الوصية الواجبة: مفهومها وأحكامها في الشريعة الإسلامية
تعد الوصية الواجبة من المواضيع الهامة في الشريعة الإسلامية، التي تتعلق بتوزيع التركة بعد وفاة الشخص. وعلى الرغم من أنها ليست من الأنواع الأساسية للوصية في الإسلام، فإنها تتمتع بمكانة خاصة نظراً لارتباطها بالعدالة الاجتماعية وحقوق الأقارب الذين قد يكونون عرضة للتجاهل أو الظلم في حال لم تُراعَ حقوقهم وفقاً للقانون الشرعي.
مفهوم الوصية الواجبة
الوصية الواجبة هي نوع من أنواع الوصايا التي فرضها القانون الإسلامي لتأمين حق بعض الورثة الذين قد لا يحصلون على حقهم كاملاً من التركة إذا طبق تقسيم الإرث العادي. هي وصية يتم تنفيذها لتضمن أن يحصل بعض الأقارب الذين كانوا يعولون على المتوفى ولم يحصلوا على نصيبهم الكامل من التركة، وذلك بالرغم من أن هؤلاء الأقارب قد لا يكونون من الورثة الشرعيين الذين يحصلون على الإرث في إطار التقسيم المعتاد للتركة.
وقد شرع الإسلام الوصية الواجبة لضمان حقوق فئة معينة من الأقارب، مثل الأبناء أو الزوجة أو حتى الوالدين، الذين قد لا يُعطون نصيباً كافياً في حالة كان هناك ورثة آخرون، مثل الأشقاء أو الأعمام والأخوال.
الأساس الشرعي للوصية الواجبة
تستند الوصية الواجبة في الشريعة الإسلامية إلى العديد من النصوص القرآنية والحديثية التي تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة بين الورثة. أهم الأسس الشرعية التي تقوم عليها الوصية الواجبة هي:
-
العدالة: تهدف الوصية الواجبة إلى ضمان حقوق الأقارب الذين قد لا يحصلون على نصيبهم الكامل من التركة بسبب القوانين التي تحدد الإرث الشرعي.
-
الرحمة والمساعدة: من خلال هذه الوصية، يُفترض أن يتذكر المتوفى أقاربه الذين قد يعانون من الفقر أو الحاجة بعد وفاته.
-
تطبيق الشريعة الإسلامية في الأمور المالية: تشدد الشريعة الإسلامية على تنظيم الإرث والوصية لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات.
الوصية الواجبة لا تكون موضع تنفيذ إلا إذا كانت هناك ظروف خاصة قد تؤثر على تقسيم التركة، مثل وجود أشخاص قد يكونون في حاجة ماسة إلى الدعم المالي لكنهم ليسوا مستفيدين في إطار الإرث الشرعي.
من هم المستفيدون من الوصية الواجبة؟
المستفيدون من الوصية الواجبة هم الأقارب الذين قد يظلمهم تقسيم التركة المعتاد، وتشمل هذه الفئة بشكل خاص:
-
الأبناء القصر أو المعاقين: في حالة كان المتوفى له أبناء قصر أو أبناء معاقون، قد تكون الوصية الواجبة ضرورية لضمان حصول هؤلاء الأبناء على حقهم في الميراث الذي قد يكون غير كافٍ إذا تم تقسيم التركة بحسب الأحكام الشرعية التقليدية.
-
الزوجة: قد تحصل الزوجة على حقها في التركة من خلال الوصية الواجبة، خاصة إذا كانت هي الوحيدة المعيلة للأسرة وكان نصيبها من التركة قليلًا.
-
الأبوان: في حالات معينة، قد يضمن الوصية الواجبة نصيبًا للوالدين في حالة كانوا في حاجة مالية ملحة.
-
الورثة الآخرون الذين يعانون من الفقر أو الحاجة: يشمل ذلك الورثة الذين قد يكونون بحاجة إلى المساعدة المالية على الرغم من أنهم ليسوا الورثة الرئيسيين في التقسيم الشرعي.
