أول من اكتشف أمريكا

من كان أول شخص يكتشف أمريكا؟

تعد قضية اكتشاف أمريكا واحدة من المواضيع التي لطالما أثارت الجدل والنقاشات بين المؤرخين، العلماء، والمثقفين على مر العصور. على الرغم من أن “اكتشاف أمريكا” يرتبط بشكل رئيسي باسم كريستوفر كولومبوس، إلا أن العديد من الدراسات والأبحاث أثبتت أن القارة الأمريكية كانت قد شهدت زيارات من حضارات أخرى قبل قرون من وصول كولومبوس إليها. في هذا المقال، سنلقي الضوء على تاريخ اكتشاف أمريكا، ونستعرض بعض الشخصيات التي قد تكون قد سبقت كولومبوس في هذا الاكتشاف.

1. تاريخ الاكتشافات المبكرة:

إن فكرة اكتشاف الأمريكتين كانت قديمة جدا قبل أن يروج لها كولومبوس. فقد حاول الكثير من الشعوب القديمة السفر إلى أراضٍ جديدة، لكن لم يكن هذا الاستكشاف موثقا بالشكل الكافي الذي يسمح بتأكيد تلك الادعاءات على مستوى التاريخ المعترف به اليوم. من أجل فهم من كان أول من اكتشف أمريكا، من المهم أن نتعرف على بعض الاكتشافات المبكرة التي جرت عبر العصور.

1.1. الفايكنغ:

أحد أولى الثقافات التي يُعتقد أنها قد وصلت إلى القارة الأمريكية هم الفايكنغ الذين كانوا يستوطنون المناطق الشماليّة في أوروبا، مثل النرويج والدنمارك والسويد. وفقاً للأدلة التاريخية، فإن الفايكنغ وصلوا إلى الأراضي الأمريكية قبل كولومبوس بحوالي خمسة قرون، أي في أواخر القرن العاشر الميلادي. حيث تشير الأدلة إلى أن الفايكنغ، بقيادة النرويجي ليف إريكسون، قد وصلوا إلى المنطقة المعروفة اليوم بكندا. في عام 1960، اكتشف علماء الآثار موقعًا في لانس أو ميادو في نيوفاوندلاند، والذي كان يُعتقد أنه موقعًا لاستيطان الفايكنغ يعود إلى عام 1000م.

تمكّن العلماء من العثور على العديد من الأدوات الفايكنغية، بما في ذلك شواهد من الحديد والعظام وأجزاء من المباني التي تشير إلى وجود هذه الحضارة في هذه المنطقة. ومع ذلك، لم تستمر الاستيطانات الفايكنغية لفترة طويلة، وعادت تلك الشعوب إلى أراضيها في الشمال بعد مواجهات مع السكان الأصليين في المنطقة.

1.2. شعوب المايا والإنكا:

رغم أن شعوب المايا والإنكا كانوا قد اكتشفوا واستخدموا بعض الطرق التجارية التي سمحت لهم بالتنقل بين مناطق متعددة في أمريكا الوسطى والجنوبية، إلا أن هذه الاكتشافات كانت محلية في نطاقات جغرافية ضيقة. لكن في السياق الحديث، قد يُفهم أن هذه الحضارات قد اكتشفت أراضٍ جديدة داخل قارتهم الخاصة، والتي كانت مجهولة بالنسبة للمجتمعات الأوروبية. على سبيل المثال، تمكّن شعب الإنكا من الوصول إلى مناطق في الأنديز وداخل أراضي ما يُعرف اليوم بالبيرو، وبنى إمبراطورية واسعة في تلك المناطق.

2. كريستوفر كولومبوس:

بالرغم من وجود الاكتشافات السابقة، فإن كريستوفر كولومبوس يُعتبر غالبًا الشخص الذي “اكتشف” أمريكا في الوعي التاريخي الغربي، وإن كان اكتشافه ليس بالمعنى الحرفي لهذا المصطلح. وصل كولومبوس، وهو ملاح إيطالي، إلى العالم الجديد في عام 1492، وكان يعتقد في البداية أنه قد وصل إلى الهند من خلال رحلة بحرية باتجاه الغرب، وذلك استنادًا إلى تمويل من الملكة إيزابيلا والملك فرديناند في إسبانيا. كانت رحلة كولومبوس هي بمثابة البداية لفتح أبواب العصور الاستعمارية التي غيرت وجه التاريخ، حيث أثبتت حملاته أن هناك أراضٍ واسعة غير معروفة في الطرف الغربي من الكرة الأرضية.

