التدخين في العالم العربي

لا للتدخين في العالم العربي

يشكّل التدخين اليوم أحد أخطر التحديات الصحية والاجتماعية في العالم العربي، حيث تتزايد معدلات استهلاك التبغ بمختلف أنواعه في أوساط مختلفة من الفئات العمرية والجندرية، مما ينعكس سلبًا على الصحة العامة، ويزيد من الأعباء الاقتصادية على النظم الصحية، ويهدد الإنتاجية الاجتماعية والتنمية المستدامة. وبينما تتجه الدول المتقدمة نحو انخفاض تدريجي في معدلات التدخين نتيجة السياسات التوعوية والتشريعية الصارمة، يواجه العالم العربي تزايدًا في معدلات الإدمان على التدخين، خاصةً في صفوف الشباب والنساء، وهو ما يتطلب تدخلًا جادًا وشاملًا من الجهات الرسمية والمجتمع المدني للحد من هذه الظاهرة.

التدخين في أرقام: لمحة عن الواقع في العالم العربي

تشير بيانات منظمة الصحة العالمية وتقارير الهيئات الإحصائية العربية إلى أن نسبة المدخنين في العالم العربي تتراوح بين 20% إلى 50% في بعض البلدان، مع تفاوت كبير بين الرجال والنساء. ففي مصر، على سبيل المثال، يُقدّر عدد المدخنين بما يزيد عن 13 مليون شخص، فيما تشير الإحصائيات في المملكة العربية السعودية إلى أن نسبة المدخنين بين الذكور قد تصل إلى 35%. أما في الأردن ولبنان، فالوضع أكثر تفاقمًا، حيث تُعد معدلات التدخين من بين الأعلى في المنطقة، مع ارتفاع لافت في استهلاك السجائر والنرجيلة (الشيشة) خصوصًا بين فئة الشباب.

أشكال التدخين المنتشرة في العالم العربي

لا يقتصر التدخين في العالم العربي على السجائر التقليدية فقط، بل يمتد إلى عدة أشكال، من أبرزها:

• السجائر: الشكل الأكثر شيوعًا، ويُعد السبب الرئيسي في الأمراض المرتبطة بالتدخين.

• الشيشة (النرجيلة): التي تنتشر بكثافة في المقاهي والمنازل، وتُعد من أخطر أشكال التدخين نظرًا للكمية الكبيرة من الدخان المستنشق خلال جلسة واحدة.

• التبغ الممضوغ (السعوط): ويشيع في بعض المناطق الريفية والقبلية.

• السجائر الإلكترونية: التي انتشرت مؤخرًا بزعم أنها بدائل أقل ضررًا، لكنها تحتوي على النيكوتين والمواد الكيميائية الأخرى المؤذية.

التأثيرات الصحية الكارثية للتدخين

أثبتت الدراسات العلمية بما لا يدع مجالًا للشك أن التدخين مسؤول عن عدد هائل من الأمراض المزمنة والمميتة. وفيما يلي توضيح لبعض التأثيرات الصحية الأكثر خطورة:

التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للتدخين

التدخين لا يُسبب فقط أضرارًا صحية بل ينعكس سلبًا على الاقتصاد العربي والمجتمعات بشكل عام. فتكلفة علاج الأمراض المرتبطة بالتدخين تستهلك نسبًا كبيرة من موازنات وزارات الصحة في الدول العربية. كما أن الإنتاجية تنخفض بشكل ملحوظ بسبب غياب الموظفين المتكرر نتيجة الأمراض المزمنة، إضافة إلى الوقت الضائع في جلسات التدخين اليومية.

كما يؤدي التدخين إلى تقويض العلاقات الاجتماعية والأسرية، إذ يساهم في إثارة الخلافات داخل الأسرة، ويؤثر على الأطفال نفسيًا وجسديًا نتيجة التعرض للتدخين السلبي، الذي قد يكون أشد ضررًا من التدخين المباشر. وتشير دراسات إلى أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة مدخنة يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، والحساسية، والربو.

التدخين السلبي: خطر صامت يهدد الجميع

يُعرّف التدخين السلبي بأنه استنشاق دخان التبغ من محيط يوجد فيه مدخنون. وتظهر الإحصائيات أن الملايين من غير المدخنين يُصابون سنويًا بأمراض خطيرة نتيجة التعرض لهذا النوع من التلوث الداخلي. ويعد الأطفال والنساء الحوامل من الفئات الأكثر تأثرًا، حيث تتسبب أدخنة التبغ في إصابات متكررة بالربو، والتهابات الأذن، وحتى الوفاة المفاجئة لدى الرُضّع في بعض الحالات.

