ارتفاع الحرارة مع برودة الأطراف

ارتفاع حرارة الطفل مع برودة الأطراف: الأسباب والتشخيص والعلاج الشامل

يُعتبر ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمّى) عند الأطفال من أكثر الأعراض شيوعًا في مرحلة الطفولة، وهو غالبًا ما يُعدّ دلالة على استجابة مناعية طبيعية تجاه عدوى فيروسية أو بكتيرية. ومع ذلك، فإن ملاحظة ارتفاع الحرارة مصحوبًا ببرودة أو زرقة الأطراف (اليدين والقدمين) يثير القلق لدى الأهل والطاقم الطبي، خاصة إن ترافق مع أعراض سريرية أخرى تشير إلى خلل في الدورة الدموية أو بداية صدمة جهازية. هذه الحالة تستدعي فهماً دقيقاً وتحليلاً شاملاً للعوامل المحتملة لتفادي المضاعفات الخطيرة.

أولًا: الفهم الفسيولوجي لحرارة الجسم وتنظيمها عند الأطفال

درجة حرارة الجسم الطبيعية تتراوح بين 36.5 إلى 37.5 درجة مئوية، وتتحكم بها منطقة “الهيبوثالاموس” في الدماغ من خلال توازن دقيق بين توليد الحرارة وفقدانها. عند الإصابة بعدوى، يطلق الجهاز المناعي “سيتوكينات” تؤثر على مركز تنظيم الحرارة فترفع درجة الحرارة بهدف القضاء على العامل الممرض. ولكن ما يحدث عند ارتفاع الحرارة مع برودة الأطراف يرتبط غالبًا بتبدلات في الجهاز العصبي الذاتي والجهاز القلبي الوعائي.

ثانيًا: الأسباب المحتملة لارتفاع حرارة الطفل مع برودة الأطراف

1. العدوى الشديدة (Severe Infections)

تشمل حالات الإنتان (Sepsis) أو التهاب السحايا أو الالتهاب الرئوي الحاد، حيث تزداد الحرارة المركزية بينما يحدث تضيق في الأوعية الدموية الطرفية، ما يؤدي إلى برودة اليدين والقدمين. في هذه الحالات، قد يسبق هذا العرض تطور صدمة إنتانية وهي حالة طبية طارئة.

2. الحمّى الفيروسية

بعض الفيروسات مثل الإنفلونزا أو الفيروس المخلوي التنفسي (RSV) قد تسبب ارتفاعًا كبيرًا في الحرارة مع ضعف في التروية الدموية الطرفية، مما يُشاهد كبرودة الأطراف، خاصة في بداية الحمى.

3. الحمّى مع ارتجاف الأطراف

تحدث في سياق الحمى الراجعة أو بعض حالات الملاريا، حيث يسبق ارتفاع الحرارة ارتعاش وبرودة شديدة في الأطراف بسبب توسع أو تضيق وعائي مفاجئ.

4. نقص حجم الدم (Hypovolemia)

عند الإصابة بالإسهال الشديد أو القيء المتكرر، يفقد الطفل كميات كبيرة من السوائل، ما يؤدي إلى نقص تروية الأطراف بسبب تركيز الدورة الدموية على الأعضاء الحيوية.

5. الصدمة (Shock)

قد تكون صدمة نقص حجم أو صدمة إنتانية أو تحسسية. برودة الأطراف من أولى العلامات التحذيرية لانخفاض التروية المحيطية.

6. الأمراض العصبية أو الاستقلابية

مثل مرض كاوازاكي أو داء الغدة الكظرية (مثل مرض أديسون)، حيث يمكن أن يُلاحظ تباين كبير في توزيع الحرارة بسبب اضطراب في التنظيم العصبي الذاتي.

ثالثًا: العلامات السريرية المرافقة الواجب الانتباه إليها

عند تقييم طفل يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة مع برودة الأطراف، ينبغي على الطبيب أو مقدم الرعاية الصحية ملاحظة الأعراض التالية بعناية:

رابعًا: خطوات التشخيص الطبي

تشخيص السبب الكامن يتطلب تقييم سريري دقيق، وتُستخدم الإجراءات التالية بحسب الحالة:

الفحوص السريرية:

• قياس درجة الحرارة المركزية بدقة (عن طريق المستقيم في الأطفال الصغار)

• قياس ضغط الدم والنبض ومعدل التنفس

• تقييم لون الجلد، مستوى الوعي، ورطوبة الأغشية المخاطية

التحاليل المخبرية:

• عدّ دموي شامل (CBC): يحدد وجود التهاب أو عدوى.

