أنواع الوهم وطرق علاجه

يُعد الوهم أحد الظواهر النفسية المعقدة التي تجمع بين الإدراك الخاطئ والاعتقاد غير القابل للتغيير رغم الأدلة التي تنقضه. يُعرّف الوهم (Delusion) في الطب النفسي بأنه اعتقاد ثابت خاطئ لا يتغير حتى في ضوء الأدلة الواضحة التي تُثبت خطأه. يختلف الوهم عن الهلوسة، فالأخيرة هي إدراك حسي لشيء غير موجود فعلياً (كأن يسمع الشخص أصواتاً غير حقيقية)، بينما الوهم يتعلق بالاعتقادات والقناعات الخاطئة. يرتبط الوهم عادة بعدد من الاضطرابات النفسية والعقلية، ويُعدّ فهم أنواعه وطرق التعامل معه ضرورياً للتشخيص الصحيح والمعالجة الفعالة.

أولاً: مفهوم الوهم من منظور علم النفس

الوهم في علم النفس يُعتبر أحد الأعراض الذهانية التي تُصيب الأفراد ضمن اضطرابات مثل الفصام، اضطراب الضلالات، أو الاكتئاب الذهاني. ويُعدّ إدراك الشخص غير المتسق مع الواقع من السمات المركزية للوهم. فالشخص المصاب بالوهم يعتقد بأمور قد تكون غير منطقية، ويصعب تغيير اعتقاده حتى عند تقديم أدلة واضحة تخالفه.

تتنوع الأوهام بحسب محتواها وسياقها، ويمكن أن تكون مؤقتة أو مزمنة، بسيطة أو معقدة، وقد تترسخ في وعي الشخص لسنوات دون أن يخضع لمراجعة عقلية داخلية. هذا يجعل الوهم من أكثر الأعراض تحدياً في العلاج النفسي.

ثانياً: الأنواع الرئيسية للأوهام

تصنف الأوهام بناءً على المحتوى الذي تدور حوله، وتشمل الأنواع التالية:

1. الأوهام الاضطهادية (Delusions of Persecution)

يعتقد الشخص أن هناك من يتجسس عليه أو يسعى لإيذائه أو مراقبته. من الأمثلة الشائعة اعتقاد المريض أن الحكومة أو الجيران أو حتى زملاء العمل يتآمرون ضده. تُعدّ الأوهام الاضطهادية من أكثر أنواع الوهم انتشاراً، وترتبط غالباً بالفصام وجنون العظمة (البارانويا).

2. أوهام العظمة (Delusions of Grandeur)

يعتقد الفرد بأنه يمتلك قدرات خارقة أو أنه شخصية تاريخية أو دينية مهمة، مثل اعتقاده بأنه نبي أو ملك أو عالم عبقري مميز دون دليل واقعي. تظهر هذه الأوهام بشكل كبير في الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، خصوصاً خلال نوبات الهوس.

3. الأوهام الجسدية (Somatic Delusions)

يعتقد الشخص بوجود خلل جسدي خطير في جسده رغم عدم وجود أدلة طبية على ذلك، مثل الشعور بوجود ديدان تحت الجلد أو تغير في شكل الأعضاء. تتداخل هذه الأوهام مع اضطراب الجسدنة، وهي تحدٍ في التشخيص بسبب تداخلها مع مشكلات جسدية حقيقية.

4. الأوهام الغرامية (Erotomanic Delusions)

يظن الشخص أن أحد الأشخاص، وغالباً ما يكون من الشخصيات المعروفة أو المشاهير، واقع في حبه. قد يتبع المريض هذا الشخص، ويرسل له رسائل غرامية أو يحاول الاتصال به بإلحاح، رغم عدم وجود أي علاقة بينهما.

5. أوهام السيطرة (Delusions of Control)

يشعر الفرد أن أفكاره أو أفعاله يتحكم فيها شخص أو قوة خارجية. قد يعتقد أن جهازًا معينًا أو كيانًا غامضًا يسيطر عليه، أو أن أفكاره تُذاع عبر التلفاز. هذا النوع من الوهم يُعد دليلاً على اضطرابات ذهانية شديدة.

6. أوهام الإشارة (Delusions of Reference)

يرى الشخص أن إشارات معينة في البيئة موجهة إليه شخصياً، كأن يعتقد أن الأخبار في التلفاز تتحدث عنه، أو أن المارة في الشارع يرسلون له رسائل مشفرة من خلال سلوكياتهم.

7. أوهام الذنب (Delusions of Guilt)

يعاني الفرد من شعور مفرط بالذنب لدرجة الوهم، ويعتقد بأنه سبب في كوارث أو مصائب كبرى. يشيع هذا النوع في حالات الاكتئاب الحاد المصحوب بأعراض ذهانية.

8. أوهام النيه أو التخاطر (Delusions of Thought Insertion/Withdrawal)

يعتقد الفرد أن أفكاره تُزرع في رأسه من طرف خارجي أو تُسحب منه بالقوة. يُعتبر هذا النوع من الأوهام علامة مميزة للفصام.

