كم يوم يفطر المسافر في رمضان
الصيام في شهر رمضان من الفرائض العظيمة التي فرضها الله تعالى على المسلمين، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وله أحكام وقواعد شرعية دقيقة تحدد كيفية أدائه ومتى يجوز الإفطار فيه، ومن أبرز هذه الأحكام مسألة الإفطار للمسافر، حيث يباح للمسافر أن يفطر في رمضان تحت شروط معينة، ويطرح السؤال: كم يوم يفطر المسافر؟ وما هي ضوابط هذا الإفطار؟ هذا المقال يتناول بالتفصيل أحكام الصيام للمسافر، والمدة المسموح بها للإفطار، مع بيان الضوابط الشرعية المتعلقة بذلك وفقًا للنصوص الشرعية وآراء العلماء.
مفهوم السفر في الشريعة الإسلامية
قبل الخوض في مدة الإفطار للمسافر، لا بد من تحديد مفهوم السفر في الإسلام، حيث يشترط للإباحة الفطر أن يكون المسلم مسافرًا بمقدار مسافة معينة، وهي أكثر من مسافة الإقامة العادية التي يقرها الفقهاء.
وفقًا لأكثر الفقهاء، يبدأ حكم السفر من قطع مسافة تقارب 80 كيلومترًا (نحو 48 ميلاً) على الأقل من محل الإقامة، وهذا معيار اتفق عليه جمهور العلماء في الحنفية، المالكية، والشافعية، بينما يرى بعض الحنابلة أن المسافة أقل.
السفر يعني الخروج من بلد الإقامة إلى مكان آخر يبعد عن وطنه، بغرض الترحال أو العمل أو غيره، وهذا الخروج هو الذي يُبيح للمسلم الإفطار في رمضان بناء على الحديث النبوي:
“السفرُ جُعِلَ رخصةً، فمن أراد أن يُتم صيامَه فله ذلك، ومن أراد أن يُفطر فله ذلك.” (رواه البخاري ومسلم).
هل يجوز للمسافر الإفطار في رمضان؟
الإجماع عند العلماء أن المسافر يجوز له الفطر في رمضان، وهو رخصة شرعية تيسيراً على المسلم، لأن السفر فيه مشقة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرخصة بشكل واضح.
وهذه الرخصة لا تعني أن المسافر ملزم بالإفطار، بل له الخيار بين أن يصوم أو يفطر، فلو كان قادرًا على الصيام أثناء السفر، فإنه يستحب له الصيام، وإن خاف الضرر أو التعب الشديد جاز له الفطر، ويجب عليه قضاء هذه الأيام بعد انتهاء السفر.
متى يبدأ المسافر في الإفطار؟
يبدأ المسافر في الإفطار من أول يوم يكون فيه مسافرًا حسب المدة والمسافة التي تبيح الفطر، بحيث إذا خرج المسافر من بلده وأكمل مسافة السفر الشرعية، فله الإفطار في ذلك اليوم.
وينبغي على المسلم الذي سافر قبل غروب الشمس في أول يوم من رمضان أن يقرر هل هو مسافر حسب الشرع أم لا، فإذا تحقق شرط السفر جاز له الفطر، وإذا لم يتحقق فلا يجوز له الفطر.
كم يوم يفطر المسافر؟
مدة الإفطار للمسافر ليست محددة بيوم معين، بل تعتمد على مدة بقائه في حالة السفر أو في المكان الذي يسمح له فيه بالفطر.
المسافر يجوز له الفطر خلال فترة السفر، سواء كانت هذه الفترة قصيرة أو طويلة، ولا حصر لها بشكل شرعي، ولكن هناك ضوابط وأحكام تتعلق بمدة السفر:
-
إذا كان السفر لمدة أقل من 15 يومًا في بلد بعيد، يجوز له الفطر طوال هذه المدة.
-
أما إذا كان السفر أطول من 15 يومًا، فإن المسافر يجب عليه أن يلتزم بالصيام بعد 15 يومًا من السفر، أي يصبح عليه الصيام بعد مرور هذه المدة، لأن الشرع يحث على الالتزام بالصيام ما لم يكن هناك عذر شرعي.
-
إذا استقر المسافر في مكان السفر لمدة تزيد على 15 يومًا فإنه يُعتبر مقيمًا، ويجب عليه الصيام.
