أول ما خلق الله تعالى

في العقيدة الإسلامية، يعد موضوع أول ما خلق الله تعالى من المواضيع الجوهرية التي تناولها العلماء والمفسرون والفلاسفة عبر العصور، لما له من أهمية كبرى في فهم بداية الخلق والكون وكيفية بدء الأمور على يد الخالق العظيم. هذا المقال يستعرض بتوسع وعمق ما ورد في النصوص الشرعية وأقوال العلماء عن أول ما خلق الله تعالى، مع توضيح أبعاد هذا الموضوع من جوانب دينية، علمية، فلسفية، وتاريخية.

المفهوم القرآني والحديثي لأول الخلق

عندما نبحث في الكتاب والسنة عن نصوص تشير إلى أول ما خلقه الله، نجد آيات وأحاديث نبوية صريحة أو ضمنية تشير إلى أفعال الخلق الأولى التي قام بها الله عز وجل. القرآن الكريم تحدث عن خلق السماوات والأرض والجن والإنس، لكنه في مواضع عدة أبرز مرحلة خلق الكائنات أو الأشياء الأولى.

في سورة الأنبياء يقول الله تعالى:

“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ” [الأنبياء: 30].

وهنا تأكيد على أن خلق السماوات والأرض كان بالأصل، لكن ليس بالضرورة أنه أول خلق. الآيات في سورة الفجر وسورة البروج تحدثت كذلك عن خلق السماوات والنجوم.

أما الأحاديث النبوية فهي أكثر تحديداً ووضوحاً في ذكر أول ما خلقه الله تعالى، حيث ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“أول ما خلق الله القلم.”

هذا الحديث يعد من أهم الأدلة عند العلماء الذين اعتبروا أن القلم كان أول مخلوق خلقه الله، لأنه السبب في تدوين وتوثيق ما سيحدث من خلق وأحداث في الكون.

القلم في الإسلام: أول خلق وأهميته

القلم ليس مجرد أداة كتابية، بل يحمل معنى أعمق في العقيدة الإسلامية. القلم هو رمز للعلم والتقدير الإلهي لما سيحدث من أفعال ومقادير في حياة المخلوقات. عندما خلق الله القلم، أمره بالكتابة، فقال له:

“اكتب”، فكتب كل ما سيكون حتى يوم القيامة.

هذا يشير إلى أن كل شيء في الكون مقدر ومرسوم من قبل الله، والقلم هو الوسيلة الأولى التي بدأت بها قصة الكون، إذ أن ما يحدث من أفعال هو مكتوب ومحفوظ عند الله، وهذا يعطي الإنسان فهمًا أن الحياة والوجود محكومان بحكمة الله المطلقة.

العلم والقدر والخلق

خلق القلم أولًا يعني ارتباط الخلق بالعلم والقدر الإلهي. العلم الإلهي لا يسبق الخلق فقط، بل يحيط به، فهو قبل وجود أي شيء في الكون. العلماء المسلمين مثل الإمام الغزالي وابن تيمية وابن كثير اعتبروا أن خلق القلم كان تعبيرًا عن بداية الكتابة الإلهية التي توثق كل الموجودات وأحكامها.

يقول ابن كثير في تفسيره:

“أول ما خلق الله القلم، فخلق به كل شيء، وكتب فيه كل شيء حتى قيام الساعة.”

هذا يوضح كيف أن الخلق مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمشيئة الإلهية، ولا يمكن أن يحدث شيء بدون علم الله ومشيئته.

الكائنات الأولى في الخلق: النور والروح

بالرغم من أن الحديث عن القلم يعتبر أكثر وضوحًا، إلا أن هناك نقاشًا بين العلماء حول ما إذا كان هناك أشياء أخرى خُلقت قبل القلم أو بعده مباشرة. بعض الأحاديث والآثار تشير إلى أن النور، وبالتحديد “نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم”، هو أول ما خلق الله، حيث يذكر العلماء أن الله خلق نور نبيه قبل كل شيء ليكون بداية النور الذي منه انبثق الكون.

