علاج ضغط الدم المنخفض للحامل: دليل شامل للوقاية والتعامل الآمن

يُعد انخفاض ضغط الدم من الأعراض الشائعة التي تواجهها العديد من النساء خلال فترة الحمل، وقد يكون في بعض الحالات طبيعيًا نتيجة للتغيرات الهرمونية والجسدية التي تطرأ على الجسم. ومع ذلك، فإن استمرار انخفاض ضغط الدم أو انخفاضه إلى مستويات مقلقة قد يؤثر سلبًا على صحة الأم والجنين، ما يتطلب التعامل معه بحذر وعناية فائقة لتفادي المضاعفات المحتملة. في هذا المقال الموسّع، سنستعرض بالتفصيل أسباب انخفاض ضغط الدم عند الحوامل، أعراضه، مخاطره، وطرق علاجه والوقاية منه، مع الالتزام الكامل بإرشادات السلامة الطبية وفقاً لأحدث الدراسات والأبحاث في المجال الطبي.

أولاً: ما هو ضغط الدم المنخفض للحامل؟

ضغط الدم المنخفض أو الانخفاض في ضغط الدم هو حالة يكون فيها قياس الضغط أقل من المعدل الطبيعي، أي عندما تكون قيمة ضغط الدم الانقباضي أقل من 90 ملم زئبقي والانبساطي أقل من 60 ملم زئبقي. في الحالات الطبيعية، يتراوح ضغط الدم لدى البالغين ما بين 90/60 إلى 120/80 ملم زئبقي. ولكن خلال الحمل، وبشكل خاص في الثلث الأول والثاني، من الشائع أن تشهد المرأة الحامل انخفاضًا في ضغط الدم بسبب توسع الأوعية الدموية بفعل هرمونات الحمل، وخصوصًا البروجسترون.

ثانياً: الأسباب الفسيولوجية لانخفاض ضغط الدم عند الحوامل

1. توسع الأوعية الدموية

مع بداية الحمل، يرتفع مستوى هرمون البروجسترون بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى ارتخاء الأوعية الدموية وتوسعها لتسهيل تدفق الدم إلى الجنين، وهذا يساهم في انخفاض الضغط بشكل ملحوظ.

2. زيادة حجم الدورة الدموية

تزيد كمية الدم في جسم الحامل تدريجياً بنسبة تصل إلى 50% لتلبية حاجات الجنين، ما قد يؤدي في المراحل الأولى إلى تفاوت في ضغط الدم نتيجة لعدم تكيّف الجسم بسرعة مع هذا التغيير.

3. التغيرات القلبية

قد تحدث تغيّرات في معدل ضربات القلب أو تدفق الدم بسبب الحمل، ما يؤثر أيضًا على مستويات ضغط الدم.

4. الجفاف أو نقص السوائل

تعاني بعض الحوامل من القيء المتكرر، خاصة في الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، مما يؤدي إلى فقدان السوائل ونقص حجم الدم، وبالتالي انخفاض ضغط الدم.

5. الاستلقاء على الظهر

في المراحل المتقدمة من الحمل، يمكن أن يسبب الاستلقاء على الظهر ضغط الرحم المتضخم على الوريد الأجوف السفلي، مما يقلل من عودة الدم إلى القلب ويخفض الضغط.

6. سوء التغذية أو نقص الفيتامينات

عدم الحصول على كميات كافية من الفيتامينات والمعادن الأساسية مثل فيتامين ب12، الحديد، أو حمض الفوليك يمكن أن يؤدي إلى فقر الدم، ما يؤثر على ضغط الدم.

ثالثاً: الأعراض الشائعة لانخفاض ضغط الدم عند الحامل

• دوخة أو دوار مفاجئ

• إعياء شديد

• تشوش في الرؤية

• الإحساس بالبرد أو الرطوبة في الجلد

• غثيان، خاصة في الصباح

• تسارع أو اضطراب في ضربات القلب

• صعوبة في التركيز

• فقدان الوعي في الحالات الشديدة

هذه الأعراض تتطلب مراقبة دقيقة، خاصة إذا كانت متكررة أو مصحوبة بأعراض أخرى كالنزيف أو الألم الشديد.

رابعاً: مخاطر انخفاض ضغط الدم على الأم والجنين

رغم أن انخفاض ضغط الدم خلال الحمل غالباً ما يكون عرضاً مؤقتاً، إلا أن استمراره دون علاج قد يُحدث مضاعفات خطيرة مثل:

على الأم:

• انخفاض تدفق الدم إلى المخ والأعضاء الحيوية

• الإغماء المفاجئ والسقوط مما قد يسبب إصابات

• ضعف في النشاط اليومي والشعور المستمر بالإرهاق

على الجنين:

• نقص تدفق الدم إلى المشيمة مما يقلل من كفاءة إيصال الأكسجين والمغذيات للجنين

• احتمال تأخر النمو داخل الرحم (IUGR)

• في بعض الحالات النادرة، قد يؤدي إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة

خامساً: العلاج والوقاية من انخفاض ضغط الدم للحامل

يُبنى علاج ضغط الدم المنخفض عند الحوامل على أسس غير دوائية في المقام الأول، إلا إذا كان الانخفاض ناتجًا عن حالة مرضية تستوجب تدخلاً دوائياً تحت إشراف الطبيب.

