أمور الجاهلية التي حرمها الإسلام
تعد فترة الجاهلية في التاريخ العربي واحدة من أظلم فترات المجتمع البشري، حيث كانت الحياة قبل الإسلام تفتقر إلى القيم الإنسانية، وتعج بالكثير من التقاليد السيئة التي كانت تمس كرامة الإنسان وتحطم حقوقه. جاء الإسلام ليضع حداً لهذه الممارسات، ويُحارب جميع أشكال الظلم والاعتداء على الحقوق، ويُحرم ما كان يُمارس في تلك الحقبة من تصرفات، اعتاد الناس على التعامل بها دون وعي أو معرفة بحرمتها.
هذه المقالة تستعرض بعضاً من أهم الأمور التي كانت منتشرة في فترة الجاهلية، والتي حرمها الإسلام بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مُرسلاً رسالته السماوية لتنقية المجتمع من تلك العادات السيئة.
1. وأد البنات
من أبرز الممارسات الجاهلية القبيحة التي حرّمها الإسلام وأبطلها تماماً هي عادة وأد البنات، حيث كان بعض العرب في الجاهلية يدفنون بناتهم أحياء خشية الفقر أو العار. كانوا يعتقدون أن ولادة الأنثى هي نذير شؤم، وأنها سوف تضعهم في موقف مُحرج في مجتمع ذُكوري بحت. كان يتم دفنهن في الرمال أو التراب، مما جعل هذه الممارسة واحدة من أفظع الجرائم التي عارضها الإسلام بشدة.
قال تعالى في القرآن الكريم: “وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (1) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ” (التكوير: 8-9).
من خلال هذا الآية، يظهر بوضوح أن الإسلام قد ألغى هذه الممارسة البشعة وحرّمها نهائيًا، بل كان يرفضها رفضًا قاطعًا.
2. الربا
كان الربا من الممارسات الاقتصادية الشائعة في الجاهلية، حيث كان يتم التعامل به في المعاملات التجارية بشكل مستمر. كان العرب في الجاهلية يتعاملون بالفوائد على الأموال المقترضة، حيث يفرضون على المدين دفع مبالغ ضخمة مقابل قرض صغير. وبلغ الأمر حدًا أن بعضهم كانوا يتاجرون في حياة الناس، بتثبيت شروط قاسية في عقودهم.
حرّم الإسلام الربا في آيات كثيرة من القرآن الكريم، بل وصفه بأنه حرب على الله ورسوله. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضعَافًا مُّدَارَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (آل عمران: 130). كما أكد على أن أكل الربا من الكبائر التي تهلك المجتمع وتساهم في زيادة الفقر وعدم العدالة.
3. شرب الخمر والميسر
كان الخمر شائعًا جدًا في حياة العرب قبل الإسلام، بل كان يعتبر من مظاهر الفرح والاحتفالات. كذلك كان الميسر أو القمار، الذي كان يتمثل في العديد من الألعاب التي تعتمد على الحظ. كان يتم لعب القمار بالممتلكات أو المال، وكان من أكثر وسائل التسلية التي يتبناها العرب آنذاك.
حرّم الإسلام شرب الخمر والميسر تحريماً قاطعاً في القرآن الكريم، حيث جاء في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّما الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة: 90).
لقد تم تحريمهما نظرًا لما لهما من تأثيرات مدمرة على الفرد والمجتمع، حيث يؤديان إلى التدهور الأخلاقي، والإدمان، وتفشي العنف، وانعدام الأمن الاجتماعي.
4. القتل والتعذيب
كان في الجاهلية ممارسة القتل والتعذيب لأسباب متنوعة، منها الثأر أو الانتقام أو لأسباب قبلية. كانت الحروب القبلية والصراعات على السلطة تُسهم في انتشار العنف في المجتمع. وفي بعض الأحيان، كان القتل يُمارس كوسيلة لإثبات القوة أو تأكيد الهيبة.
الإسلام جاء ليبطل هذا التصرف، وأقر مبادئ حفظ النفس البشرية، فقال تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ” (الإسراء: 33). وأمر أيضًا بالتحاكم إلى القضاء في حالات النزاع، وكان العقاب في الإسلام يتسم بالعدالة والرحمة.
5. القتل بسبب الشرف
كان بعض العرب في الجاهلية يظنون أن القتل من أجل “الشرف” يُعتبر أمراً مشروعًا. في حالة حدوث تصرف مرفوض اجتماعيًا من امرأة، مثل ارتكابها الزنا أو الطلاق، كان يُسمح لبعض الرجال بقتلها دفاعًا عن شرفهم، دون أدنى احترام لحقوق الإنسان.
حرّم الإسلام هذا النوع من القتل، وأقر مبدأ العصمة الزوجية، وأرسى مبدأ التوبة والرحمة. كما بيّن في القرآن الكريم أن الشرف لا يُحفظ من خلال القتل، بل بالحفاظ على العفاف والطهارة، ومحاسبة الجاني من خلال القضاء العادل.
6. عبادة الأصنام والتقرب إليها
في فترة الجاهلية، كان الناس يعبدون الأصنام ويعتقدون أن هذه التماثيل تمثل آلهة أو قوى غيبية لها تأثير على حياتهم. كانت هذه الآلهة تُصنع من الحجارة أو الخشب أو المعادن، وكان الناس يقدمون لها القرابين من الطعام والشراب، بل وبعضهم كان يقدم لها دماء الحيوانات.
الإسلام، الذي جاء بتوحيد الله سبحانه وتعالى، حارب هذه المعتقدات بقوة. فقد حرم عبادة الأصنام وجعل من التوحيد أساسًا رئيسيًا في العقيدة. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ” (النساء: 48).
7. الظلم والاستبداد
الظلم كان سمة بارزة في العصر الجاهلي، حيث كانت السلطة تكون في يد القوي والقبيلة، وكان الناس الضعفاء لا يملكون حقوقًا تضمن لهم العدالة. كان الملوك والزعماء يستبدون بالسلطة، ويظلمون الناس باسم الحق أو بسبب مكانتهم الاجتماعية.
أبطل الإسلام هذا النظام القمعي وأرسى مبدأ العدل والمساواة بين جميع البشر، بغض النظر عن أصولهم أو مكانتهم الاجتماعية. في القرآن الكريم، جاء تأكيد كبير على ضرورة العدل ورفض الظلم، حيث قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ” (النحل: 90).
8. التعصب القبلي
كان العرب في الجاهلية يفاخرون بأنسابهم، ويتفاخرون بقبائلهم. وقد أدى ذلك إلى التفرقة والتمييز بين الناس بناءً على أصلهم العرقي أو القبلي، حيث كان يُنكر على الشخص إذا لم يكن ينتمي إلى القبيلة الأقوى أو الأشرف. كان هذا التعصب يؤدي إلى تحقير الآخرين، ويزيد من العصبية التي تؤدي إلى الصراعات والنزاعات.
الإسلام جاء ليُبطل هذه الفكرة تمامًا، ويؤكد على أن الأفضلية تكون بالتقوى والعمل الصالح، وليس بالنسب أو القبيلة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاءَكُمْ وَاحِدٌ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَىٰ عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَىٰ عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَىٰ أَسْوَدَ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَىٰ أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَىٰ” (رواه أحمد).
9. قتل الأسرى وتعذيبهم
في الجاهلية، كان يُسمح للقبائل بقتل الأسرى أو تعذيبهم، بل في بعض الأحيان كان يُقدَّم الأسير كفدية، يتم بيعه أو استعباده. كان هذا يمثل انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان.
أبطل الإسلام هذه الممارسات، وجعل