جهود مكافحة التدخين في الدول العربية

رغم التحديات، بدأت بعض الدول العربية تتخذ خطوات ملموسة للحد من انتشار التدخين، من بينها:

• فرض ضرائب مرتفعة على منتجات التبغ، كما هو الحال في السعودية والإمارات، مما أدى إلى انخفاض جزئي في نسبة الاستهلاك.

• منع التدخين في الأماكن العامة، مثل المستشفيات، والمدارس، والمطارات، والمواصلات.

• إطلاق حملات توعوية إعلامية تستهدف مختلف الشرائح، لا سيما المراهقين.

• إدخال برامج الإقلاع عن التدخين ضمن خدمات الرعاية الصحية الأساسية، وتقديم بدائل مثل اللصقات والعلاجات الدوائية.

• تقييد الإعلانات والدعاية الخاصة بمنتجات التبغ، ومنع الترويج لها عبر وسائل الإعلام.

ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات كبيرة في تطبيق القوانين وفعالية الإجراءات، مما يترك المجال مفتوحًا أمام الشركات الكبرى لتوسيع نفوذها في السوق العربية، مستهدفة فئات هشة مثل الشباب والنساء.

العوامل الثقافية والاجتماعية التي تغذي انتشار التدخين

يُعد الجانب الثقافي أحد أكبر العوائق أمام جهود مكافحة التدخين. ففي بعض المجتمعات العربية، يُنظر إلى التدخين باعتباره رمزًا للرجولة والنضج، مما يجعل الشبان يتجهون إليه في سن مبكرة. كما أن الانتشار الكثيف للشيشة في المقاهي والبيوت يعزز التطبيع مع هذه العادة، ويجعلها جزءًا من الحياة الاجتماعية اليومية.

وفي كثير من الأحيان، تغيب التوعية في المناهج الدراسية، ولا يتم تقديم معلومات علمية كافية عن مخاطر التدخين إلا في مراحل متقدمة من العمر، بعد أن يكون كثيرون قد وقعوا بالفعل في فخ الإدمان.

الحلول المقترحة للحد من ظاهرة التدخين

لكي ننجح في التصدي لظاهرة التدخين في العالم العربي، لا بد من مقاربة شمولية تتضمن مجموعة من الإجراءات المتكاملة:

1. إدماج التوعية في المناهج الدراسية منذ المراحل الابتدائية، مع التركيز على المهارات الحياتية التي تحصّن الأطفال من الوقوع في السلوكيات الضارة.

2. تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للراغبين في الإقلاع عن التدخين من خلال مراكز متخصصة وبرامج وطنية فعالة.

3. تدريب الكوادر الطبية على التعامل مع إدمان التبغ ودمج العلاج ضمن الرعاية الصحية الأولية.

4. تجريم بيع التبغ للقاصرين وتكثيف الرقابة على المنافذ التجارية.

5. تشجيع الإعلام على لعب دور إيجابي من خلال تقديم نماذج شبابية ناجحة خالية من التدخين، وتغيير الصورة النمطية التي تربطه بالقوة أو الجاذبية.

6. إشراك المجتمع المدني في حملات التوعية، خصوصًا الجمعيات الشبابية والنسائية.

أهمية الإرادة السياسية والدعم التشريعي

تؤدي الإرادة السياسية دورًا محوريًا في إنجاح خطط مكافحة التدخين. ويجب على الحكومات العربية أن تضع مكافحة التدخين ضمن أولوياتها الاستراتيجية، مع سن قوانين رادعة، وتخصيص ميزانيات كافية لدعم البرامج الصحية والتعليمية. كما ينبغي دعم الأبحاث المحلية التي توثق حجم الظاهرة وتقدم توصيات دقيقة مبنية على الواقع الميداني.

خاتمة

إن التصدي لظاهرة التدخين في العالم العربي يتطلب إرادة جماعية تتجاوز الجهود الفردية، تبدأ من الأسرة والمدرسة، ولا تنتهي عند حدود المؤسسات الصحية والتشريعية. التدخين ليس مجرد عادة سيئة بل هو أزمة صحية واقتصادية واجتماعية تهدد حاضر الأمة ومستقبلها. إن حماية الأجيال القادمة تتطلب منا قرارات حازمة وإجراءات عملية تضع الإنسان وصحته في قلب التنمية.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية – تقرير التبغ العالمي 2023

2. الجمعية العربية لمكافحة التدخين – بيانات وتقارير إحصائية رسمية