أول ما يُحاسب عليه العبد

أول ما يحاسب عليه العبد

إنَّ حياة الإنسان في الدنيا مليئة بالأعمال والأفعال التي يقوم بها يوميًا، وهي أمانات في عنقه يجب أن يؤديها بكل إخلاص وصدق. من المؤكد أنَّ الإنسان سيتوقف في يوم من الأيام أمام ربه سبحانه وتعالى، وستُعرض عليه أعماله ليحاسب على ما قدم. لكن ما الذي سيكون أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة؟ وما هو الأمر الذي سيُساءل عنه الإنسان قبل كل شيء آخر؟ في هذا المقال، سنسلط الضوء على موضوع بالغ الأهمية، يتعلق بأول ما يُحاسب عليه العبد عند الله، مع توضيح الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى التأمل في معاني هذه المحاسبة وأثرها في حياة المسلم.

المحاسبة يوم القيامة: الواقع الذي لا مفر منه

في يوم القيامة، سيسأل كل إنسان عن كل لحظة من حياته، وعن كل عمل قام به، سواء كان من الأعمال الصالحة أو السيئة. ورد في القرآن الكريم: “وَتَعْرِفُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” (الزمر: 70)، ما يشير إلى أن الإنسان سيُسأل عن أعماله ونيات قلبه، وكل تفصيل في حياته سيتم إحصاؤه بدقة.

إنَّ الله سبحانه وتعالى هو العادل الذي لا يظلم أحدًا، لذلك فإنَّ المحاسبة ستكون شاملة، ولكن لا بد أن يكون هناك ترتيب معين في هذه المحاسبة، حيث يبدأ الله سبحانه وتعالى بسؤال العبد عن شيء مهم جدًا في حياته.

أول ما يحاسب عليه العبد: الصلاة

من خلال التأمل في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية، نجد أن أول ما يُحاسب عليه العبد هو الصلاة. فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح، وإن فسدت فقد خاب وخسر”. (رواه الترمذي). هذا الحديث يوضح بجلاء أن الصلاة هي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، فهي عماد الدين وأساسه.

لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث فضل الصلاة وأثرها العظيم في حياة المسلم، وقد ذكر في حديث آخر: “من حافظ على الصلاة كانت له نورًا ونجاة يوم القيامة”. هذا يؤكد أن الصلاة ليست مجرد عبادة شكلية، بل هي العلاقة المباشرة التي تربط العبد بربه، وهي الأداة التي تقوي الإيمان وتبعث السكينة في القلب.

لماذا الصلاة؟

تعتبر الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد لأسباب عدة. أولًا، لأنها تمثل التزامًا يوميًا وعلاقة دائمة مع الله سبحانه وتعالى. ففي كل صلاة، يتوجه المسلم نحو ربه متذللاً، يطلب المغفرة والرحمة، ويعبر عن شكره واعترافه بنعمه. ولذا، تعتبر الصلاة مقياسًا لمقدار التقوى في القلب، فهي ليست مجرد حركة بدنية، بل هي صلة روحية.

ثانيًا، من خلال الصلاة يمكن للإنسان أن يراقب نفسه، ويحاسبها على ما فات. فكل صلاة هي فرصة للتوبة والرجوع إلى الله، ولذا فإنها تشكل نقطة انطلاق لتصحيح مسار حياة العبد إذا كانت الصلاة في وقتها وبشروطها صحيحة.

أما ثالثًا، فإن الصلاة لها تأثير كبير في حياة المسلم اليومية. فالصلاة تجعل الفرد يتسم بالاستقامة، حيث يحرص على أن يكون سلوكه في توافق مع تعاليم دينه، كما أن الصلاة تعمل على تذكير المؤمن دائمًا بمراقبة الله، مما يعزز من روح الالتزام والمسؤولية في كل أفعاله وأعماله.

