التهاب الغدة الدرقية: الأسباب والعلاج

التهاب الغدة الدرقية (Thyroiditis): الأسباب، الأعراض، التشخيص والعلاج

تعتبر الغدة الدرقية واحدة من الغدد الصماء المهمة في الجسم، حيث تقع في منطقة العنق أمام الحنجرة وتعمل على إفراز هرمونات تؤثر في العديد من وظائف الجسم، مثل تنظيم التمثيل الغذائي، والنمو، والطاقة. لكن في بعض الحالات، قد تتعرض هذه الغدة للالتهاب، مما يؤدي إلى اضطراب في إفراز هرموناتها. يسمى هذا الالتهاب بـ “التهاب الغدة الدرقية” (Thyroiditis). وهو يشمل مجموعة متنوعة من الاضطرابات التي تؤثر على الغدة الدرقية وقد تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.

1. أنواع التهاب الغدة الدرقية

هناك عدة أنواع من التهاب الغدة الدرقية، ولكل منها أسباب وأعراض وعلاج مختلف. يمكن تصنيف هذه الأنواع على النحو التالي:

1.1 التهاب الغدة الدرقية المزمن (مرض هاشيموتو)

يُعد التهاب الغدة الدرقية المزمن من أكثر أنواع التهاب الغدة الدرقية شيوعًا. ويحدث عندما يُهاجم الجهاز المناعي أنسجة الغدة الدرقية، مما يؤدي إلى تدميرها تدريجيًا. غالبًا ما يحدث هذا المرض في الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة بالأمراض المناعية الذاتية. يؤدي التهاب الغدة الدرقية المزمن إلى انخفاض مستوى هرمونات الغدة الدرقية في الجسم، مما يُعرف بقصور الغدة الدرقية.

1.2 التهاب الغدة الدرقية الحاد

يُعتبر التهاب الغدة الدرقية الحاد حالة نادرة نسبيًا وتحدث نتيجة لعدوى بكتيرية أو فيروسية تؤدي إلى التهاب الغدة الدرقية. قد يكون هذا النوع من الالتهاب مصحوبًا بألم شديد في منطقة الرقبة، وقد يسبب تورمًا في الغدة الدرقية. يمكن أن يؤدي التهاب الغدة الدرقية الحاد إلى ارتفاع مؤقت في مستويات هرمونات الغدة الدرقية.

1.3 التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد (Subacute thyroiditis)

يحدث هذا النوع من التهاب الغدة الدرقية نتيجة لعدوى فيروسية، مثل فيروس الأنفلونزا أو الحصبة الألمانية. يتميز هذا الالتهاب بوجود ألم في الرقبة وفقدان مفاجئ للوزن، بالإضافة إلى شعور بالإرهاق. قد يؤدي هذا النوع من الالتهاب إلى زيادة مؤقتة في مستوى هرمونات الغدة الدرقية، مما يُعرف بفرط الدرقية.

1.4 التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة

يحدث هذا النوع من التهاب الغدة الدرقية بعد فترة قصيرة من الولادة، وتُصاب به بعض النساء بعد الحمل بسبب التغيرات الهرمونية. قد يتسبب هذا النوع من الالتهاب في إفراز مفرط أو منخفض للهرمونات الدرقية. وعادةً ما يختفي التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة تلقائيًا في معظم الحالات، لكن قد تستمر بعض النساء في المعاناة من مشاكل درقية طويلة الأمد.

1.5 التهاب الغدة الدرقية غير التقليدي (مثل التهاب الغدة الدرقية نتيجة للعلاج بالإشعاع)

في بعض الحالات النادرة، قد يحدث التهاب الغدة الدرقية نتيجة لتعرض الجسم لعلاج إشعاعي، مثل العلاج الإشعاعي للسرطان. هذا النوع من الالتهاب يمكن أن يؤدي إلى انخفاض حاد في مستويات هرمونات الغدة الدرقية.

2. أسباب التهاب الغدة الدرقية

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى التهاب الغدة الدرقية، وتشمل:

2.1 الأسباب المناعية الذاتية

في بعض الأحيان، يهاجم الجهاز المناعي في الجسم أنسجة الغدة الدرقية عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى تدميرها. يُعتبر مرض هاشيموتو من أبرز الأمراض المناعية الذاتية التي تؤدي إلى التهاب الغدة الدرقية.

2.2 العدوى الفيروسية أو البكتيرية

تعد العدوى الفيروسية أو البكتيرية سببًا شائعًا لالتهاب الغدة الدرقية، مثل الإصابة بالأنفلونزا، أو الحصبة الألمانية، أو حتى العدوى البكتيرية المباشرة التي تصيب الغدة.

2.3 الحمل والولادة

التغيرات الهرمونية التي تحدث خلال فترة الحمل يمكن أن تؤدي إلى التهاب الغدة الدرقية في بعض الحالات. قد يتسبب التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة في مشاكل صحية تحتاج إلى متابعة دقيقة.

