تاريخ السينما المصرية

السينما المصرية وتاريخها

تُعد السينما المصرية واحدة من أعرق وأقدم صناعات السينما في الوطن العربي والشرق الأوسط، إذ حملت على عاتقها منذ بدايات القرن العشرين مهمة التأسيس لثقافة مرئية أسهمت في تشكيل الوعي الجمعي العربي، وبقيت لعقود طويلة المصدر الأول والأكثر تأثيراً في تقديم القصة العربية للمتلقي المحلي والعالمي على حد سواء. لم يكن ظهور السينما المصرية محض صدفة، بل جاء نتيجة تطورات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية متشابكة ساعدت في تبلور صناعة متكاملة، خرج منها نجوم وفنانون ومخرجون وكُتّاب كان لهم أثر لا يُمحى في الذاكرة الجمعية.

البدايات الأولى للسينما المصرية

بدأت علاقة مصر بالسينما في العام 1896 حين عُرض أول فيلم سينمائي في الإسكندرية بعد عامٍ واحدٍ فقط من عرض الأخوين لوميير أول عرض سينمائي في باريس. شهدت القاهرة والإسكندرية في تلك الفترة نشاطاً ثقافياً لافتاً بفضل الانفتاح على أوروبا وكثرة الجاليات الأجنبية، مما مهّد الطريق لاستقبال هذا الفن الجديد. في العقد الأول من القرن العشرين، بدأت دور العرض السينمائي تنتشر في المدن الكبرى، وظهرت محاولات لتصوير بعض المناظر المحلية والأحداث اليومية.

ومع حلول عشرينيات القرن العشرين، اتجه بعض المغامرين من روّاد الفن إلى إنتاج الأفلام الطويلة، فكان فيلم «ليلى» (1927) من إخراج وكتابة وداد عرفي وبطولة عزيزة أمير، أول فيلم روائي طويل مصري خالص إنتاجاً وتمثيلاً، رغم وجود تجارب سابقة لم تكتمل أو اعتمدت على شركات أجنبية.

صناعة السينما وتطور الاستوديوهات

مع تزايد الإقبال على العروض السينمائية، بدأت ملامح الصناعة تتضح أكثر مع دخول القطاع الخاص ورجال الأعمال الذين استشعروا الأرباح الكامنة في إنتاج الأفلام. تأسست استوديوهات صغيرة ثم كبيرة، كان من أبرزها «استوديو مصر» الذي أنشأه طلعت حرب عام 1935 عبر بنك مصر، ليصبح منارة للإنتاج الفني ومهداً لظهور جيل جديد من التقنيين والمخرجين والفنانين.

ساهمت هذه البنية التحتية في نقل السينما المصرية من مرحلة التجريب إلى مرحلة الاحتراف، حيث أصبحت القاهرة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي واحدة من أهم عواصم الإنتاج السينمائي في العالم العربي. شهدت تلك الفترة إنتاج عشرات الأفلام سنوياً، وتأسست شركات توزيع، وظهرت أسماء كبيرة مثل يوسف وهبي وأمينة رزق وبهيجة حافظ.

العصر الذهبي للسينما المصرية

يُطلق على الفترة الممتدة من أربعينيات القرن الماضي وحتى منتصف الستينيات «العصر الذهبي» للسينما المصرية. تميزت هذه الحقبة بغزارة الإنتاج وتنوع الأجناس الفنية بين الكوميديا، الميلودراما، الأفلام الاجتماعية، الأفلام التاريخية، وأفلام الغناء والاستعراض التي ساهمت في إبراز نجوم الطرب المصري أمثال عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وليلى مراد.

في هذه الفترة، تحولت القاهرة إلى «هوليوود الشرق»، وصارت الأفلام المصرية تُعرض في معظم الدول العربية، مما عزز مكانتها كأداة ثقافية جامعة للذائقة العربية. كانت الأفلام تناقش قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية بجرأة نسبية، وظهرت أسماء مهمة في الإخراج مثل صلاح أبو سيف الذي عُرف بريادته للواقعية في السينما، ويوسف شاهين الذي أدخل النزعة الفلسفية والبعد الرمزي إلى الأفلام المصرية.

السينما المصرية وموجة القوانين الاشتراكية

مع قيام ثورة يوليو 1952 والتحولات السياسية الكبرى في مصر، خضعت السينما كسائر القطاعات لإجراءات التأميم في الستينيات. تأسست المؤسسات العامة للإنتاج السينمائي، وأُعيد تنظيم عملية إنتاج وتوزيع الأفلام تحت إشراف الدولة، مما وفر إمكانيات هائلة للتمويل والإنتاج لكن في الوقت نفسه قيّد حرية التعبير إلى حدٍ ما.

