متى يبدأ طفلي في الكلام؟

متى يتكلم طفلي؟: مرحلة تطور اللغة لدى الأطفال

تعد مرحلة تعلم اللغة لدى الأطفال من أكثر المراحل إثارة في حياتهم، حيث تنطوي على تحول كبير في قدرة الطفل على التواصل والتعبير عن أفكاره ومشاعره. من اللحظة التي يولد فيها الطفل، يبدأ دماغه في استيعاب وتفسير أصوات العالم من حوله، تدريجياً يبدأ الطفل في التعرف على اللغة الأم وفهم الكلمات والعبارات التي يتم استخدامها يومياً. ومع مرور الوقت، يتحول هذا الفهم إلى قدرة على التعبير بالكلام، وهي رحلة طويلة تتفاوت من طفل لآخر، ولكنها تنطوي على بعض المعالم المشتركة التي يمكن تحديدها عبر الأبحاث والتجارب.

مراحل تطور اللغة عند الطفل

1. الأشهر الأولى: الاستماع والتمييز بين الأصوات

في الأشهر الأولى من حياة الطفل، يكون تركيزه الأساسي على التكيف مع العالم الخارجي. في هذا الوقت، يبدأ الطفل في الاستماع إلى الأصوات المحيطة به، مثل أصوات والديه أو الأفراد الذين يتعامل معهم بشكل منتظم. في البداية، لا يستطيع الطفل فهم هذه الأصوات بشكل كامل، لكنه يبدأ في التمييز بينها. يظهر ذلك من خلال ردود فعل الطفل على الأصوات المألوفة أو غير المألوفة، مثل الحركة أو رفع الرأس عندما يسمع صوتًا جديدًا.

خلال هذه الفترة، يبدأ الأطفال في تطوير مهارات التعرف على الصوت، حيث يميزون بين النغمات المختلفة التي تميز لغة الأم. ففي الأسبوع السادس، يبدأ الأطفال في تفضيل الأصوات التي تشبه لغة الوالدين أو أفراد الأسرة المقربين منهم.

2. الأشهر من 4 إلى 6: الأصوات الأولية

مع مرور الأشهر، يبدأ الطفل في تحفيز حنجرته بشكل أكبر. في هذه المرحلة، يبدأ الأطفال في إصدار أصوات مثل التمتمة أو “الغغغة” أو بعض الترددات الصوتية غير المفهومة. هذا يُعد بداية لتطوير المهارات الصوتية التي تشكل الأساس للكلام المستقبلي. تكون هذه الأصوات غير مفهومة تمامًا، ولكنها تمثل بداية لمرحلة الإعداد للحديث الفعلي.

هذه الأصوات الأولية هي في الواقع تجربة حركية تساعد الأطفال على تطوير عضلات فمهم وألسنتهم استعدادًا للكلمات المقبلة. في هذه الفترة، يبدأ الأطفال في تمييز الكلمات المألوفة مثل “ماما” و “بابا”، على الرغم من أنهم لا يزالون غير قادرين على نطقها بشكل كامل.

3. من 6 إلى 12 شهراً: الإشارات الأولى

بين 6 و 12 شهراً، يدخل الطفل مرحلة هامة في تطور لغته، حيث يبدأ في فهم وتفسير الكلمات البسيطة. في هذه الفترة، يبدأ الطفل في ربط الكلمات المعروفة بالشيء الذي تمثله. على سبيل المثال، قد يشير الطفل إلى الزجاجة عندما يسمع كلمة “ماء” أو قد ينظر إلى الشخص عند سماع اسمه.

كما يبدأ الأطفال في استخدام الإيماءات، مثل الإشارة بيدهم أو التلويح، للتواصل. هذه الإشارات تعكس محاولاتهم للتفاعل مع بيئتهم باستخدام طرق بسيطة ولكن فعالة، وهي خطوة تمهد للمرحلة التالية من اكتساب اللغة.

4. من 12 إلى 18 شهراً: الكلمة الأولى

من عمر 12 شهراً، يظهر لدى بعض الأطفال الكلمة الأولى التي قد تكون “ماما” أو “بابا”، أو كلمة تشير إلى شيء مألوف مثل “قطّة” أو “كلب”. في هذا العمر، يبدأ الأطفال في استخدام كلمات بسيطة للتواصل بشكل أكثر تحديدًا. وعلى الرغم من أن الكلمة قد لا تكون واضحة تمامًا، إلا أنها تشير إلى قدرة الطفل على استخدام اللغة كوسيلة للتواصل مع الآخرين.

على الرغم من أن الأطفال يختلفون في وقت نطق كلماتهم الأولى، إلا أن معظم الأطفال يبدأون في استخدام الكلمات في هذه الفترة. كما يُلاحظ أن الأطفال يبدؤون في فهم بعض الأوامر البسيطة مثل “تعال” أو “أعطِني”.

5. من 18 إلى 24 شهراً: توسع المفردات

من عمر 18 شهراً، تبدأ مفردات الطفل في التوسع بشكل ملحوظ. في هذه المرحلة، يبدأ الأطفال في إضافة كلمات جديدة إلى قاموسهم الخاص، وقد يبدؤون في استخدام بعض الكلمات معاً لتشكيل جمل بسيطة مثل “أريد ماء” أو “إعطني الكرة”. كما قد يبدأ الطفل في تكرار ما يسمع، وهذا يمثل خطوة هامة نحو تعلم الكلام.

