مواضيع دينية متفرقة

أهل السنة والجماعة: العقيدة والمنهج

أهل السنة والجماعة: تعريفهم، أصولهم، ومعتقداتهم

تُعتبر فرقة أهل السنة والجماعة من أهم الفرق الإسلامية وأكثرها انتشارًا عبر العصور، وهي تمثل الغالبية العظمى من المسلمين حول العالم. ويُطلق عليها أحيانًا “السنة” اختصارًا، وهم الذين اتبعوا سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا على الالتزام بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، واتخذوا هذا منهجًا في الاعتقاد والعمل والعبادة.

مفهوم أهل السنة والجماعة وأصولهم التاريخية

يُقصد بأهل السنة والجماعة أولئك الذين تمسكوا بالقرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء بها الأحاديث النبوية الصحيحة، إضافة إلى اتباع منهج الصحابة الذين كانوا خير القرون بعد النبي عليه السلام، وتمسكوا بالاجماع، وهو اتفاق العلماء على حكم شرعي في مسألة معينة.

لقد ظهر مصطلح أهل السنة والجماعة بوضوح خلال العصور الإسلامية الأولى تحديدًا في العصر الأموي والعباسي، وذلك للتمييز بين المسلمين الذين تمسكوا بالسنة النبوية وأهل الجماعة، وبين الفرق والملل التي انحرفت عن هذا المنهج، مثل الخوارج، والشيعة، وغيرهم من الفرق التي ظهرت نتيجة لتفسيرات مختلفة وفهم متباين للقرآن والسنة.

كانت البداية العملية لتسمية أهل السنة والجماعة بهذا الاسم نتيجةً للفرق التي ظهرت بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي انقسمت إلى مجموعات متعددة تختلف في أصول العقيدة والفقه. وقد اجتمعت فرق أهل السنة على قاعدة راسخة تقوم على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، مع إجماع الصحابة، ونبذ الانحرافات والتفسيرات التي تخرج عن ذلك.

العقيدة الأساسية لأهل السنة والجماعة

تقوم عقيدة أهل السنة والجماعة على أركان إيمانية راسخة تستند إلى الكتاب والسنة، وتتفق مع ما نقله الصحابة والتابعون رضي الله عنهم. ويمكن تلخيص المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مذهب أهل السنة والجماعة في النقاط التالية:

1. توحيد الله تعالى

يُعد التوحيد أساس العقيدة الإسلامية عند أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بأن الله تعالى واحد لا شريك له في ذاته وأسمائه وصفاته، وأنه لا يجوز له التشبيه أو التجسيم أو تأويل الصفات على غير ما جاء في الكتاب والسنة. ويرفض أهل السنة ما يُعرف بالتجسيم أو التشبيه، ويؤمنون بأن الله فوق سمائه، وأن صفاته كما وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله، من غير تعطيل أو تأويل.

2. الإيمان بالرسل والأنبياء

يؤمن أهل السنة بجميع الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله لهداية البشر، مع الإيمان بأن خاتم الأنبياء هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الخلق والمرسلين. ويُعتبر الإيمان بالرسل والكتب السماوية من أركان الإيمان الستة.

3. الإيمان بالكتب السماوية

يعتقد أهل السنة بأن الله أنزل كتبًا سماوية لكل نبي من أنبيائه، منها التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن الكريم، الذي هو آخر الكتب السماوية وأكملها، وأنه محفوظ من التحريف والزيادة والنقصان، ولا يجوز تحريفه أو تغييره.

4. الإيمان باليوم الآخر

يتفق أهل السنة على الإيمان بالبعث بعد الموت، والحساب، والجزاء، والجنة والنار، وأن كل إنسان سيُجازى حسب عمله في الدنيا، وأن أفعال الإنسان تُكتب له في صحيفة أعماله.

5. الإيمان بالقدر خيره وشره

يرفض أهل السنة الجبر والتفويض المتطرف، ويؤمنون بأن الله قدَّر كل شيء وقدر الخير والشر، مع وجود حرية الإنسان في اختيار أفعاله، وأن الإنسان مسؤول عن اختياره وأعماله.

مصادر التشريع عند أهل السنة والجماعة

تعتمد شريعة أهل السنة والجماعة على مصادر أربعة رئيسية هي:

القرآن الكريم

الكتاب المنزل من عند الله، وهو المصدر الأول والأسمى للتشريع، وكلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

السنة النبوية

الأحاديث والأفعال والتقريرات التي صدرت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي تفسر وتفصل أحكام القرآن الكريم، وتوضح سيرة النبي ومثله الأعلى.

الإجماع

اتفاق علماء الأمة في عصر معين على حكم شرعي، وهو من الأدلة الشرعية عند أهل السنة، وهو تأكيد على صحة الحكم الذي عليه توافق العلماء.

القياس

استخدام العقل والمنطق في استنباط حكم شرعي لمسألة جديدة غير منصوص عليها صراحة في القرآن أو السنة، وذلك بمقارنة المسألة الجديدة بما يشابهها من المسائل التي ورد فيها الحكم.

أهم مذاهب أهل السنة والجماعة

تتنوع مذاهب أهل السنة في الفقه، حيث تتفق في العقيدة الأساسية، لكن تختلف في المسائل الفقهية والاجتهادية. وأشهر هذه المذاهب:

  • الحنفية: مؤسسها الإمام أبو حنيفة النعمان، وتشتهر باستخدام القياس والرأي الفقهي، وتنتشر في بلاد الهند وتركيا والعالم العربي.

