق لهذه الحالة والاهتمام بالوقاية منها يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تحسين نوعية الحياة، خاصة في ظل نمط الحياة الحديث المتسم بالجلوس المفرط واستخدام التكنولوجيا لفترات طويلة.

المراجع:

1. National Institute of Neurological Disorders and Stroke (NINDS): www.ninds.nih.gov

2. Cleveland Clinic – Neck Muscle Spasms Overview: www.clevelandclinic.org