2.4 العوامل البيئية

قد تؤثر العوامل البيئية مثل التعرض للإشعاع، أو التعرض لمواد كيميائية معينة، على وظيفة الغدة الدرقية وتسبب الالتهاب. كما يمكن أن تؤدي بعض الأدوية إلى تفاعلات مع الغدة الدرقية.

2.5 العوامل الوراثية

تعد العوامل الوراثية أحد العوامل المساهمة في تطور التهاب الغدة الدرقية، خاصةً في حالة الأمراض المناعية الذاتية مثل مرض هاشيموتو.

3. أعراض التهاب الغدة الدرقية

تختلف أعراض التهاب الغدة الدرقية وفقًا لنوع الالتهاب الذي يعاني منه الشخص. بعض الأعراض الشائعة تشمل:

3.1 الأعراض المصاحبة لقصور الغدة الدرقية (عند الإصابة بالتهاب الغدة الدرقية المزمن):

• الشعور بالتعب والإرهاق الشديد.

• زيادة الوزن المفاجئ.

• الشعور بالبرودة الدائمة.

• جفاف الجلد والشعر.

• ضعف في الأظافر والشعر.

• اضطرابات في الدورة الشهرية.

• بطء في ضربات القلب.

• صعوبة في التركيز.

3.2 الأعراض المصاحبة لفرط الدرقية (عند الإصابة بالتهاب الغدة الدرقية الحاد أو تحت الحاد):

• فقدان الوزن غير المبرر.

• التعرق المفرط.

• تسرع ضربات القلب.

• الشعور بالقلق أو العصبية.

• ضعف العضلات.

• اضطرابات النوم.

3.3 أعراض عامة:

• تورم في منطقة الرقبة نتيجة لتضخم الغدة الدرقية.

• ألم في منطقة الرقبة، خاصةً في حالة التهاب الغدة الدرقية الحاد أو تحت الحاد.

4. تشخيص التهاب الغدة الدرقية

يعتمد التشخيص على الفحص السريري للمريض، بالإضافة إلى مجموعة من الاختبارات المعملية والفحوصات التصويرية. قد يطلب الطبيب إجراء بعض الفحوصات مثل:

• تحليل الدم: لتحديد مستويات هرمونات الغدة الدرقية (مثل TSH وT3 وT4) وقياس الأجسام المضادة في حالة وجود مرض مناعي ذاتي.

• خزعة من الغدة الدرقية: قد تكون ضرورية لتحديد نوع الالتهاب في الحالات التي لا يُمكن تحديدها من خلال التحاليل المخبرية وحدها.

• الأشعة فوق الصوتية (Ultrasound): لتحديد وجود تضخم أو أورام في الغدة الدرقية.

5. علاج التهاب الغدة الدرقية

يعتمد العلاج على نوع التهاب الغدة الدرقية وشدته. في حالات التهاب الغدة الدرقية المزمن، يكون العلاج عبارة عن هرمونات درقية لتعويض نقص الهرمونات. أما في حالة التهاب الغدة الدرقية الحاد، فإن العلاج يكون من خلال المضادات الحيوية في حالة العدوى البكتيرية. كما يمكن أن يتطلب التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد مسكنات للألم ومضادات الالتهابات.

5.1 علاج قصور الغدة الدرقية

يتم علاج قصور الغدة الدرقية عادةً باستخدام الأدوية التي تحتوي على هرمونات الغدة الدرقية الاصطناعية مثل “ليفوثيروكسين”. يتم تعديل الجرعة بناءً على مستويات هرمونات الغدة الدرقية في الدم.

5.2 علاج فرط الدرقية

في حالة فرط الدرقية، يمكن استخدام أدوية مثل “الثيرومايد” أو الأدوية المثبطة لإنتاج الهرمونات الدرقية. في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر العلاج باستخدام اليود المشع لتقليص حجم الغدة الدرقية.

5.3 علاج التهاب الغدة الدرقية الحاد أو تحت الحاد

يتم علاج التهاب الغدة الدرقية الحاد باستخدام المضادات الحيوية في حال كان الالتهاب ناتجًا عن عدوى بكتيرية، بينما يمكن استخدام أدوية مضادة للفيروسات إذا كان الالتهاب ناتجًا عن عدوى فيروسية.

6. التوقعات والتعايش مع التهاب الغدة الدرقية

تختلف التوقعات بناءً على نوع التهاب الغدة الدرقية. في حالات التهاب الغدة الدرقية المزمن، قد يحتاج المرضى إلى العلاج مدى الحياة، لكن مع العلاج المناسب، يمكن للعديد من المرضى أن يعيشوا حياة طبيعية. أما في حالة التهاب الغدة الدرقية الحاد أو تحت الحاد، فإن الشفاء يحدث عادةً في غضون بضعة أشهر.

في الختام، يُعد التهاب الغدة الدرقية من الاضطرابات الشائعة التي قد تؤثر بشكل كبير على حياة المريض. ولكن مع التشخيص المبكر والعلاج المناسب، يمكن إدارة هذه الحالة بشكل فعال وتحقيق