• تحليل البول: يستبعد التهاب المجاري البولية.

• اختبارات كيمياء الدم: لتقييم شوارد الدم ووظائف الكبد والكلى.

• زرع دم وبول: عند الاشتباه بإنتان دموي.

• تحاليل إضافية: مثل اختبار بروتين C التفاعلي (CRP) أو البروكالسيتونين، لتمييز العدوى البكتيرية من الفيروسية.

الفحوص التصويرية:

• تصوير الصدر بالأشعة السينية في حال الشك بالتهاب رئوي.

• التصوير بالموجات فوق الصوتية للبطن في حال وجود أعراض هضمية.

• تصوير الدماغ أو العمود الفقري القطني عند الشك بالتهاب السحايا أو خلل عصبي.

خامسًا: العلاج والنهج الطبي

1. خفض الحرارة

• استخدام الباراسيتامول أو الإيبوبروفين بجرعة مناسبة حسب وزن الطفل.

• تجنّب الجمع بين الدواءين دون إشراف طبي.

• تبريد الجسم بشكل معتدل بكمادات دافئة (ليست باردة أو ثلجية).

2. دعم الدورة الدموية

• إعطاء السوائل الوريدية عند الاشتباه بالجفاف أو الصدمة.

• متابعة ضغط الدم ونبض الأطراف.

• استخدام موسعات الأوعية أو أدوية داعمة للضغط في الحالات الحرجة (تُعطى في المستشفى فقط).

3. علاج السبب الأساسي

• مضادات حيوية في حال العدوى البكتيرية المؤكدة أو المشتبه بها.

• مضادات فيروسية في بعض الحالات مثل الإنفلونزا الشديدة.

• علاج داعم كالأوكسجين، خافضات الحرارة، أو الأدوية المضادة للتشنج عند الحاجة.

4. الرعاية في المستشفى

عندما تظهر علامات الخطر مثل:

• انخفاض ضغط الدم

• تسرع ضربات القلب الشديد

• نقص الوعي

• قلة التبول

• شحوب أو زرقة في الأطراف

ينبغي إدخال الطفل إلى وحدة العناية المركزة للأطفال ومتابعته بشكل لصيق.

سادسًا: الوقاية والتوعية الأبوية

• المراقبة الدقيقة للحرارة: يُفضل استخدام مقياس حرارة رقمي معتمد، وعدم الاعتماد على اللمس فقط.

• التعامل مع الحمى بهدوء: الحمى ليست مرضًا، بل عرض يحتاج تفسير سببه.

• عدم إعطاء مضادات حيوية من دون وصفة طبية.

• تعزيز المناعة العامة للطفل من خلال التغذية الجيدة، النوم الكافي، والالتزام باللقاحات الأساسية.

• مراجعة الطبيب سريعًا عند ظهور حرارة شديدة مع برودة الأطراف، خاصة إن ترافق مع تغير في مستوى الوعي، الطفح، أو تسارع التنفس.

سابعًا: الحالات الخاصة حسب العمر

ثامنًا: الفرق بين حرارة مركزية وطرفية

تُقاس حرارة الجسم عادة في مناطق مركزية (مثل الفم أو المستقيم)، أما الأطراف فقد تكون أبرد بشكل طبيعي. لكن عند وجود فرق كبير بين الحرارة المركزية (مثلاً 39.5°) وبرودة شديدة في اليدين أو القدمين، يجب التفكير في وجود خلل في توزيع الدم أو بداية صدمة.

تاسعًا: الجدول التفريقي للأسباب المحتملة

المراجع:

1. World Health Organization. Pocket book of hospital care for children: guidelines for the management of common illnesses with limited resources, 2nd ed. 2013.

2. Mayo Clinic. Fever in children. www.mayoclinic.org

عنوان SEO للمقال:

حرارة الطفل وبرودة الأطراف