الالتهابات المعوية عند الأطفال

الالتهابات المعوية عند الأطفال: أسبابها وطرق علاجها

تُعد الالتهابات المعوية لدى الأطفال من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا، وتمثل تحديًا طبيًا كبيرًا للأهالي ومقدمي الرعاية الصحية على حدٍ سواء، خصوصًا في السنوات الأولى من عمر الطفل. تتفاوت هذه الالتهابات في شدتها وأسبابها، ولكنها تشترك في التأثير السلبي على الجهاز الهضمي للطفل، مما ينعكس على صحته العامة ونموه البدني والمعرفي. تتطلب هذه الحالات تشخيصًا دقيقًا وتدبيرًا علاجيًا مدروسًا لتفادي المضاعفات الخطيرة، مثل الجفاف، وسوء التغذية، وتأخر النمو. سنناقش في هذا المقال الموسّع أبرز أسباب الالتهابات المعوية عند الأطفال، أنواعها، أعراضها، وسائل التشخيص، طرق العلاج، وسبل الوقاية الفعّالة.

أولًا: تعريف الالتهابات المعوية عند الأطفال

الالتهابات المعوية هي حالات التهابية تُصيب بطانة الأمعاء الدقيقة أو الغليظة، وقد تشمل في بعض الحالات المعدة أيضًا. تصاحبها مجموعة من الأعراض مثل الإسهال، والقيء، وآلام البطن، وقد تؤدي إلى اختلال امتصاص العناصر الغذائية، وبالتالي تؤثر سلبًا على صحة الطفل العامة. تتنوع أسباب هذه الالتهابات بين الفيروسات، والبكتيريا، والطفيليات، بالإضافة إلى بعض العوامل غير المعدية مثل التهابات الأمعاء المزمنة (مثل داء كرون أو التهاب القولون التقرحي).

ثانيًا: الأسباب الرئيسية للالتهابات المعوية عند الأطفال

1. العدوى الفيروسية

السبب الأكثر شيوعًا للالتهابات المعوية عند الأطفال. ومن أبرز الفيروسات:

• فيروس الروتا (Rotavirus): أحد الأسباب الأساسية للإسهال الحاد عند الأطفال، خاصةً دون سن الخامسة. ينتقل بسهولة عبر الفم من خلال ملامسة الأسطح الملوثة.

• نوروفيروس (Norovirus): شائع في البيئات المغلقة مثل دور الحضانة والمدارس.

• فيروس الأدينوفيروس (Adenovirus): يسبب إسهالًا يستمر لفترة أطول مقارنة بغيره من الفيروسات.

2. العدوى البكتيرية

غالبًا ما تسبب أعراضًا أشد مقارنةً بالفيروسات وتشمل:

• السالمونيلا (Salmonella): تنتقل عن طريق تناول البيض أو الدواجن غير المطهية جيدًا.

• الشيغيلا (Shigella): تنتقل عبر التلامس المباشر أو من خلال مياه الشرب الملوثة.

• الإشريكية القولونية (E. coli): بعض سلالاتها مثل O157:H7 يمكن أن تؤدي إلى التهاب قولوني نزفي خطير.

• العطيفة (Campylobacter): تسبب إسهالًا معويًا مصحوبًا بالحمى وألم في البطن.

3. العدوى الطفيلية

تنتشر أكثر في البيئات التي تعاني من نقص النظافة:

• الجيارديا لامبليا (Giardia lamblia): طفيلي يصيب الأمعاء الدقيقة ويؤدي إلى الإسهال المزمن وفقدان الوزن.

• الأميبا (Entamoeba histolytica): تسبب التهاب الأمعاء الغليظة وقد تؤدي إلى نزف شرجي.

4. أسباب غير معدية

• أمراض التهابية مزمنة: مثل داء كرون أو التهاب القولون التقرحي.

• الحساسية الغذائية: كحساسية اللاكتوز أو حساسية الغلوتين (الداء البطني).

• الاضطرابات المناعية أو نقص المناعة المكتسب أو الولادي.

• الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية: يؤدي إلى اختلال التوازن البكتيري في الأمعاء.

ثالثًا: الأعراض الشائعة للالتهابات المعوية عند الأطفال

تتفاوت الأعراض بحسب نوع المسبب، لكن الأعراض الأكثر شيوعًا تشمل:

• إسهال حاد أو مزمن (قد يكون مائيًا أو يحتوي على دم).

• قيء متكرر.

• ألم أو تقلصات في البطن.

• ارتفاع في درجة الحرارة.

• فقدان الشهية والامتناع عن الرضاعة أو الطعام.

• علامات الجفاف مثل جفاف الفم، انخفاض معدل التبول، بكاء دون دموع، وخمول عام.

• نقص الوزن أو تأخر في النمو في حالات الالتهاب المزمن.

رابعًا: تشخيص الالتهابات المعوية

يتطلب التشخيص الدقيق مجموعة من الخطوات تشمل:

1. التاريخ المرضي والفحص السريري

يُسأل الأهل عن مدة الإسهال، لون البراز، وجود دم أو مخاط، وجود حمّى، وفقدان شهية. كما يتم فحص الطفل سريريًا للكشف عن علامات الجفاف.