وبناءً على ذلك، فإن المسافر يمكنه الإفطار في رمضان طول فترة السفر، ولكن إذا امتدت مدة السفر لأكثر من 15 يومًا يجب عليه الصيام بعدها حتى وإن كان في بلد آخر.
أنواع السفر وتأثيرها على الصيام
يمكن تقسيم السفر إلى عدة أنواع تؤثر على أحكام الصيام:
-
سفر قصير (أقل من 15 يومًا):
يُباح للمسافر الإفطار في هذه الفترة، ويقضي أيامه بعد انتهاء السفر. -
سفر طويل (أكثر من 15 يومًا):
ينصح الصيام في السفر الطويل بعد مرور 15 يومًا، لأن المدة الطويلة تقترب من الإقامة، فالمسافر هنا يصبح بمثابة مقيم ويجب عليه الصيام. -
سفر مع توقف أو استقرار مؤقت:
إذا توقف المسافر في مكان معين مدة تزيد على 15 يومًا يُعتبر مقيمًا، ويجب الصيام، أما إذا كانت الوقفات قصيرة لا تزيد عن 15 يومًا، فلا يزال له الرخصة في الإفطار. -
السفر إلى بلد غير مسلم:
لا يختلف حكم الصيام سواء في بلد مسلم أو غير مسلم، فالرخصة تعتمد على شروط السفر والمسافة والمدة.
تأثير حالة المسافر الصحية والنفسية على الإفطار
لا يقتصر جواز الإفطار على السفر فقط، بل تشمل الرخصة كل حالة مشقة وتعب يستوجب الفطر، كأن يكون المسافر مريضًا أو ضعيفًا لا يستطيع الصيام بدون ضرر.
ينبغي للمسافر الذي يخاف على صحته أو تتدهور حالته الصحية بسبب الصيام أن يفطر، ويقضي أيام الفطر بعد رمضان، وهذا مقتبس من قوله تعالى:
{وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
حكم القضاء بعد الإفطار للمسافر
بعد أن يفطر المسافر في رمضان، يجب عليه أن يقضي هذه الأيام في وقت لاحق، ويجوز له أن يقضي القضاء في أي وقت من السنة قبل قدوم رمضان التالي.
القضاء هو فرض شرعي لا يجوز تركه، ومتى تمكن المسافر من العودة أو الاستقرار في مكان إقامة دائم، يجب عليه مباشرة قضاء الأيام التي أفطرها.
الجدول التالي يوضح مدة السفر وتأثيرها على حكم الصيام
| مدة السفر | الحكم الشرعي للإفطار | حكم الصيام بعد انتهاء المدة |
|---|---|---|
| أقل من 15 يومًا | يجوز الإفطار طيلة السفر | قضاء ما فُطر بعد انتهاء السفر |
| 15 يومًا أو أكثر | يجوز الإفطار أول 15 يومًا فقط | بعد 15 يومًا يصبح المقيم ويجب الصيام |
| توقف مؤقت أقل من 15 يومًا | الإفطار جائز خلال السفر | القضاء واجب بعد رمضان |
| توقف مؤقت أكثر من 15 يومًا | يعتبر مقيمًا ويجب الصيام | القضاء غير مطلوب بعد ذلك |
خلاصة
الإفطار للمسافر في رمضان رخصة شرعية مبنية على مشقة السفر، ويتمتع المسلم بالحرية في اختيار الصيام أو الإفطار أثناء السفر، مع وجوب قضاء ما فاته من أيام رمضان. مدة الإفطار تعتمد على طول مدة السفر، فإذا كانت قصيرة أقل من 15 يومًا، يجوز له الإفطار طيلة فترة السفر، أما إذا كانت أطول من ذلك، يجب عليه الصيام بعد مرور 15 يومًا لأنه يُعتبر حينها مقيماً. كما أن صحة المسافر وتأثير الصيام عليها تلعب دورًا في جواز الإفطار. هذه الأحكام تساعد المسلمين على أداء فريضة الصيام بما ينسجم مع ظروفهم الصحية والعملية، وتُبرز رحمة الشريعة الإسلامية ومرونتها في التعامل مع الحالات المختلفة.
المصادر والمراجع
-
القرآن الكريم، تفسير ابن كثير.
-
كتاب “الفقه الإسلامي وأدلته” للدكتور وهبة الزحيلي.