ثالثاً: أسباب الوهم

تنشأ الأوهام نتيجة تفاعل معقد بين العوامل البيولوجية، النفسية، والاجتماعية. من أبرز العوامل:

• العوامل البيولوجية: اضطراب في كيمياء الدماغ، خاصة في مستوى الدوبامين، يُعد من الأسباب الرئيسية في ظهور الأعراض الذهانية. كما أن بعض الإصابات الدماغية، مثل إصابات الفص الجبهي أو الصدغي، قد تؤدي إلى الأوهام.

• الوراثة: تُظهر الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للذهان أكثر عرضة للإصابة بالأوهام.

• الضغوط النفسية والاجتماعية: الصدمات النفسية أو التعرض لظروف معيشية قاسية يمكن أن تُسهم في ظهور الأوهام، خاصة عند من لديهم استعداد بيولوجي.

• الإدمان: تعاطي المخدرات، خصوصاً المنشطات مثل الأمفيتامينات أو المؤثرات العقلية مثل LSD، قد يؤدي إلى حالات من الوهم المؤقت أو المزمن.

• الاضطرابات النفسية: يُعتبر الوهم عرضاً رئيسياً في العديد من الاضطرابات مثل الفصام، اضطراب الضلالات، الهوس، وبعض أشكال الاكتئاب.

رابعاً: طرق علاج الوهم

علاج الأوهام يتطلب مقاربة متعددة الجوانب تشمل الجانب الدوائي، النفسي، والاجتماعي. ويعتمد نجاح العلاج على تشخيص السبب الرئيسي للوهم.

1. العلاج الدوائي

العقاقير المضادة للذهان (Antipsychotics) هي الخط الأول لعلاج الأوهام، وتعمل عبر تنظيم كيمياء الدماغ، خصوصاً الدوبامين. من أشهر هذه الأدوية:

• ريسبيريدون (Risperidone)

• أولانزابين (Olanzapine)

• كويتيابين (Quetiapine)

• هالوبيريدول (Haloperidol)

يتم تعديل الجرعة حسب شدة الأعراض واستجابة المريض. بعض الحالات قد تحتاج إلى فترة علاج طويلة الأمد.

2. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يُعدّ العلاج السلوكي المعرفي أداة فعالة في مساعدة المرضى على التعرف على أفكارهم غير المنطقية وتطوير استجابات واقعية. يُشجع هذا النوع من العلاج على:

• تحليل الاعتقادات الخاطئة وتقييمها بشكل موضوعي

• تعليم مهارات التكيف وحل المشكلات

• تحسين نظرة المريض إلى الواقع

3. الدعم النفسي والاجتماعي

وجود بيئة داعمة يُسهم في تقليل الضغط النفسي وتحسين فرص الشفاء. الدعم الاجتماعي يشمل:

• إشراك العائلة في العلاج وتثقيفهم حول المرض

• توفير خدمات الرعاية المجتمعية والتأهيل الوظيفي

• جلسات الدعم الجماعي مع مرضى آخرين

4. العلاج بالمستشفى

في الحالات الشديدة أو عندما يشكل المريض خطرًا على نفسه أو الآخرين، قد يكون من الضروري إدخاله إلى منشأة علاجية نفسية لتوفير بيئة آمنة ومتابعة مكثفة.

5. العلاج الكهربائي (ECT)

يُستخدم العلاج الكهربائي في الحالات الشديدة من الاكتئاب الذهاني أو الأوهام المقاومة للعلاج. رغم الجدل المحيط بهذه الطريقة، إلا أن نتائجها قد تكون فعالة عندما تفشل الأدوية.

خامساً: مضاعفات عدم علاج الوهم

عدم علاج الوهم بشكل مناسب قد يؤدي إلى:

• تفاقم الحالة الذهنية وانعزال المريض عن المجتمع

• تطور الأعراض إلى سلوك عدواني أو إيذاء النفس

• تدهور العلاقات الاجتماعية والمهنية

• الدخول في حالات اكتئاب شديدة أو ميول انتحارية

سادساً: الفرق بين الوهم والهلوسة

سابعاً: سبل الوقاية والتأهيل

رغم صعوبة الوقاية الكاملة من الوهم، إلا أن بعض الإجراءات قد تقلل من احتمال ظهوره:

• الكشف المبكر: التشخيص المبكر لأي اضطراب نفسي وعلاجه قد يمنع تطور الأوهام.

• تجنب المخدرات: الابتعاد عن المواد المؤثرة عقلياً يقلل من فرص الإصابة بالذهان.

• العلاج المستمر: الحفاظ على الجرعات الدوائية وعدم التوقف دون إشراف طبي.

• التثقيف النفسي: فهم طبيعة الاضطراب يساعد المريض والمحيطين به على التعامل الأفضل.

• الدعم المجتمعي: إدماج المريض في نشاطات اجتماعية يساعد في تحسين الوظائف المعرفية والعاطفية.

المصادر

• American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.).

• Sadock, B.J., Sadock, V.A., & Ruiz, P. (2014). Kaplan and Sadock’s Synopsis of Psychiatry. 11th edition.

هذا المقال يغطي الجوانب الأساسية والمتقدمة حول الوهم، أنواعه، أسبابه، وطرق التعامل معه ضمن إطار علم النفس والطب النفسي الحديث، بما يضمن إثراء المحتوى العربي بالمعلومات الدقيقة والقابلة للتطبيق.