أفرزت هذه المرحلة أعمالاً خالدة تناولت قضايا الطبقات الشعبية والفلاحين والتحولات الاجتماعية، مثل أفلام هنري بركات، وكمال الشيخ، وحلمي حليم، إلى جانب أفلام المخرج يوسف شاهين الذي احتفظ بقدر من الاستقلالية الفكرية والفنية وقدم أعمالاً مثل «الأرض» و«العصفور» و«إسكندرية ليه؟» والتي سجلت تحولات المجتمع المصري على الشاشة.

السينما المصرية بعد الانفتاح الاقتصادي

مع بداية السبعينيات والتحول إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي، شهدت السينما المصرية تغيرات كبيرة على مستوى الشكل والمضمون. تقلص دعم الدولة للإنتاج السينمائي تدريجياً، وازداد حضور القطاع الخاص وشركات الإنتاج الصغيرة، مما أدى إلى تراجع في جودة بعض الأفلام لصالح الأعمال التجارية الخفيفة التي تركزت على الكوميديا والأفلام الاستهلاكية.

رغم ذلك، لم يخلُ المشهد من تجارب مهمة وظهور موجة جديدة من المخرجين الذين حملوا همّ التجديد، من بينهم محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة الذين أسسوا ما يُعرف بـ«الواقعية الجديدة» التي اهتمت بتقديم قصص الناس العاديين في قلب المدينة المصرية بمصداقية وصدق بصري.

تحديات التسعينيات وبداية الألفية

واجهت السينما المصرية في التسعينيات تحديات جسيمة تمثلت في تراجع عدد دور العرض، وانتشار الفيديو المنزلي، وظهور القنوات الفضائية التي جذبت الجمهور بعيداً عن قاعات السينما التقليدية. ساهم ذلك في تقلص الإنتاج السنوي وغياب النجوم الكبار الذين مثّلوا أيقونات السينما العربية لعقود.

مع بداية الألفية الثالثة، بدأت صناعة السينما تعيد ترتيب أوراقها عبر موجة من الكوميديا الشبابية التي اعتمدت على نجوم جدد مثل أحمد حلمي، محمد هنيدي، كريم عبد العزيز، وغيرهم ممن استطاعوا جذب شرائح واسعة من الجمهور، ما ساعد على إنقاذ شباك التذاكر وإعادة الثقة في الإنتاج السينمائي المصري.

التحولات التقنية والرقمية

أسهمت الثورة الرقمية في العقدين الأخيرين في تغيير قواعد الإنتاج والتوزيع السينمائي حول العالم، ولم تكن مصر بمنأى عن ذلك. ساعدت الكاميرات الرقمية وتقنيات المونتاج الحديثة على تقليل كلفة الإنتاج، ما أتاح لمخرجين شباب تقديم أفلام مستقلة بأساليب مبتكرة وموضوعات جديدة تلامس قضايا الجيل.

ظهرت مهرجانات سينمائية محلية ودولية، مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي يُعد من أقدم المهرجانات العربية، ومهرجان الجونة الذي منح دفعة قوية لصناع الأفلام المستقلين وجذب الأنظار إلى تجارب جديدة من مصر والعالم العربي.

السينما المصرية في مواجهة الرقابة والرقمنة

واجهت السينما المصرية دوماً تحديات الرقابة سواء الاجتماعية أو الرسمية، مما فرض قيوداً على تناول بعض الموضوعات الشائكة مثل الدين والجنس والسياسة. مع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة اتجاهاً متزايداً لكسر التابوهات التقليدية، وظهرت أفلام تناقش قضايا الهوية، والتحولات القيمية، والعلاقات المعاصرة بجرأة نسبية مقارنة بفترات سابقة.

في المقابل، فرضت منصات العرض الرقمية مثل نتفليكس وأمازون برايم منافسة جديدة، وأتاحت لصناع الأفلام فرصة تجاوز حدود التوزيع التقليدي. أنتجت بعض المنصات أفلاماً ومسلسلات مصرية حازت انتشاراً واسعاً، وأسهمت في إبقاء السينما المصرية على خريطة الإنتاج العالمي رغم التحديات.

الجدول الزمني لتطور السينما المصرية

رموز خالدة في تاريخ السينما المصرية

يُعد الحديث عن السينما المصرية ناقصاً إن لم يُذكر رموزها الذين شكلوا ذاكرة أجيال. من بين هؤلاء الفنانة فاتن حمامة «سيدة الشاشة العربية» التي تركت بصمة لا تُمحى بأدوارها الراقية وأدائها الفذ. إسماعيل ياسين، صاحب البصمة الفريدة في الكوميديا، الذي قدّم أكثر من 400 عمل. يوسف شاهين، المخرج الذي مزج بين الفن والفكر والسياسة، وأخرج أفلاماً