1. التعديل الغذائي والنظام اليومي

– شرب كميات كافية من الماء:

يُنصح بشرب 2.5 إلى 3 لترات من الماء يومياً لتفادي الجفاف، الذي يُعد أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض الضغط.

– تناول وجبات صغيرة ومتكررة:

يساعد ذلك على تجنب انخفاض السكر المفاجئ وتوفير طاقة مستمرة للجسم. يجب أن تتضمن الوجبات مكونات غنية بالحديد والبروتين والألياف.

– تقليل تناول الكربوهيدرات البسيطة:

تُعد الكربوهيدرات مثل الخبز الأبيض والمكرونة من مسببات الانخفاض المفاجئ للضغط بعد تناولها بكميات كبيرة، لذا يُنصح بتجنبها قدر الإمكان.

– زيادة استهلاك الملح الطبيعي باعتدال:

يمكن أن يساعد تناول كميات معتدلة من الملح في رفع ضغط الدم، لكن يجب ذلك فقط تحت إشراف الطبيب لتجنب مشاكل ارتفاع الضغط لاحقاً.

– الأطعمة المفيدة للحامل ذات الضغط المنخفض:

2. تعديل السلوكيات اليومية

– تجنب الوقوف لفترات طويلة:

الوقوف لفترات طويلة يزيد من تراكم الدم في الأطراف السفلية، ما يؤدي إلى انخفاض الضغط.

– النهوض من الفراش أو الكرسي ببطء:

يساعد ذلك على تقليل حدوث الدوخة المفاجئة نتيجة لتغير وضعية الجسم بسرعة.

– النوم على الجانب الأيسر:

يساهم في تحسين تدفق الدم إلى القلب والمشيمة ويقلل من الضغط على الوريد الأجوف.

3. المكملات الغذائية

• الحديد: لعلاج أو الوقاية من فقر الدم المرتبط بانخفاض ضغط الدم.

• فيتامين ب12: يحسن من تكوين خلايا الدم الحمراء.

• حمض الفوليك: ضروري للنمو الجنيني وتجنب فقر الدم.

تُؤخذ هذه المكملات فقط بناءً على توصية الطبيب وبعد إجراء الفحوصات اللازمة.

4. العلاجات الدوائية

نادراً ما يُوصى بالأدوية لعلاج انخفاض ضغط الدم خلال الحمل، لكن في حال ارتباط الحالة بأمراض مزمنة مثل قصور الغدة الكظرية أو مشاكل قلبية، قد يصف الطبيب أدوية مخصصة بعد تقييم دقيق لحالة الأم والجنين.

سادساً: متى يجب استشارة الطبيب فوراً؟

• عند حدوث إغماء متكرر

• إذا ترافق الانخفاض مع نزيف مهبلي أو آلام شديدة في البطن

• في حالة وجود تاريخ مرضي لأمراض القلب أو اضطرابات الضغط

• عند استمرار الأعراض رغم تطبيق النصائح السابقة لأكثر من أسبوع

سابعاً: الفرق بين انخفاض الضغط الطبيعي والمرضي أثناء الحمل

ثامناً: الممارسات الممنوعة للحامل ذات الضغط المنخفض

• عدم تجاهل الإغماء المتكرر

• تجنب استخدام الأعشاب دون استشارة طبية: مثل الزنجبيل أو القرفة، التي قد تتداخل مع الحمل

• تجنب التدخين أو الكافيين الزائد: لأنهما يسببان اضطرابات في ضغط الدم والدورة الدموية

• تجنب تناول الأدوية بدون وصفة طبية: بعض الأدوية مثل مدرات البول أو مضادات الاكتئاب قد تؤدي إلى تفاقم الحالة

تاسعاً: التوصيات العامة للوقاية على المدى الطويل

• المتابعة الدورية المنتظمة لضغط الدم طوال الحمل

• الالتزام بالتغذية الصحية منذ بداية الحمل

• ممارسة التمارين الخفيفة المخصصة للحوامل مثل المشي أو اليوغا

• الاسترخاء وتجنب القلق والتوتر قدر الإمكان

المراجع

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). “Low Blood Pressure During Pregnancy.” 2023.

2. Mayo Clinic. “Low blood pressure (hypotension) in pregnancy: Symptoms, causes, and treatment.” 2022.