في هذه المرحلة، قد يبدأ الطفل أيضًا في فهم العلاقات بين الكلمات والأشياء. على سبيل المثال، قد يعرف أن كلمة “طعام” تشير إلى أشياء يمكن أن يأكلها. تعتبر هذه الفترة حاسمة في تطور مهارات التحدث، حيث يبدأ الطفل في بناء جمل بسيطة وفهم بعض المفاهيم الأساسية.

6. من 2 إلى 3 سنوات: الجمل الكاملة

من عمر السنتين إلى ثلاث سنوات، يبدأ الطفل في استخدام جمل كاملة، ويزيد من تعقيد تعبيراته. قد يبدأ في دمج أكثر من كلمتين معًا لإنشاء جمل تحتوي على فعل وموضوع، مثل “أريد أن ألعب” أو “أمي في المطبخ”. في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في استخدام ضمائر مثل “أنا” و “أنت”، مما يدل على تطور فهمه للعلاقات الاجتماعية.

تبدأ المفردات في التوسع بشكل كبير في هذه الفترة، حيث قد يستخدم الطفل عشرات من الكلمات الجديدة ويبدأ في تشكيل جمل أطول وأكثر تنوعًا. كما يبدأ في التعبير عن احتياجاته وأفكاره بشكل أكثر دقة.

7. من 3 إلى 5 سنوات: تطور النحو والتعبير المعقد

بحلول سن الثالثة، يبدأ الأطفال في تعلم القواعد اللغوية بشكل أسرع. فهم لا يقتصرون فقط على زيادة المفردات، بل يبدأون أيضًا في استخدام أزمنة الفعل، مثل الماضي والمستقبل. على سبيل المثال، قد يقول الطفل “لعبت في الحديقة” أو “سأذهب إلى المدرسة غدًا”. كما يتعلمون استخدام تراكيب لغوية أكثر تعقيدًا، مثل الجمل الشرطية أو التوكيد.

من خلال هذه المرحلة، يصبح الطفل قادرًا على التعبير عن مفاهيم أكثر تعقيدًا مثل “إذا كنت أساعدك، ستساعدني أيضًا”، مما يعكس تطورًا في القدرة على فهم اللغة واستخدامها في سياقات متنوعة.

العوامل التي تؤثر في تطور الكلام لدى الأطفال

إن النمو اللغوي للطفل لا يحدث في فراغ، بل يتأثر بعدد من العوامل المختلفة التي تتداخل مع بعضها البعض. هذه العوامل تشمل:

1. البيئة المحيطة: التعرض المستمر للغة من خلال محادثات مع الوالدين والعائلة والمحيط الاجتماعي يساعد الطفل على تطوير مهاراته اللغوية بشكل أسرع. الأطفال الذين يتحدث معهم آباؤهم بانتظام ويروون لهم القصص أو يجيبون على أسئلتهم، يميلون إلى اكتساب اللغة بشكل أسرع.

2. الاختلافات الفردية: يختلف الأطفال في سرعتهم في تطوير مهارات اللغة. قد يتأخر بعض الأطفال في نطق كلماتهم الأولى، لكن ذلك لا يعني بالضرورة وجود مشكلة، فقد يكونون ببساطة يتطورون بوتيرة أبطأ.

3. العوامل الصحية: يمكن أن تؤثر بعض الحالات الصحية مثل ضعف السمع أو التأخر العقلي على تطور اللغة لدى الطفل. من المهم مراقبة تطور الطفل بعناية والتأكد من أنه يتلقى الرعاية المناسبة في حال حدوث أي تأخر ملحوظ.

4. اللغة الثانية: الأطفال الذين ينشأون في بيئة ثنائية اللغة قد يتأخرون قليلاً في نطق كلماتهم الأولى مقارنة مع الأطفال الذين يتحدثون لغة واحدة فقط. ومع ذلك، فإن هؤلاء الأطفال غالبًا ما يتفوقون في تطور اللغة مع مرور الوقت.

متى يجب استشارة الطبيب؟

بينما يُعتبر تأخر الكلام في السنوات الأولى أمرًا طبيعيًا لدى العديد من الأطفال، إلا أن هناك بعض الحالات التي تستدعي القلق. إذا لم يبدأ الطفل في نطق كلماته الأولى بحلول عمر 18 شهرًا، أو إذا كان يعاني من مشاكل مستمرة في فهم اللغة أو التعبير عنها بحلول سن الثالثة، فقد يكون من المفيد استشارة طبيب الأطفال أو اختصاصي النطق واللغة.

الخلاصة

إن تطور اللغة لدى الأطفال هو عملية معقدة تتأثر بالعديد من العوامل. لا يوجد وقت محدد لجميع الأطفال لبدء التحدث، حيث يتفاوت الأطفال في سرعتهم في اكتساب المهارات اللغوية. من خلال توفير بيئة غنية بالتحفيز اللغوي والمشاركة الاجتماعية، يمكن للوالدين المساهمة في تسريع هذه العملية، بينما يجب مراقبة الأطفال عن كثب للتأكد من تطور لغتهم بشكل سليم.