الصندوق الأسود، المعروف أيضًا بـ”سجل البيانات الرحلة”، هو جهاز تسجيل متقدم يُستخدم في الطيران ووسائل النقل الأخرى لتسجيل بيانات الرحلة خلال عملياتها. يُعتبر الصندوق الأسود أحد أهم وسائل التسجيل والمراقبة في صناعة الطيران، حيث يلعب دوراً بارزًا في فهم أسباب الحوادث والحوادث الجوية.
يتألف الصندوق الأسود عادةً من جهازين: مسجل البيانات الرحلة (FDR) ومسجل الصوت في القمرة (CVR). يسجل مسجل البيانات الرحلة العديد من المعلومات الخاصة بالطائرة مثل الارتفاع، والسرعة، وزوايا الانحراف، والضغط الجوي، والأوضاع الخاصة بالأجهزة المختلفة على متن الطائرة. بينما يسجل مسجل الصوت في القمرة الحوار الذي يحدث داخل القمرة بين أفراد الطاقم، والإعلانات الصوتية الآلية، وأي أصوات أخرى مهمة.
يتم توجيه البيانات التي تم تسجيلها في الصندوق الأسود للتحليل عند وقوع حادث، ويُستخدم ذلك لفهم سلسلة الأحداث التي أدت إلى الحادثة. هذه البيانات تساعد في تحديد العوامل المؤثرة في الحادث وتطوير إجراءات السلامة للحد من حوادث مماثلة في المستقبل.
تطورت تقنية الصندوق الأسود بمرور الوقت، وأصبحت قادرة على تسجيل كميات هائلة من البيانات وتحمل ظروف التشغيل القاسية، مثل الحرارة الشديدة والضغط العالي. كما أنها تحتوي على نظم ارسال لتسهيل العثور عليها بعد الحوادث.
في الوقت الحالي، تستخدم الصناديق السوداء في مختلف وسائل النقل الأخرى أيضًا، مثل السفن البحرية والقطارات، لتسجيل البيانات المهمة وتحليلها لأغراض السلامة والتحقيق في حالات الطوارئ.
المزيد من المعلومات
بدأ استخدام الصناديق السوداء في صناعة الطيران في أواخر الخمسينات، وذلك كجزء من جهود تحسين السلامة الجوية بعد سلسلة من الحوادث الجوية المأساوية. ومنذ ذلك الحين، تم تطوير وتحسين تقنيات الصناديق السوداء باستمرار لزيادة كفاءتها وفعاليتها في تسجيل البيانات وتحمل ظروف التشغيل الصعبة.
يُعتبر الصندوق الأسود أداة حيوية لفهم أسباب الحوادث وتحسين السلامة في الطيران، وقد ساهمت البيانات التي تم جمعها من الصناديق السوداء في تحسين تصميم الطائرات وتطوير الإجراءات والتدريبات الخاصة بالطواقم الجوية. ولعل أحدث التطورات في هذا المجال تتمثل في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل الضخم لبيانات الصناديق السوداء لفهم الأنماط والعوامل المؤثرة في الحوادث وتوجيه جهود السلامة بشكل أكثر دقة وفعالية.
يتم تنظيم الاسترجاع وتحليل بيانات الصندوق الأسود بواسطة سلطات التحقيق في حوادث الطيران في العديد من الدول، مثل هيئة سلامة الطيران الوطنية في الولايات المتحدة والهيئة الفرنسية للتحقيق في حوادث الطيران والأبحاث (BEA). وتقوم هذه الهيئات بتحليل البيانات وإعداد التقارير النهائية التي توضح أسباب الحوادث وتوصياتها لتحسين السلامة.
تُعتبر الصناديق السوداء أيضًا عنصرًا رئيسيًا في عمليات البحث والإنقاذ بعد وقوع حوادث، حيث تُستخدم لتحديد موقع الحادث واسترجاع البيانات التي تساعد في تحديد ملابسات الحادث وتقديم الإسعافات الأولية والدعم للضحايا وذويهم.
بشكل عام، يمثل الصندوق الأسود ركنًا أساسيًا في جهود تعزيز السلامة في صناعة الطيران ووسائل النقل الأخرى، ويسهم بشكل كبير في تطوير وتحسين النظم والإجراءات الخاصة بالسلامة لضمان سلامة الركاب والطواقم وتقليل مخاطر الحوادث المحتملة.