2. تحليل البراز

يُعد من الفحوص الأساسية. يساعد في الكشف عن:

• وجود كريات دم بيضاء أو دم في البراز.

• الطفيليات أو بيضها.

• البكتيريا أو الفيروسات المسببة.

• مستوى الإنزيمات الهضمية.

3. اختبارات إضافية

قد تُطلب في بعض الحالات:

• تحليل الدم الشامل (CBC) للكشف عن علامات العدوى أو فقر الدم.

• اختبار الأجسام المضادة للطفيليات أو الحساسية الغذائية.

• التنظير الداخلي للقولون والمعدة في حالات الالتهاب المزمن أو الاشتباه بأمراض مناعية.

خامسًا: طرق علاج الالتهابات المعوية

يختلف العلاج حسب المسبب:

1. العلاج الداعم (Supportive Therapy)

وهو الأساس في جميع الحالات:

• تعويض السوائل والأملاح: عبر محلول الإماهة الفموية (ORS) أو السوائل الوريدية في الحالات الشديدة.

• الراحة والتغذية الجيدة: يجب عدم التوقف عن الرضاعة أو التغذية بل يوصى بالاستمرار بها.

• الأطعمة المناسبة: مثل الموز، الأرز، التفاح، والخبز المحمص (BRAT diet)، وتجنب الأطعمة الدهنية أو الغنية بالألياف مؤقتًا.

2. العلاج الدوائي

• المضادات الحيوية: تُستخدم فقط في الحالات المؤكدة بالبكتيريا مثل الشيغيلا أو السالمونيلا، ولا تُعطى في العدوى الفيروسية.

• مضادات الطفيليات: مثل الميترونيدازول لعلاج الجيارديا أو الأميبا.

• خافضات الحرارة: مثل الباراسيتامول للسيطرة على الحمى.

• مضادات التقيؤ: تُستخدم بحذر وتحت إشراف طبي.

• البروبيوتيك: لتعزيز توازن البكتيريا النافعة وتسريع الشفاء.

3. علاج الأسباب المزمنة

• الحميات الخاصة: مثل حمية خالية من اللاكتوز أو الغلوتين في حالات الحساسية.

• العلاجات المناعية أو الكورتيكوستيرويدات: تُستخدم في حالات الأمراض الالتهابية المزمنة تحت إشراف أخصائي الجهاز الهضمي للأطفال.

سادسًا: المضاعفات المحتملة

إهمال علاج الالتهابات المعوية يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات مثل:

• الجفاف الشديد: خصوصًا عند الرضع، ويعد من الأسباب الرئيسية للوفاة في الدول النامية.

• سوء التغذية: نتيجة فقدان العناصر الغذائية وسوء الامتصاص.

• اختلال التوازن الكهربائي في الدم.

• متلازمة انحلال الدم اليوريمية (HUS): في حالات الإصابة ببكتيريا E. coli O157:H7.

• تلف مزمن في الأمعاء أو تأخر النمو البدني والمعرفي.

سابعًا: الوقاية من الالتهابات المعوية

1. الرضاعة الطبيعية

توفر الرضاعة الطبيعية مناعة طبيعية وتحمي من العدوى.

2. اللقاحات

• لقاح فيروس الروتا: يُعطى خلال الأشهر الأولى من عمر الطفل وهو فعال جدًا في تقليل الحالات الشديدة.

3. النظافة الشخصية

• غسل اليدين بانتظام قبل الأكل وبعد استخدام الحمام.

• تعقيم الألعاب والأدوات المستخدمة في دور الحضانة.

4. السلامة الغذائية

• طهي الطعام جيدًا.

• استخدام مياه شرب نظيفة.

• عدم إعطاء الطفل أطعمة مكشوفة من الشارع أو غير موثوقة المصدر.

5. تجنب الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية

الاستخدام الخاطئ يؤدي إلى خلل في البكتيريا النافعة وزيادة مقاومة الميكروبات.

جدول تفصيلي لأهم مسببات الالتهاب المعوي وعلاجاتها:

ثامنًا: توصيات طبية ونهج متكامل

من المهم أن يتم التعامل مع كل حالة التهاب معوي عند الطفل بجدية ووفقًا لمنهج طبي متكامل يجمع بين التشخيص الدقيق والعلاج الفعّال. ويُنصح الأهل بعدم إعطاء الطفل أدوية دون استشارة طبيب الأطفال، خصوصًا المضادات الحيوية ومضادات الإسهال التي قد تكون ضارة في بعض الحالات. كذلك يُنصح بمتابعة نمو الطفل وتغذيته بعد انتهاء النوبة المرضية، خصوصًا في الحالات المتكررة.

المراجع العلمية:

1. World Health Organization. Diarrhoeal disease. WHO Fact Sheets. https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/diarrhoeal-disease

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC). Global Diarrhea Burden. https://www.cdc.gov/healthywater/global/diarrhea-burden.html