كيفية الصلاة جالسًا في الإسلام

كيفية الصلاة وأنت جالس: أحكام وأدلة

تُعتبر الصلاة من أهم العبادات في الإسلام، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة. ولكن قد يواجه بعض الأشخاص ظروفًا صحية أو بدنية تمنعهم من أداء الصلاة بطريقة تقليدية، حيث يستدعي الأمر أن يُصلوا وهم جالسون. في هذا المقال، سنتناول كيفية أداء الصلاة وأنت جالس، مع التركيز على الأحكام الشرعية، الأدلة من الكتاب والسنة، وبعض النصائح التي تساهم في فهم هذا الموضوع بشكل أفضل.

1. الصلاة الجالسة في الإسلام: تعريفها وأسبابها

الصلاة الجالسة هي الصلاة التي يؤديها المسلم وهو جالس على الأرض أو على كرسي أو على أي مكان مستقر آخر، وذلك بدلاً من أن يصلي وهو قائم كما هو المعتاد. وتعتبر هذه الطريقة حلاً شرعيًا للأشخاص الذين يعانون من أمراض جسدية، مثل الكسور، أو المشكلات في الركب أو الظهر، أو حتى الأشخاص الذين لا يستطيعون الوقوف لفترات طويلة بسبب التعب أو الضعف.

وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من النصوص التي تبيّن كيفية الصلاة في حالات المرض أو العجز، وذلك تسهيلًا على المسلمين الذين لا يستطيعون أداء الصلاة بالطريقة المعتادة.

2. دليل الصلاة الجالسة في القرآن الكريم والسنة

على الرغم من أن الصلاة الجالسة ليست طريقة عبادة أساسية في الإسلام، إلا أن الشريعة قد رخصت بها في حالات معينة، بناءً على الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية.

أ. في القرآن الكريم

يُشير القرآن الكريم إلى الصلاة في حال العجز الجسدي بشكل عام في قوله تعالى:

• “وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لِكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا” (النساء: 101).

الآية تدل على التخفيفات التي أقرها الإسلام في حالات الضرورة، مثل الصلاة أثناء السفر أو عند الخوف.

ب. في السنة النبوية

جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

• “صَلِّ قَائِمًا، فَإِن لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِن لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنَبٍ” (رواه البخاري).

هذا الحديث يوضح كيفية أداء الصلاة في حالات العجز. ففي حال عدم القدرة على القيام، يجوز أداء الصلاة جالسًا، وإذا لم يستطع الإنسان الجلوس، فإنه يجوز له أن يصلي وهو على جنبه.

3. كيفية أداء الصلاة الجالسة

يمكن للمسلم الذي يعجز عن أداء الصلاة قائماً أن يؤدي الصلاة جالسًا باتباع خطوات معينة تضمن صحة الصلاة، بشرط أن يلتزم بالأحكام والآداب الخاصة بكل وضعية. ونشرح فيما يلي كيفية أداء الصلاة الجالسة:

أ. صلاة الفرض

1. النية: كما في كل صلاة، يجب على المسلم أن يبيت النية في قلبه لأداء الصلاة قبل البدء في الصلاة. والنية لا تحتاج إلى لفظ، بل تكفي أن يقرر المسلم في نفسه أنه سيؤدي الصلاة.

2. التكبير: يبدأ المسلم الصلاة بتكبيرة الإحرام، ويقول “الله أكبر”، ويرفع يديه كما في الصلاة العادية، ويظل جالسًا أثناء هذه الحركة.

3. القراءة: يقوم المسلم بقراءة سورة الفاتحة ثم سورة من القرآن في الركعة الأولى، كما في الصلاة التقليدية. وإذا كان الشخص يعجز عن الحركة أو التوجه، فإنه يمكنه أن يقرأ وهو جالس في مكانه دون مشكلة.

4. الركوع: في حالة الصلاة جالسًا، يُستحب أن يركع الشخص قليلًا، ولكن إذا تعذر عليه الركوع الكامل بسبب المرض أو الإعاقة الجسدية، فإنه يمكنه أن يركع بطريقة تقليلية أي بما يستطيع من حركة. ويجب أن يبقي ظهره مائلًا قليلًا، وفقًا للقدرة البدنية.

5. السجود: في حال الصلاة الجالسة، إذا كان السجود غير ممكن أو صعبًا، يجوز للمصلي أن يسجد على ما يستطيع، سواء كان ذلك بوضع الجبهة على الأرض أو على ما يراه مناسبًا له، مثل أن يضع يديه على فخذيه كطريقة رمزية للسجود. وقد ورد في الحديث النبوي الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

   • “إِذَا سَجَدْتَ فَسَجُودُكَ عَلَى رَكَبَيْكَ وَجَبْهَتِكَ وَأَنْفِكَ” (رواه مسلم).