النور في الفكر الإسلامي يمثل الحقيقة المطلقة والنقاء والكمال. فبخلق هذا النور ابتدأ الله في تهيئة الأرض والسماء والأحياء. هذا الطرح يدعم فكرة أن الخلق بدأ بنور هداية ووجود روحي يتبعها خلق المادة.

أما الروح، فقد اعتبرها بعض العلماء أنها من أوائل المخلوقات أيضًا، حيث قال الله تعالى في كتابه:

“وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي” [الحجر: 29].

وقد يكون خلق الروح الإلهية مرتبطًا ببداية الخلق الحي والإنساني، لكنه يختلف عن أول مخلوق مادي أو معنوي.

التسلسل الزمني للخلق في النصوص الإسلامية

من خلال تتبع الآيات والأحاديث يتضح أن هناك عدة مراحل متتابعة في الخلق:

1. خلق القلم: بداية كتابة القدر والمشيئة.

2. خلق العرش: الذي استوى عليه الله.

3. خلق الماء: أساس الحياة.

4. خلق السماء والأرض: ترتيب الكون المادي.

5. خلق الملائكة والجن: المخلوقات الروحية.

6. خلق الإنسان والروح: بداية الخليقة البشرية.

ويعتبر هذا التسلسل تفسيرًا تقريبيًا للعلماء الذين جمعوا بين الأدلة المختلفة.

آراء الفلاسفة والعلماء المسلمين في أول الخلق

في الفكر الفلسفي الإسلامي، نظر الفلاسفة مثل الفارابي وابن رشد وابن سينا إلى أول الخلق من منطلق عقلاني وفلسفي، فاعتبروا أن الله خلق أولًا “العقل الفعال” أو “الروح الكونية”، التي كانت سبب وجود العالم المادي. بينما في التصوف، يرى المتصوفة أن النور الإلهي هو أول ما تجلى من الله وبدأ به الوجود.

لكن الفقهاء وأهل الحديث، يعتمدون أكثر على النصوص التي تشير إلى القلم كأول خلق. وهذا يفسر تعظيم العلم والكتابة في الإسلام.

البعد العلمي والتأمل في خلق الكون

من منظور علمي حديث، خلق الله للكون بدأ من نقطة واحدة هي الانفجار العظيم، ومن ثم توسع الكون وتكونت النجوم والكواكب. بينما في العقيدة الإسلامية، خلق القلم يمثل بداية نظام الكون ومشيئة الله المدونة، أي أن الله قبل أن يخلق الكون المادي وضع خطة محكمة لكل شيء.

هذا يربط بين الإيمان بالعناية الإلهية وتدبير الكون وبين فهم العلم الحديث للكون كنظام مترابط.

جدول يوضح تسلسل أول الخلق بحسب النصوص الإسلامية

الخلاصة

أول ما خلق الله تعالى من الأدلة الواضحة والمعتبرة في النصوص الإسلامية هو القلم، حيث يمثل بداية كل شيء في مشيئة الله وتقديره للكون والحياة. أما النور والعرش والماء فتأتي بعد ذلك في تسلسل الخلق، مما يعكس حكمة الله في ترتيب الكون والوجود. خلق القلم يرمز إلى العلم والكتابة والقدر، وهي نقطة الانطلاق في كل ما يلي من خلق السماوات والأرض والملائكة والإنسان.

هذه النظرة تعزز الإيمان بتدبير الله الشامل، وأن كل شيء في هذا الكون مكتوب ومحفوظ منذ الأزل، مما يدفع المؤمنين إلى تقدير العلم والتوثيق في حياتهم باعتبارهما من أسمى القيم التي بدأت من أول الخلق نفسه.

المصادر والمراجع:

• تفسير ابن كثير

• صحيح البخاري ومسلم

• “البدء والخبر” لابن عباس رضي الله عنه

• كتاب “الإيمان والقدر” لابن تيمية