ألم في الظهر: الأسباب والتشخيص والعلاج الشامل

مقدمة

يعتبر ألم الظهر من أكثر المشاكل الصحية شيوعاً التي تؤثر على فئات عمرية مختلفة، إذ يعاني منه ملايين الأشخاص حول العالم سواء بشكل حاد أو مزمن. يتراوح ألم الظهر بين شعور بسيط بعدم الراحة إلى ألم حاد يعيق حركة الفرد ويؤثر على جودة حياته اليومية. يعود ألم الظهر إلى أسباب متعددة تتعلق بالجهاز العضلي الهيكلي، الأعصاب، أو حتى أعضاء داخلية، مما يجعل فهم أسبابه ودراسته بشكل دقيق أمراً ضرورياً لتطبيق العلاج المناسب والفعال.

يهدف هذا المقال إلى تناول ألم الظهر بشكل موسع، من خلال استعراض الأسباب الطبية والميكانيكية، آليات التشخيص الحديثة، الأساليب العلاجية المختلفة، والطرق الوقائية التي تحد من تكرار الإصابة وتخفف من حدة الأعراض.

تعريف ألم الظهر وأنواعه

يشير ألم الظهر إلى أي شعور مؤلم أو انزعاج في المنطقة الواقعة بين الكتفين وأسفل الحوض. ويقسم ألم الظهر إلى نوعين رئيسيين بناءً على مدة الأعراض:

• ألم الظهر الحاد: يستمر عادة أقل من 6 أسابيع، وغالباً ما يكون مرتبطاً بإصابة أو إجهاد مفاجئ.

• ألم الظهر المزمن: يستمر لأكثر من 12 أسبوعاً، وقد ينتج عن مشاكل صحية معقدة أو أمراض مزمنة تؤثر على العمود الفقري.

كما يمكن تصنيف الألم حسب الموقع:

• ألم في الجزء العلوي من الظهر (العمود الفقري الصدري)

• ألم في الجزء الأوسط من الظهر

• ألم في أسفل الظهر (العمود الفقري القطني) وهو الأكثر شيوعاً

أسباب ألم الظهر

1. الأسباب الميكانيكية

تشكل الأسباب الميكانيكية نسبة كبيرة من حالات ألم الظهر، ومنها:

• إجهاد العضلات والأربطة: نتيجة حمل أوزان ثقيلة بطريقة خاطئة أو حركات مفاجئة، تؤدي إلى تمزق عضلي أو شد أربطة.

• الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة: يسبب ضغطاً مستمراً على الفقرات والأقراص بين الفقرات.

• تآكل الأقراص الفقرية (الديسك): انزلاق أو تمزق الأقراص الغضروفية بين الفقرات، ما يؤدي إلى ضغط الأعصاب المجاورة.

• التهاب المفاصل الفقارية: مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو الفصال العظمي، التي تؤثر على حركة العمود الفقري.

• تشوهات في العمود الفقري: كجنف العمود الفقري أو الانزلاق الفقاري (Spondylolisthesis) والتي تغير من توزيع الأحمال على الفقرات.

2. الأسباب العصبية

• ضغط العصب الوركي (عرق النسا): يحدث عندما يضغط قرص غضروفي أو نمو عظمي على العصب الوركي، مسبباً ألم يمتد من الظهر إلى الساق.

• التهاب الأعصاب أو التهاب السحايا: في حالات نادرة، قد يكون سبب الألم التهاب الأعصاب المرتبطة بالعمود الفقري.

3. الأسباب الداخلية

في بعض الحالات قد يكون ألم الظهر ناتجاً عن مشاكل في أعضاء داخلية مثل:

• الأمراض الكلوية: مثل حصى الكلى أو التهاب الكلى.

• أمراض الجهاز الهضمي: كالقرحة أو التهابات البنكرياس.

• مشاكل في القلب: أحياناً قد ينتشر ألم القلب إلى الظهر.

• أمراض النساء: كالأكياس المبيضية أو التهابات الحوض.

4. عوامل الخطر

• زيادة الوزن: تؤدي إلى زيادة الضغط على العمود الفقري.

• قلة النشاط البدني: تؤدي إلى ضعف عضلات الظهر.

• التدخين: يؤثر على تدفق الدم ويقلل من شفاء الأنسجة.

• العمر: مع التقدم في السن تزداد احتمالية تآكل الأقراص الفقرية.

التشخيص الطبي لألم الظهر

يعتمد التشخيص على عدة خطوات لتحديد السبب الدقيق لألم الظهر، تشمل:

الفحص السريري

• تقييم الوضعية الحركية والوظيفة العضلية

• اختبار مدى الحركة للعمود الفقري

• تحديد نقاط الألم والشدة

• تقييم الأعصاب (الفحص العصبي) للتحقق من وجود خدر أو ضعف عضلي

الفحوصات التصويرية

• الأشعة السينية: للكشف عن الكسور أو التشوهات العظمية.

• التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يقدم صورة دقيقة للأقراص الغضروفية، الأعصاب، والأنسجة الرخوة.

• التصوير المقطعي المحوسب (CT scan): يستخدم أحياناً لتفاصيل عظمية أو في حالات الطوارئ.

• تصوير العظام (Bone scan): في حالات الاشتباه بوجود أمراض عظمية أو التهابات.

التحاليل المخبرية

• تحليل الدم لاستبعاد الالتهابات أو الأمراض المزمنة.

• تحليل البول إذا كان هناك اشتباه بمشاكل في الكلى.

علاج ألم الظهر

1. العلاج التحفظي (غير الجراحي)

يشكل العلاج التحفظي الخط الأول في معالجة ألم الظهر، ويشمل:

الراحة المناسبة

• الحد من الأنشطة التي تزيد الألم مع عدم البقاء في السرير لفترات طويلة.

• الحفاظ على حركة خفيفة لتحفيز الدورة الدموية.

العلاج الدوائي

• مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs): مثل الإيبوبروفين لتقليل الالتهاب والألم.

• مرخيات العضلات: تخفف من تشنج العضلات.

• مسكنات الألم: كالباراسيتامول أو الأدوية المخدرة بحذر.

• الكورتيكوستيرويدات: في حالات الألم الشديد أو الالتهاب العصبي.

العلاج الطبيعي والتأهيلي

• تمارين تقوية العضلات خاصة عضلات البطن والظهر.

• تمارين الإطالة لتحسين مرونة العمود الفقري.

• العلاج الكهربائي والليزر في بعض الحالات.

• التدليك الطبي.

تعديل نمط الحياة

• تحسين وضعية الجلوس والوقوف.

• استخدام وسائل مساندة كالكرسي الطبي أو الوسائد الداعمة.

• خفض الوزن الزائد.

• التوقف عن التدخين.

2. العلاج الجراحي

يتم اللجوء إلى الجراحة في الحالات التالية:

• وجود انزلاق غضروفي يضغط على الأعصاب ولا يستجيب للعلاج التحفظي.

• وجود تضيق شديد في القناة الشوكية (تضيق العمود الفقري).

• حالات الكسور الشديدة أو الالتهابات المزمنة.

• أورام العمود الفقري أو التهابات عميقة.

تشمل الجراحات:

• استئصال الانزلاق الغضروفي (Microdiscectomy).

• تثبيت الفقرات (Spinal fusion).

• توسيع القناة الشوكية (Laminectomy).

طرق الوقاية من ألم الظهر

تعتبر الوقاية من ألم الظهر من أهم الخطوات لتقليل نسبة الإصابة وتكرار الألم، وتتضمن:

• ممارسة الرياضة بانتظام مع التركيز على تقوية عضلات الظهر والبطن.

• استخدام تقنيات الرفع الصحيحة، كحني الركبتين وعدم الانحناء من الخصر.

• الحفاظ على وزن صحي.

• تحسين وضعية الجلوس، خصوصاً أثناء العمل أو قيادة السيارة.

• تجنب الجلوس لفترات طويلة، مع القيام والحركة بين الحين والآخر.

• ارتداء أحذية مناسبة ومريحة.

• استخدام فرشة نوم مناسبة تدعم العمود الفقري.

تأثير ألم الظهر على الحياة اليومية

يتسبب ألم الظهر في تقليل القدرة على أداء المهام اليومية، ويؤثر سلباً على نوعية النوم، الحالة النفسية، والإنتاجية في العمل. الألم المزمن قد يؤدي إلى تغيرات نفسية مثل القلق والاكتئاب، مما يزيد من تفاقم الأعراض ويصعب التعافي. لذلك، من الضروري التعامل مع ألم الظهر بجدية واتباع خطة علاجية متكاملة.

ملخص لعوامل وأسباب وأعراض ألم الظهر

المصادر والمراجع

• كتاب طب العظام: مبادئ وممارسة، الطبعة الحديثة، تأليف فريق من أطباء العظام.

• الدليل الشامل لأمراض العمود الفقري، الناشر: الجمعية العالمية لجراحة العمود الفقري، 2021.

ألم الظهر هو ظاهرة صحية معقدة ومتعددة الأبعاد، تتطلب فهماً شاملاً لأسبابه وطرق علاجه للحد من تأثيره على جودة الحياة. باتباع الخطوات الطبية السليمة، والاهتمام بأسلوب الحياة الصحي، يمكن التخفيف من أعراض الألم والحد من تكرار الإصابة به.