6. الجلوس بين الركعات: أثناء الصلاة الجالسة، لا يتم التغيير في الجلوس بين الركعات. كما في الصلاة التقليدية، الجلوس في هذه الحالة يُعتبر جزءًا من العبادة.

7. التسليم: في نهاية الصلاة الجالسة، يتم التسليم كما في الصلاة العادية، أي بعد الانتهاء من التشهد، حيث يُسلم المصلي على اليمين ثم على اليسار.

ب. صلاة النفل

فيما يتعلق بصلاة النفل، يجوز للإنسان أن يؤديها جالسًا إذا كان لا يستطيع القيام، سواء كانت صلاة تطوع أو صلاة نافلة. ففي الحديث الشريف، جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلي وهو جالس في بعض الأحيان.

4. حالات خاصة للصلاة جالسة

توجد بعض الحالات الخاصة التي قد يكون فيها الصلاة جالسة ضرورية أو أكثر راحة للمصلين:

أ. الحالات المرضية

أحد أكثر الأسباب التي تجيز الصلاة الجالسة هو وجود مرض أو إصابة تمنع المصلّي من أداء الصلاة بطريقة صحيحة أو بطريقة تحفظ له السلامة الجسدية. مثلًا، إذا كان الشخص يعاني من ألم شديد في الظهر أو المفاصل أو حتى من التعب الشديد بسبب مرض مزمن.

ب. كبار السن

يُسمح للمسنين الذين يعانون من ضعف القدرة البدنية أن يُصلوا وهم جالسون إذا كانوا غير قادرين على الوقوف أو الركوع أو السجود بشكل سليم. وقد أقرّ العلماء في مختلف المذاهب بأن هذا التخفيف هو من رحمة الله تعالى.

ج. حالات العجز المؤقت

يمكن للإنسان أن يؤدي الصلاة جالسًا في حالة وجود عجز مؤقت، مثل جرح أو إصابة في ساقه أو كاحله، مما يمنعه من الوقوف أو الركوع بشكل سليم.

5. أحكام الصلاة الجالسة في المذاهب الفقهية

تتفق المذاهب الفقهية الأربعة (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي) على أن الصلاة جالسة تعتبر جائزة إذا كان المسلم لا يستطيع أداء الصلاة بالطريقة المعتادة بسبب المرض أو العجز. ومع ذلك، تختلف بعض المذاهب في بعض التفاصيل.

• المذهب الحنفي: يرى أن الصلاة الجالسة تكون في الحالات التي يُحسن فيها الإنسان أداء الصلاة إذا صلاها جالسًا. ويركّز هذا المذهب على ضرورة أن يتبع المصلي الإرشادات التي تحدد كيفية الجلوس والسجود.

• المذهب المالكي: يجيز الصلاة الجالسة في حالات العجز عن القيام، ويؤكد على ضرورة أن يقوم المصلي بأداء الصلاة بأفضل طريقة ممكنة وفقًا للقدرة.

• المذهب الشافعي: يوافق الشافعية على جواز الصلاة جالسا في حالات المرض والعجز، كما أنهم يرون أن هذا هو الرأي الأكثر رحمة في الإسلام في مثل هذه الظروف.

• المذهب الحنبلي: يتفق الحنابلة مع المذاهب الأخرى في جواز الصلاة جالسة إذا كان الشخص غير قادر على القيام.

6. التوجيهات والنصائح

• التوازن بين الراحة والصلاة: يجب أن يحرص الشخص الذي يؤدي الصلاة جالسًا على أن يؤدي الصلاة بكل خشوع واهتمام، مع مراعاة التوازن بين الراحة الجسدية والالتزام بالعبادة.

• اختيار المكان المناسب: من المهم أن يختار الشخص مكانًا هادئًا ومناسبًا لأداء الصلاة دون تشويش أو distractions.

• التنويع في نية الصلاة: في حال كانت الصلاة جالسة بسبب العجز، يجب أن يظل الشخص مخلصًا في نيته ويركز في عبادته.

7. الخاتمة

إن الصلاة هي الركن الأساسي في الإسلام، ولا شك أن أداءها بالصورة الصحيحة هو ما يجب على المسلم السعي إليه. ولكن الإسلام رحيم بعباده، وقد منح المسلمين التسهيلات الضرورية في حالات العجز البدني، بما في ذلك أداء الصلاة جالسين. وعليه، من المهم أن يكون المسلم على علم بهذه التسهيلات، وألا يتردد في الاستفادة منها إذا دعت الحاجة، مع الحفاظ على احترامه لطقوس الصلاة وأدائها بما يتناسب مع قدرته الجسدية.