لماذا شرع الله الزواج؟
الزواج في الإسلام هو رابطة مقدسة يتم فيها الالتزام المشترك بين الرجل والمرأة لبناء أسرة مستقرة، وهو ليس مجرد عقد قانوني بين شخصين، بل هو علاقة روحانية واجتماعية تشتمل على مبادئ وأهداف تساهم في تكوين مجتمع متماسك. وقد شرع الله تعالى الزواج لعدة أسباب عظيمة، لا تقتصر فقط على توفير العناية والرعاية المتبادلة بين الزوجين، بل تشمل كذلك أهدافًا اجتماعية، اقتصادية، ونفسية تهدف إلى تعزيز قيم الألفة والمودة بين أفراد المجتمع.
1. الزواج من باب الفطرة الإنسانية
من خلال النظر في فطرة الإنسان، نجد أن الله تعالى قد خلق الإنسان من ذكر وأنثى، وجعل هذا التكوين سببًا من أسباب تكامل البشرية. فيقول تعالى في القرآن الكريم: “وَجَعَلْنَا لَكُمْ مِنَ الْجَانِبِ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلْنَا بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم: 21). هذه الآية تدل على أن الزواج هو سبيل إشباع الحاجة الطبيعية للبشر في العيش مع شريك يتناسب معه ويكمل احتياجاته، سواء كانت نفسية، اجتماعية أو حتى فسيولوجية. الفطرة السليمة تدفع الإنسان للبحث عن شريك حياة يشاركه اللحظات السعيدة والصعبة.
2. تحقيق الاستقرار الاجتماعي
الزواج هو أساس بناء المجتمع الإسلامي السليم. من خلاله يتم تأسيس الأسرة التي تعتبر اللبنة الأساسية في المجتمع. فكلما كانت الأسر مستقرة وقائمة على المودة والرحمة، كان المجتمع أكثر تماسكًا وأقل عرضة للتفكك. وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: “من تزوج فقد أحرز نصف دينه”، وهذا يعني أن الزواج لا يقتصر على كونه علاقة دنيوية بل هو جزء من حياة المؤمن وعبادة لله تعالى. الأساس الذي يقوم عليه الزواج هو العفاف والطهارة، وبالتالي فإن المجتمع الذي يلتزم بتعاليم الزواج يكون أقل عرضة للآفات الاجتماعية مثل الانحراف الأخلاقي والعلاقات المحرمة.
3. حفظ النسل وعمارة الأرض
من أهداف الزواج التي بيّنها الإسلام هو الحفاظ على النسل البشري، الذي يعد من أسمى أهداف الحياة الإنسانية. قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ” (الزخرف: 31). الفكرة من هذه الآية أن الزواج يُمكّن الزوجين من الإنجاب، وتكثير الأمة الإسلامية التي تسعى لتحقيق الخير على الأرض. التكاثر هو أحد الأسباب التي جعلها الله في الإنسان، فالأبناء هم زينة الحياة الدنيا وهم مسؤولية عظيمة.
الزواج هو الطريقة الصحيحة التي يتم من خلالها المحافظة على النسل البشري، وقد شرع الله تعالى الزواج في إطار من القيم التي تحترم حقوق الأبناء والوالدين. فالطفل الذي يولد من علاقة شرعية بين زوجين يعاش في بيئة مستقرة، ويحظى برعاية صحيحة وصادقة من كلا الوالدين.
4. إشباع الاحتياجات النفسية والعاطفية
من أبرز الأسباب التي شرع الله الزواج من أجلها هو تلبية الاحتياجات النفسية والعاطفية للإنسان. يحتاج الإنسان إلى وجود شريك حياة يمكنه من تبادل الحب والمشاعر الإنسانية بشكل شرعي. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله: “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ” (البقرة: 187). وهذه الصورة الرائعة تُظهر مدى الارتباط الوثيق بين الزوجين، بحيث يكون كل منهما مصدر راحة واطمئنان للآخر.
الزواج يساعد الإنسان على التغلب على مشاعر الوحدة والفراغ، ويمثل فرصة لإظهار العاطفة والحنان، حيث أن كلاً من الزوجين يحتاج إلى الشعور بالحب والاهتمام من الآخر. إن الشريك في الحياة يكون بمثابة دعم عاطفي ونفسي يساعد الآخر في تخطي الصعوبات والتحديات.
5. تنظيم العلاقات البشرية
من خلال الزواج، ينظم الإسلام العلاقات البشرية، ويضع لها ضوابط وأحكامًا تضمن حفظ الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة. الزواج يجعل العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار شرعي واضح، بعيدًا عن الفوضى والانحراف. العلاقة بين الزوجين مبنية على التعاون، الاحترام المتبادل، والتفاهم المستمر. وهذا يختلف عن العلاقات غير المشروعة التي قد تؤدي إلى العديد من المشاكل النفسية والاجتماعية. فالزواج يحقق العفة والحياء، ويُحرم الزنا الذي يعتبر من أعظم الآثام في الإسلام.
6. أهداف اقتصادية وتنظيمية
أحد الأهداف الأساسية للزواج هو توفير الأمن الاقتصادي للأسرة، حيث يمكن للزوجين أن يكملا بعضهما البعض في تدبير شؤون الحياة. الزواج يوفر استقرارًا ماليًا وعاطفيًا يتيح للزوجين إمكانية توفير حياة كريمة لأطفالهما، مما يعزز من دور الأسرة في الاقتصاد المحلي والمجتمعي. إن التعاون بين الزوجين في تأمين مصادر الرزق، وتنظيم شؤون الأسرة بشكل منظم، هو أحد الطرق التي تحقق التوازن داخل المجتمع.
7. المسؤولية والقيام بالواجبات
في الإسلام، يوضح الزواج مفهوم المسؤولية التي يجب أن يتحملها كل من الزوج والزوجة في حياتهما المشتركة. من خلاله يتعلم كل طرف كيفية الوفاء بالواجبات، سواء كانت أسرية أو اجتماعية أو دينية. الزوج مسؤول عن الإنفاق على أسرته وحمايتها، والزوجة مسؤولة عن تربية الأطفال وتعليمهم. هذا التوزيع للمهام يعزز من استقرار الأسرة، ويؤدي إلى تحقيق التوازن بين حقوق الزوجين وواجباتهما.
في النهاية، شرع الله تعالى الزواج لمجموعة من الأهداف المتعددة التي تساهم في بناء مجتمع صالح متماسك. وقد تكاملت أحكام الزواج في الإسلام بحيث يتضمن التوجيهات اللازمة لكل جانب من جوانب الحياة الزوجية من أجل تحقيق المصلحة العامة والفردية.