إلا أن كولومبوس لم يكن أول من وصل إلى هذه الأرض من الناحية الجغرافية، لكنه كان أول من وضع الأمريكتين في صلب الرؤية الأوروبية، مما كان له تأثير عميق على التفاعلات التجارية، السياسية، والثقافية بين العالمين القديم والجديد.

3. الشعوب الأصلية في أمريكا:

من المهم جدًا أن نذكر أن الأمريكتين كانت قد سُكنت بواسطة العديد من الشعوب الأصلية التي كانت تعيش في القارة لآلاف السنين قبل وصول الأوروبيين. فقد تأكد العلماء أن المهاجرين الأوائل إلى القارة الأمريكية عبروا من سيبيريا إلى أمريكا الشمالية عبر الجسر البري الذي كان يربط بين أسيا وأمريكا الشمالية خلال العصور الجليدية. هؤلاء السكان الأوائل من شعوب مثل الهنود الحمر والشعوب الإسكيمو وغيرهم، كانوا قد اكتشفوا القارة وعمروها قبل أن يتعرف عليهم العالم الخارجي. وقد تركوا العديد من الآثار والمستوطنات التي تدل على وجودهم العميق في القارة الأمريكية.

4. الرحلات الصينية واليابانية:

هناك بعض النظريات التي تشير إلى أن الرحلات البحرية الصينية قد تكون قد وصلت إلى الأمريكتين قبل كولومبوس. بعض العلماء يعتقدون أن السفن الصينية قد عبرت المحيط الهادئ، وقد وصلت إلى السواحل الغربية للأمريكتين. تتداول بعض القصص عن وجود خرائط قديمة تشير إلى أن الصين قد دخلت في اتصالات بحرية مع العالم الجديد. ومن أبرز الادعاءات في هذا المجال هو ما ذكره بعض المؤرخين حول رحلات الأمير تشينغ هاي في القرن الخامس عشر، والذي قد يكون قد وصل إلى بعض أجزاء من أمريكا الجنوبية. ورغم وجود بعض الأدلة الغامضة، إلا أن هذا الموضوع يبقى محل شكوك لم تؤكدها الأدلة القاطعة بعد.

5. الاستعمار والتحولات التي أعقبته:

بعد اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد، نشأت حقبة الاستعمار الأوروبي الذي دَفَع إلى قيام العديد من الإمبراطوريات الأوروبية، مثل الإمبراطورية الإسبانية والبرتغالية، بإنشاء مستعمرات في القارة الأمريكية. بدأ الاستعمار الأوروبي في التوسع بشكل كبير في الأمريكتين، مما أسفر عن تغييرات جوهرية في شكل القارة، حيث انتشرت الأمراض، واختلطت الثقافات، وتغيرت الممارسات الاقتصادية، مما ترك أثراً عميقاً في تاريخ أمريكا.

6. الخاتمة:

إن اكتشاف أمريكا هو حدث متعدد الأوجه والتفسيرات. قد يكون من الصعب تحديد “أول” من اكتشف القارة، لأن العديد من الثقافات قد وصلت إلى الأراضي الأمريكية في فترات زمنية مختلفة، وكل منهم اكتشف أجزاء مختلفة من القارة بطريقة أو بأخرى. من الفايكنغ الذين وصلوا إلى كندا في العصور الوسطى، إلى كريستوفر كولومبوس الذي أتاح تواصلًا أكبر بين العالمين القديم والجديد، إلى الشعوب الأصلية التي كانت تسكن الأراضي الأمريكية لآلاف السنين قبل وصول أي ملاح أوروبي، فإن “اكتشاف” أمريكا هو حدث تاريخي معقد وذو أبعاد عديدة.