  • المالكية: مؤسسها الإمام مالك بن أنس، وتعتمد كثيرًا على عمل أهل المدينة، وهي منتشرة في شمال أفريقيا وغرب إفريقيا.

  • الشافعية: مؤسسها الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وتجمع بين النقل والعقل في استنباط الأحكام، وتنتشر في مصر وبلاد الشام.

  • الحنابلة: مؤسسها الإمام أحمد بن حنبل، وهي تتسم بالتمسك الشديد بالنصوص الشرعية دون إعطاء مجال كبير للقياس، وتنتشر في السعودية وبلاد الخليج.

خصائص أهل السنة والجماعة

التزامهم بالكتاب والسنة

أهل السنة والجماعة يميزهم التمسك الصارم بالقرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويرفضون البدع التي لم تأت بها نصوص شرعية.

الاعتدال والوسطية

يتسم أهل السنة بالوسطية في العقيدة والعبادة، بعيدًا عن الغلو والتطرف أو التفريط والتساهل في الدين، وهو ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ».

الاعتراف بفضل الصحابة والتابعين

أهل السنة يعظمون الصحابة رضوان الله عليهم ويرونهم أفضل القرون بعد الأنبياء، ويستندون إلى أقوالهم وأفعالهم كمصدر معتبر لفهم الدين.

رفضهم للفرق المنحرفة

يرفض أهل السنة الفرق التي خرجت عن أصل الدين مثل الخوارج الذين خرجوا عن طاعة ولاة الأمر، والشيعة الذين لهم معتقدات تختلف في العقيدة والولاء.

أهل السنة والجماعة في مواجهة الفرق الإسلامية الأخرى

على مر التاريخ، تعرض أهل السنة والجماعة لمختلف التحديات من الفرق الإسلامية الأخرى التي نشأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. هذه الفرق غالبًا ما تميزت بتفسيرات مختلفة للقرآن والسنة، وظهرت مواقف شديدة في الجوانب العقائدية والفقهية، مما أدى إلى بروز اختلافات عميقة بين أهل السنة وهذه الفرق.

الفرق مثل الشيعة الاثني عشرية أو الزيدية، والخوارج، والصوفية بمذاهبها المختلفة، لها مواقف مختلفة تجاه عقيدة أهل السنة، وتختلف معها في مسائل مثل الإمامة، وحكم أهل البدع، وأحكام الفقه وغيرها. لكن أهل السنة استمروا في المحافظة على منهجهم الوسطي القائم على الكتاب والسنة والإجماع.

أثر أهل السنة والجماعة في الحضارة الإسلامية

ساهم أهل السنة والجماعة في بناء الحضارة الإسلامية بأبعادها العلمية والثقافية والفكرية، وبرز من بينهم العلماء الذين أثروا الفقه، والحديث، والتفسير، والمنطق، والعلوم الطبيعية والإنسانية. من بين أعلام أهل السنة:

  • الإمام النووي: صاحب رياض الصالحين والمجموع.

  • الإمام الغزالي: الذي جمع بين الفقه والتصوف.

  • الإمام الشافعي: مؤسس المذهب الشافعي.

  • الإمام ابن تيمية: الذي دافع عن عقيدة أهل السنة والجمعة.

هذا الإرث العلمي الضخم أسهم في نشر الإسلام وتعميق فهمه، وكان له الأثر البارز في تثبيت أركان الدين وحماية الأمة من الانحراف.

جدول يوضح الفرق بين أهل السنة والجماعة وبعض الفرق الأخرى

المعيار أهل السنة والجماعة الشيعة الاثني عشرية الخوارج
المصدر الأساسي للعقيدة القرآن والسنة وإجماع الصحابة القرآن والسنة مع تأويلات خاصة وأهل البيت القرآن والسنة لكن مع مواقف متشددة وخروج على ولاة الأمر
المعتقد في الإمامة لا تعتقد في ولاية خاصة بعد الخلفاء الراشدين تعتقد في إمامة أهل البيت اثني عشر إمامًا لا تؤمن بالإمامة ولا بالخلافة التقليدية
الموقف من الصحابة احترام وتقدير واحترام إجماعي للصحابة تختلف في تقدير بعض الصحابة ترفض بعض الصحابة وتعتبرهم خارجين
النهج في الفقه مذاهب فقهية معتمدة ومتعددة مذهب الجعفري (الشيعي) نهج متشدد ومتطرف في الحكم الشرعي
العقيدة في صفات الله توحيد بلا تمثيل أو تعطيل مشابهة لأهل السنة مع بعض التأويلات تمثيل أحيانًا وتعطيل أحيانًا

الخلاصة

أهل السنة والجماعة يمثلون العمود الفقري للأمة الإسلامية، وذلك بسبب تمسكهم بالكتاب والسنة، والوسطية والاعتدال في العقيدة، والوفاء لمنهج السلف الصالح. فهم الذين حافظوا على نقاء العقيدة الإسلامية الصحيحة، وساهموا في بناء حضارة عظيمة في مختلف العلوم الشرعية والدنيوية. بفضل ثباتهم على هذا المنهج استطاعوا أن يظلوا الأغلبية بين المسلمين، وينيروا طريق الهداية والوسطية في عالم الإسلام حتى اليوم.


المصادر:

  • كتاب “الفرق الإسلامية” للدكتور وهبة الزحيلي.

  • “التاريخ الإسلامي” لجاك بيرك.