المرأة العربية والقدرات التنافسية

القدرات التنافسية للمرأة العربية

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، برزت قضية تمكين المرأة العربية كواحدة من أهم الركائز التي تسعى إليها المجتمعات الحديثة لتحقيق التنمية الشاملة. فالمرأة العربية، بموروثها الثقافي الغني وتاريخها العريق، تحمل بين طياتها قدرات تنافسية متفردة تميزها وتؤهلها لتكون شريكاً أساسياً في مسيرة البناء والتطوير. هذا المقال يستعرض بشكل موسع ومتعمق القدرات التنافسية للمرأة العربية، موضحاً عوامل تفوقها، التحديات التي تواجهها، وأثر تمكينها في تحقيق التنمية المستدامة.

مفهوم القدرات التنافسية وأهميتها

القدرات التنافسية تشير إلى مجموعة المهارات، المعارف، الخبرات، والموارد التي تمكن الفرد أو الجماعة من التفوق وتحقيق النجاح في بيئة تنافسية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو مهنية. في حالة المرأة العربية، هذه القدرات تشمل جوانب متعددة مثل التعليم، المهارات العملية، القيم الاجتماعية، والتمكين القانوني والسياسي.

أهمية القدرات التنافسية للمرأة تكمن في كونها تتيح لها المشاركة الفاعلة في سوق العمل، الإبداع في مجالات عدة، وإحداث تغيير إيجابي في المجتمع. كما أن تعزيز هذه القدرات يعزز من دورها كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي.

العوامل التي تعزز القدرات التنافسية للمرأة العربية

1. التعليم والتدريب

التعليم هو حجر الأساس في بناء القدرات التنافسية. شهدت الدول العربية تحسناً ملحوظاً في نسبة التحاق النساء بالتعليم في السنوات الأخيرة، مع زيادة ملحوظة في نسب الحاصلات على درجات علمية عليا، خاصة في مجالات الطب، الهندسة، والقانون. هذا التقدم العلمي يمنح المرأة العربية أدوات ومعارف تمكنها من المنافسة بقوة في سوق العمل ومجالات الابتكار.

التدريب المهني والتقني يلعب أيضاً دوراً محورياً في تعزيز القدرات التنافسية للمرأة، حيث يوفر لها مهارات تطبيقية تؤهلها للعمل في قطاعات متخصصة مثل التكنولوجيا الحديثة، الإدارة، التسويق، وغيرها.

2. الإرث الثقافي والقيم الاجتماعية

المرأة العربية تنتمي إلى ثقافة غنية بالقيم التي تحفز على الصبر، العمل الجاد، والالتزام بالمسؤوليات. هذه القيم تشكل دعامة قوية تعزز من قدرتها على التكيف والتنافس في بيئات عمل مختلفة، سواء داخل الوطن أو خارجه. بالرغم من بعض القيود الاجتماعية التي تواجهها، فإن المرأة العربية استثمرت في هذه القيم لتكون متميزة في ميادين العمل والعلم.

3. التمكين القانوني والسياسي

شهدت بعض الدول العربية خطوات مهمة نحو تعديل القوانين التي تمنح المرأة حقوقاً متساوية في العمل، الملكية، والمشاركة السياسية. هذه التغييرات القانونية تخلق بيئة تنافسية عادلة، تتيح للمرأة الانخراط في المجالات التي كانت تقليدياً حكراً على الرجل، مما يزيد من قدراتها التنافسية على المستويات المحلية والإقليمية.

4. الابتكار وريادة الأعمال

اتجهت العديد من النساء العربيات إلى مجال ريادة الأعمال، مستفيدة من خبراتها العلمية والعملية لابتكار منتجات وخدمات تناسب الأسواق المحلية والعالمية. هذه الخطوة تعزز قدرات المرأة التنافسية لأنها تتحكم في زمام العمل وتحقق استقلالية اقتصادية، فضلاً عن إسهامها في خلق فرص عمل للآخرين.

التحديات التي تواجه القدرات التنافسية للمرأة العربية

رغم التقدم الكبير، تواجه المرأة العربية عدة تحديات تعيق استثمار كامل لقدراتها التنافسية:

• التمييز الاجتماعي والثقافي: تبقى بعض المفاهيم الاجتماعية والثقافية تحصر دور المرأة في نطاق محدود، مما يحد من مشاركتها في القطاعات الحيوية ويقلل من فرصها في المنافسة.

• العوائق القانونية: في بعض الدول، لا تزال القوانين تعيق وصول المرأة إلى مناصب قيادية أو تمنعها من المشاركة الكاملة في سوق العمل.

• نقص البنية التحتية والدعم المؤسسي: عدم توفر بيئة عمل ملائمة، مثل مرافق رعاية الأطفال أو سياسات مرنة للعمل، يؤثر سلباً على قدرة المرأة على الاستمرار في العمل وتطوير مهاراتها.

