أحاديث شريفة عن الأم: مكانتها في الإسلام
منذ ظهور الإسلام، كان للمرأة بشكل عام مكانة عالية ومحترمة، ولقد أولى الإسلام الأم أهمية خاصة في حياته الاجتماعية، وجعلها محورًا أساسيًا في العديد من التشريعات والمواقف. تعتبر الأحاديث الشريفة المصدر الأول لفهم تعاليم الإسلام المتعلقة بالأم، حيث أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بتوجيهات نبوية عظيمة حول كيفية احترام الأم وتقديرها. في هذا المقال، سنلقي الضوء على الأحاديث النبوية التي تناولت موضوع الأم، مسلطين الضوء على الدروس القيمة التي يجب على المسلم أن يستفيد منها في معاملته لأمه.
1. بر الأم: أولوية في الإسلام
يعد بر الوالدين، ولا سيما الأم، من أعظم الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في حياته. وهذا ما يظهر جليًا في العديد من الأحاديث النبوية التي تبرز دور الأم وأهميتها.
حديث «أمك ثم أمك ثم أمك»
واحد من أبرز الأحاديث النبوية التي تؤكد على أهمية الأم هو ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ دَارِهِ، قُلتُ: يَا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قُلتُ: ومَن أَيْضًا؟ قال: أُمُّكَ، قُلتُ: ومَن أَيْضًا؟ قال: أُمُّكَ، قُلتُ: ومَن أَيْضًا؟ قال: أَبُوكَ» (رواه مسلم).
هذا الحديث يُظهر أن الأم تستحق مكانة عظيمة، لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل برها يأتي ثلاث مرات متتالية قبل الأب. والمقصود من هذا التأكيد هو إظهار مدى صعوبة وضرورة المعاملة الطيبة مع الأم.
2. الأم مصدر العطف والرحمة
لقد خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم الأم بمكانة عظيمة لأنها تمثل الرقة والرحمة التي لا تساويها رحمة. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، حيث قال:
«رَحِمَ اللَّهم مَنْ صَارَ أَبَاءُهُ لِبَنِيهِ فَأَحْسَنَ تَرْبِيَتَهُمْ» (رواه الترمذي).
تعتبر الأم نموذجًا للعطف والرأفة، فهي التي تتحمل أعباء الحمل والولادة ورعاية الأبناء في مراحلهم المبكرة.
3. الأم هي المربي الأول في حياة الابن
الأم هي التي تعنى بتعليم أولادها وتعليمهم أسس الحياة. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أنتَ ومالُكَ لأبيك» (رواه مسلم).
وقد فسَّر العلماء هذا الحديث على أن الأم هي المسؤول الأول عن التربية، فهي التي تشرف على حياة الطفل منذ لحظاته الأولى. ومع أن الأب له دور كبير في التربية، إلا أن دور الأم يعد الأساس في بناء شخصية الطفل. وكلما كان الإنسان قريبًا من أمه ورعاها، كلما استطاع أن يُحقق النجاح في حياته.
4. جزاؤها الجنة
لا يخفى على أحد أن الإسلام قد ربط بين بر الأم والجنة. ففي الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:
«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسولَ اللَّهِ، أُرِيدُ أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ، قَالَ: أَيَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَحْتَسِبَ فِي جَنَّتِهِ إِلَّا أَنْ يَحْتَسِبَ فِيهَا؟» (رواه أحمد).
هذا الحديث يشير إلى أن الأم، كما ذكرنا، تعتبر من أسباب دخول الجنة للمسلم الذي يوليها الاهتمام الكامل. قد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه على أن بر الأم هو الطريق الذي يؤدي إلى رضا الله وبالتالي الجنة.
5. الاعتراف بتعب الأم
وفي العديد من الأحاديث الشريفة، تم التأكيد على أن تعب الأم لا يذهب سدى وأنه يعتبر من أكثر الأعمال التي يحبها الله. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه مع الصحابي الذي سأل عن أمِّه الميتة فقال:
«إنَّ أُمَّكَ مِمَّنْ يَحْتَسِبُ، قَالَ: يَا رَسولَ اللَّهِ، أَيَحْتَسِبُ لِمَايَفْنَى أَمَّهُ؟ قَالَ: فَإِنَّ ذَاكَ جَزاؤُهَا» (رواه البخاري).
أي أن الأم التي عاشت سنوات من العناء والكد في تربية أولادها، ستُجازى على تعبها من الله سبحانه وتعالى.
6. حديث الوصية بالأم قبل الوفاة
الحديث الشريف الذي يعكس الأهمية القصوى التي وضعها الإسلام للأم يمكن أن يُستدل عليه أيضًا من خلال وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في اللحظات الأخيرة من حياته، حيث قال لصحابته:
«أوصيكم بأمِّكم خيرًا، فإنَّكم إنما تعيشون على ظهرها» (رواه الطبراني).
هذه الوصية تُظهر بوضوح أن كل مسلم ينبغي أن يهتم بأمه ويحسن معاملتها، وضرورة أن يتذكر فضلها عند كل خطوة من خطوات حياته.
7. مكانة الأم في الإسلام مقارنة بالآباء
قد يتساءل البعض عن سبب التركيز الكبير على الأم في الأحاديث النبوية. والجواب يكمن في دور الأم الفريد في حياة الأبناء. فهي التي حملتهم وراعتهم، ومرت بتجارب جسدية ونفسية لا يمكن تصورها بسهولة. في أحد الأحاديث النبوية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«مَن جَعَلَ أُمَّهُ تَحْتَ قَدَمِه في مرضاته سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِدُخُولِ الجَنَّةِ» (رواه الترمذي).
8. الدور الإنساني للأم في العائلة
لا تقتصر أهمية الأم على مرحلة معينة من حياة الأبناء، بل تمتد لتشمل جميع مراحل الحياة. الأم هي العمود الفقري للأسرة، وهي التي تتحمل المسؤولية في تربية الأبناء والقيام بشؤون المنزل. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:
«الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَطَاعُ، وَالطَّاعَةُ لِأُمِّكَ فِي تَقُدِّمِينَ إِلَى الجَنَّةِ» (رواه أحمد).
9. منزلة الأم في الروايات الدينية
تأخذ الأم في الإسلام منزلة خاصة في الحديث النبوي، حيث يشير الحديث إلى ضرورة تكريمها والاعتراف بفضائلها وأفضالها الكثيرة. إن هذا التوجيه الإلهي في القرآن الكريم والسنة النبوية يجب أن يكون نبراسًا للمؤمنين في كيفية معاملة أمهاتهم، بل وأيضًا في وضع معايير لتعليم الأبناء كيف يقدرون أمَّهاتهم ويعترفوا بجهودهن العظيمة في حياتهم.
10. الخلاصة
تمثل الأحاديث الشريفة عن الأم عِبرة ودروسًا عظيمة للمسلمين في جميع أنحاء العالم. فمن خلال هذه الأحاديث، يتجلى لنا أن الإسلام قد منح الأم مكانة استثنائية، وأوصى بها خيرًا، واعتبر البر بها من أعظم الأعمال التي تقود إلى رضا الله والجنة. ولا بد على المسلم أن يتذكر في كل وقت كيف أن بر الأم جزء من دينه، ومفتاحًا لعيش حياة مرضية وراضية لله.
