التفسير بالمأثور والرأي: الفروق

الفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي

يُعد علم التفسير من العلوم الأساسية التي انبثقت من صلب الدراسات الإسلامية، وهو العلم الذي يهتم ببيان معاني القرآن الكريم وشرح مقاصده وتوضيح دلالاته، سواء من حيث اللغة أو السياق أو العقيدة أو التشريع. وقد تنوعت طرق التفسير وتعددت مناهجه بحسب مصادر المعرفة وطرائق الاستدلال التي يعتمد عليها المفسرون، ومن أشهر هذه المناهج التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي. ولكل منهج من هذين المنهجين خصائصه ومميزاته، كما أن له ضوابطه العلمية التي تضمن عدم الانحراف عن غايات التفسير وأهدافه الكبرى.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة علمية موسعة للفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، من خلال تناول التعريف، النشأة، المصادر، المنهجية، الضوابط، وأبرز المفسرين لكل منهج، مع تحليل نقدي للخصائص المشتركة والفروق الجوهرية بينهما.

أولاً: تعريف التفسير بالمأثور

التفسير بالمأثور هو الذي يعتمد في فهم آيات القرآن الكريم على ما ورد في القرآن نفسه، أو في السنة النبوية الصحيحة، أو في أقوال الصحابة، أو أقوال التابعين ممن عرفوا بالتفسير.

وقد سُمِّي بالمأثور لأنه يستند إلى آثار ثابتة عن السلف، ويُعدّ هذا النوع من التفسير هو الأساس الذي بنى عليه العلماء المسلمون علم التفسير، وذلك لاتصاله المباشر بمصادر التشريع الأصلية.

أقسام المأثور:

1. تفسير القرآن بالقرآن: كأن يفسر الله تعالى لفظة مبهمة في موضع بلفظة واضحة في موضع آخر. مثال: قوله تعالى: ﴿الصَّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، فُسِّرت في آية أخرى بقوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: 153].

2. تفسير القرآن بالسنة: حيث ورد عن النبي ﷺ تفسير لبعض الآيات، مثل تفسيره للظلم في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ﴾ [الأنعام: 82] بأنه الشرك، كما في الحديث الصحيح.

3. تفسير القرآن بأقوال الصحابة: كابن عباس وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة الذين كانوا شهودًا على نزول القرآن، وعرفوا ظروفه وسياقاته.

4. تفسير القرآن بأقوال التابعين: كعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم ممن تلقوا التفسير عن الصحابة.

ثانياً: تعريف التفسير بالرأي

التفسير بالرأي هو التفسير الذي يعتمد فيه المفسر على الاجتهاد العقلي والاستنباط الفكري، ويستند إلى علوم اللغة العربية وأصول الفقه والبلاغة والسياق القرآني، بعد أن يلتزم بضوابط الشريعة واللغة.

ولا يعني التفسير بالرأي إقصاء المصادر المأثورة، وإنما يعني توسيع دائرة الاستنباط بعد الرجوع إليها، بشرط ألا يخالف النصوص الثابتة أو إجماع الأمة.

أقسام التفسير بالرأي:

1. الرأي المقبول: وهو التفسير الذي يعتمد على قواعد اللغة، والسياق، ومعرفة أسباب النزول، واستنباط الأحكام مع عدم التعارض مع النقل الصريح.

2. الرأي المردود: وهو التفسير الذي يبنى على الهوى أو التأويل الفاسد، أو يُستند فيه إلى أفكار غير منضبطة تخالف العقيدة الإسلامية أو تقحم مفاهيم دخيلة.

ثالثاً: أوجه الاتفاق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي

رغم التمايز المنهجي بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، إلا أن هناك نقاط اتفاق جوهرية بينهما:

رابعاً: الفروق الجوهرية بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي

خامساً: نشأة التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي

بدأ التفسير بالمأثور في عهد النبي محمد ﷺ واستمر في عهد الصحابة والتابعين، حيث كانوا يعتمدون في فهم الآيات على ما ورد عن النبي أو ما فسر بعضهم لبعض. وقد تميزت هذه المرحلة بالدقة والالتزام بالنقل دون تجاوز له.

أما التفسير بالرأي، فقد ظهرت ملامحه الأولى عند الصحابة الذين استخدموا فهمهم العميق للغة والسياق في شرح بعض الآيات التي لم يرد بها نقل مباشر. وبرز هذا النوع في العصر الأموي والعباسي مع اتساع الدولة الإسلامية، وظهور المذاهب الفكرية والكلامية، واحتكاك المسلمين بثقافات متعددة.

سادساً: ضوابط التفسير بالمأثور

1. صحة السند: يجب التأكد من صحة السند في تفسير السنة أو أقوال الصحابة والتابعين.

2. سلامة المتن: لا يُعتمد على ما فيه غرابة أو مخالفة لثوابت العقيدة.

3. تقديم القرآن على السنة، والسنة على أقوال الصحابة.

4. تجنب الإسرائيليات غير الموثوقة: وقد نقل كثير من المفسرين روايات عن أهل الكتاب، بعضها يحتاج إلى تمحيص شديد.

سابعاً: ضوابط التفسير بالرأي

1. عدم مخالفة النقل الصحيح: لا يجوز تفسير الآيات تفسيرًا يعارض صريح القرآن أو السنة.

2. الاتكاء على اللغة العربية: لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين.

3. الالتزام بالقواعد الأصولية: كأصول الفقه، ومناهج الاستنباط الشرعي.

4. فهم السياق العام للآية: ومعرفة أسباب النزول.

5. سلامة العقيدة: عدم إدخال التأويلات الباطنية أو المناهج الفلسفية البعيدة عن الإسلام.

ثامناً: أمثلة على التفسير بالمأثور

• تفسير قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ [النجم: 1]، قال ابن عباس: هو سقوطه حين يغيب.

• تفسير قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7]، قال النبي ﷺ: هم اليهود، و﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾: هم النصارى.

تاسعاً: أمثلة على التفسير بالرأي

• تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]، فُسِّر بأنهم الذين يُسلمون بوجود الله وملائكته واليوم الآخر دون أن يروه.

• تفسير قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45]، فُسِّر بأن الصبر يشمل صبر النفس على الطاعة، وصبرها عن المعصية، والصبر على أقدار الله.

عاشراً: أبرز كتب التفسير بالمأثور

الحادي عشر: أبرز كتب التفسير بالرأي

الثاني عشر: الجمع بين التفسيرين

اتجه كثير من المفسرين إلى المزج بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، فاستندوا أولاً إلى النصوص المأثورة، ثم اجتهدوا في شرح الآيات وإبراز دلالاتها الجديدة بما لا يتعارض مع النصوص الشرعية. ويُعد تفسير الطبري مثالًا على هذا المنهج المتوازن، حيث جمع بين النقل والاستدلال، واللغة والمعنى.

الخاتمة

التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي منهجان متكاملان في خدمة القرآن الكريم، ولا غنى لأحدهما عن الآخر. فالتفسير بالمأثور يمنح التفسير الأصالة والثقة من خلال الارتباط بالنقل الصحيح، أما التفسير بالرأي فيُعطيه التجدد والمرونة في مواكبة العصر وتوسيع الفهم ضمن الضوابط الشرعية. ومن هنا، فإن الجمع بينهما هو الأسلوب الأمثل الذي اتبعه كبار العلماء لتحقيق الغاية العليا من التفسير، وهي فهم كلام الله والعمل به.

المراجع:

1. ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: عدنان زرزور.

2. الزركشي، البرهان في علوم القرآن.