• الفجوة الرقمية والتكنولوجية: مع الثورة الرقمية، تحتاج المرأة إلى فرص متساوية في التعلم والتدريب على التقنيات الحديثة لتظل قادرة على المنافسة.

تأثير القدرات التنافسية للمرأة العربية على التنمية

إن الاستثمار في قدرات المرأة العربية ينعكس إيجابياً على مختلف أوجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث:

• تحقيق النمو الاقتصادي: مشاركة المرأة في سوق العمل تؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى تنويع مصادر الدخل الوطني.

• تحسين جودة التعليم والصحة: النساء القادرات على المنافسة يسهمن في رفع مستوى التعليم والرعاية الصحية في مجتمعاتهن، ما ينعكس بدوره على جودة الحياة.

• تعزيز العدالة الاجتماعية: تمكين المرأة ورفع قدراتها التنافسية يقلل الفجوات الاجتماعية ويعزز من المساواة والاندماج في المجتمع.

• دعم الابتكار والتطوير: النساء الرياديات يضفن أفكاراً جديدة تسهم في تطوير المنتجات والخدمات، ما يزيد من تنافسية الاقتصاد الوطني في الأسواق العالمية.

أمثلة على نجاحات نسائية عربية تنافسية

شهدت السنوات الأخيرة نماذج بارزة لنساء عربيات برزن في مجالات عدة، مثل:

• الدكتورة هالة زاهد، خبيرة في مجال التكنولوجيا الحيوية، التي أطلقت مشاريع بحثية رائدة في تطوير العلاجات الطبية الحديثة.

• رائدة الأعمال ريم الهاشمي، التي أسست شركات تقنية ناجحة في الإمارات، وفتحت آفاقاً واسعة للنساء في قطاع التقنية.

• الناشطة السياسية لطيفة بن زياتن، التي ساهمت في تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية في تونس وتحقيق إصلاحات مهمة.

هذه النماذج تمثل قوة حقيقية للمرأة العربية وتؤكد على أن تمكينها هو استثمار استراتيجي لا بد منه لأي مجتمع يسعى إلى التقدم.

استراتيجيات لتعزيز القدرات التنافسية للمرأة العربية

من أجل تطوير القدرات التنافسية للمرأة العربية، يمكن تبني مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة:

• تعزيز التعليم والتدريب المستمر: يجب توسيع فرص التعليم الفني والتقني، وتوفير برامج تدريبية مخصصة لتطوير المهارات الرقمية والقيادية.

• إصلاح القوانين والسياسات: تعديل التشريعات لتسهيل مشاركة المرأة في سوق العمل وضمان حقوقها في المناصب القيادية.

• تطوير بنية تحتية داعمة: توفير مرافق رعاية الأطفال، وتنفيذ سياسات عمل مرنة تسمح للمرأة بالتوفيق بين الحياة المهنية والعائلية.

• تشجيع ريادة الأعمال: تقديم الدعم المالي والفني للمشاريع النسائية، وفتح قنوات تسويق محلية وعالمية.

• محاربة الصور النمطية: نشر الوعي الثقافي والاجتماعي الذي يعزز من قيمة المرأة وقدراتها التنافسية، وتحطيم الحواجز الثقافية.

دور المؤسسات الدولية والإقليمية في دعم القدرات التنافسية للمرأة العربية

تلعب المؤسسات الدولية والإقليمية دوراً محورياً في دعم المرأة العربية من خلال برامج تمكين متخصصة، منها:

• الأمم المتحدة للمرأة: تقدم دعمًا فنيًا ومبادرات لتعزيز حقوق المرأة وزيادة فرصها في سوق العمل.

• الاتحاد العربي للمرأة: يركز على بناء قدرات النساء العربيات من خلال برامج تدريبية ومؤتمرات إقليمية تفتح آفاق التعاون.

• البنك الدولي: يوفر تمويلات للمشاريع التي تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد الوطني.

هذه المؤسسات تعمل على توفير الأدوات اللازمة لتحويل القدرات التنافسية للمرأة إلى إنجازات ملموسة تسهم في التطوير المستدام.

خاتمة

المرأة العربية تحمل في طياتها إمكانيات هائلة تجعل منها قوة تنافسية فريدة في شتى المجالات. رغم التحديات التي تواجهها، فإن خطوات التطوير في التعليم، التمكين القانوني، وريادة الأعمال تفتح أمامها آفاقاً واسعة للنجاح والمنافسة. إن دعم القدرات التنافسية للمرأة العربية ليس خياراً بل ضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في العالم العربي، ولتمكينها من المساهمة الفاعلة في بناء المستقبل.

المراجع

• تقرير “المرأة العربية والتنمية الاقتصادية” الصادر عن مركز الدراسات العربية، 2023.

• “دور التمكين القانوني في تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل”، مجلة التنمية المستدامة، العدد 45، 2024.