الصلاة وفوائدها الروحية

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ” (العنكبوت: 45). هذه الآية تشير إلى أن الصلاة تساهم بشكل مباشر في تطهير النفس والابتعاد عن المعاصي. حين يُحافظ الإنسان على صلاته، فإنه يبني حصنًا منيعًا يقيه من السقوط في الرذائل والذنوب.

إن الصلاة ليست فقط عبادة نؤديها في وقتها، بل هي أداة لتطهير القلب والروح، تساعد المسلم على مقاومة الوساوس والفتن التي قد تطرأ عليه في حياته. لذلك، فإن أول ما يُحاسب عليه العبد هو الصلاة، لأن الصلاة تمثل القلب النابض للإيمان، وهي معيار رئيسي لسلامة دين الشخص.

الأعمال الصالحة الأخرى: الزكاة والصيام

بعد الصلاة، يُسأل العبد عن الزكاة، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أدَّى الزكاة فله أجرها، ومن تركها فقد آتاه الله ما في يدك، فلا ينبغي لأحد أن يعترض على قسمة الله”. الزكاة هي طهارة المال، وهي واجب على المسلم قادر، وتركها يعد مخالفة كبيرة لأوامر الله. لذلك، يُسأل العبد عنها بعد الصلاة كجزء من المحاسبة على العبادات المالية.

أما الصيام، فإنه من أعظم الأعمال التي يتميز بها المسلم عن غيره، وقد جاء في الحديث: “كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به”. لذا فإن الصيام يُعتبر عملاً خاصًا جدًا بين العبد وربه، وله مكانة عظيمة في الحساب يوم القيامة.

نتائج المحاسبة على الصلاة

أول ما يحاسب عليه العبد في يوم القيامة هو الصلاة، وإذا كانت صلاته صحيحة مقبولة، فإن بقية أعماله ستكون على خير حال. وفي الحديث الشريف: “إذا صلح عمله، صلح سائر عمله، وإذا فسد عمله، فسد سائر عمله”. وفي هذا السياق، نجد أنَّ العبد الذي حافظ على صلاته وركّز فيها، سيكون في مأمن من محاسبة عسيرة في باقي أعماله.

إن الصلاة الصادقة تجعل الإنسان في حالة تواصل دائم مع الله، فتغفر له ما اقترف من ذنوب، وتقيه من الوقوع في الكبائر. أما إذا كانت الصلاة ناقصة أو فاسدة، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف في الحساب على باقي الأعمال، وقد يُحرم العبد من مغفرة الله بسبب إهماله لهذه الفريضة الكبرى.

الصلاة في ضوء الأحاديث النبوية

في الحديث الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا صلحت الصلاة صلح سائر العمل، وإذا فسدت فسدت سائر العمل”. هذا الحديث يوضح أن الصلاة تمثل الركيزة الأساسية لأعمال المسلم في الدنيا والآخرة. فإذا كانت الصلاة خالية من الرياء والتقصير، فإنَّ الإنسان سيجد نفسه في موقع يحمده الله فيه يوم القيامة.

ومن هذا المنطلق، فإن العبد الذي يهتم بأداء صلاته على أكمل وجه، ويؤديها في وقتها، ويكمل شروطها، سيكون مستعدًا للنجاح في محاسبة يوم القيامة. بينما الذي يفرط فيها أو يتقاعس عن أدائها، سيكون في موقع يوجب عليه أن يتحمل النتائج الوخيمة لذلك.

في الختام

إن أول ما يُحاسب عليه العبد هو الصلاة، وهي الفريضة التي لا تقبل التأجيل أو التقاعس. كما أنَّ الصلاة ليست فقط عبادة بدنية، بل هي علاقة روحانية عميقة تربط العبد بربه. من خلال الصلاة، يمكن للمسلم أن يظل دائمًا في حالة تواصل مع الله، يطلب منه الرحمة والمغفرة. وإذا كانت الصلاة على أكمل وجه، كانت بمثابة نور يهدي العبد في يوم القيامة. لذلك، يجب على المسلم أن يحسن صلاته، ويحافظ عليها في كل وقت، لتكون له نورًا ونجاة في الدنيا والآخرة.