كيفية تنفيذ الوصية الواجبة
تتم الوصية الواجبة من خلال تحديد جزء من التركة يُخصص للأقارب المستحقين، وذلك بناءً على احتياجاتهم الخاصة وظروفهم الاجتماعية. يتم هذا من خلال اتفاق شرعي يتم بين الوارث والمتوفى، بحيث يتم تحديد نسبة معينة من التركة تخص هؤلاء الأقارب. يمكن أن يتم هذا من خلال إجراء وصية واضحة يكتبها المتوفى، تأخذ شكلًا من الأوامر التنفيذية التي تلزم الورثة بتنفيذها بعد وفاته.
حكم الوصية الواجبة في الشريعة الإسلامية
إن حكم الوصية الواجبة في الشريعة الإسلامية ليس من الأحكام المستحبّة أو المندوبة، بل هي تعتبر فرضًا واجبًا في حالات معينة لتحقيق العدالة بين الورثة. وعلى الرغم من أن الوصية بشكل عام تعتبر اختيارية في الإسلام، إلا أن الوصية الواجبة تتحول إلى أمر إلزامي في الحالات التي تقتضي ذلك، خصوصًا عندما يُتوقع أن يحصل ورثة معيّنين على أقل من حقهم بناءً على قواعد الإرث التقليدية.
وتشمل بعض الفتاوى الإسلامية أن الوصية الواجبة تكون ذات أولوية قبل تقسيم التركة بين الورثة الشرعيين، بل وتعتبر بمثابة عبء على الميراث يجب توفيره قبل البدء في عملية تقسيم التركة.
الفارق بين الوصية الواجبة والوصية العامة
الوصية الواجبة تختلف عن الوصية العامة التي قد تكون للأقارب أو للأصدقاء أو لأي شخص آخر يرغب المتوفى في تركه جزءًا من ماله. في حالة الوصية الواجبة، لا يمكن أن يكون الهدف هو تخصيص الأموال للأشخاص الذين ليسوا بحاجة إليها أو لا يستحقونها حسب التقسيم الشرعي للتركة، بل تهدف فقط إلى ضمان حقوق الأشخاص الذين قد يُحرَمون من الميراث الشرعي بسبب قوانين الإرث.
أما الوصية العامة، فهي تعبير عن إرادة المتوفى في توزيع ماله كما يشاء، سواء كانت لتقديم مساعدات خيرية، أو تخصيص أموال للأقارب أو الأصدقاء. لكن الوصية الواجبة تُلزِم المتوفى أن يخصص مالاً للورثة الذين يواجهون الحاجة، في حين أن الوصية العامة تعتبر مجرد توصية لا تُلزم الوارث بتنفيذها إن لم يكن هناك اتفاق قانوني مسبق.
تأثير الوصية الواجبة على تقسيم التركة
الوصية الواجبة تؤثر بشكل كبير في تقسيم التركة، حيث إنها تُفرض لتعديل التوزيع التقليدي للميراث بما يتناسب مع احتياجات الأقارب المستحقين. في حال لم يتم الأخذ بالوصية الواجبة، قد يتعرض المتوفى للتقاضي من قبل هؤلاء الأقارب الذين يطالبون بحقوقهم الشرعية. والهدف من ذلك هو تحقيق نوع من العدالة بين الأفراد داخل العائلة، خصوصًا في الحالات التي يكون فيها أحد الورثة أكثر حاجة من غيره.
قد تشمل الحالات التي تستدعي الوصية الواجبة مثلاً إذا كان هناك طفل قاصر لم يحصل على حقه الكامل من التركة بسبب وجود أفراد آخرين في العائلة. كما قد تكون الوصية الواجبة ضرورية عندما تكون الزوجة الوحيدة التي تعتمد على دعم المتوفى أو عندما يكون هناك والدين مسنين يواجهان صعوبة في تأمين احتياجاتهم المالية.
استنتاج
في الختام، تعد الوصية الواجبة أحد الأدوات المهمة في الشريعة الإسلامية لضمان العدالة الاجتماعية بين الأقارب عند توزيع التركة بعد وفاة الشخص. هي ليست مجرد توصية بل فرضًا واجبًا في حالات معينة، وتستهدف ضمان حقوق بعض الورثة الذين قد لا يحصلون على ما يستحقونه بموجب القواعد التقليدية للإرث.
