أكبر دولة في أوروبا حسب عدد المسلمين
تُعد أوروبا قارة متنوعة من حيث الديانات والثقافات، ويُشكّل المسلمون فيها جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي والديني، حيث ارتفع عددهم بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة نتيجة للهجرة، واللجوء، والولادات الطبيعية. عند الحديث عن أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد المسلمين، يتصدر هذا التصنيف روسيا الاتحادية التي تمتد أراضيها بين قارتي أوروبا وآسيا، ويُقدر عدد المسلمين فيها بأعداد ضخمة تتجاوز عدد المسلمين في باقي الدول الأوروبية مجتمعة.
روسيا الاتحادية: العملاق الأوروبي-الآسيوي وعدد المسلمين
روسيا هي أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، ويقع جزء كبير من أراضيها في أوروبا الشرقية، ما يجعلها الدولة الأوروبية الأكبر من حيث المساحة، وكذلك من حيث عدد السكان. ويُقدّر عدد سكان روسيا بحوالي 146 مليون نسمة، ويُشكل المسلمون نسبة مهمة في هذه التركيبة السكانية.
تشير التقديرات إلى أن عدد المسلمين في روسيا يتراوح بين 15 إلى 20 مليون مسلم، ما يجعلها الدولة التي تضم أكبر عدد من المسلمين في أوروبا. هذا العدد يشكل حوالي 10-14% من إجمالي السكان، ويتركز المسلمون بشكل رئيسي في مناطق شمال القوقاز، مثل داغستان، الشيشان، وإنغوشيا، إضافة إلى جمهوريات أخرى ذات أغلبية مسلمة مثل تتارستان وباشكورتوستان.
أسباب ارتفاع عدد المسلمين في روسيا
-
التاريخ العريق للإسلام في روسيا
الإسلام دخل إلى مناطق شمال القوقاز وتترستان منذ القرون الوسطى، وازدهرت الحضارات الإسلامية في تلك المناطق، ما جعل وجود المسلمين جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الروسي منذ فترة طويلة. لذلك، ليس عدد المسلمين في روسيا حديث الظهور بل هو متجذر في التاريخ. -
الهجرة واللجوء
في العقود الأخيرة، شهدت روسيا تدفقًا مستمرًا للمهاجرين من دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، وقيرغيزستان، وجنوب القوقاز مثل أذربيجان، وكذلك من دول الشرق الأوسط، الذين جاؤوا للعمل أو طلبًا للحماية من الأزمات السياسية والاقتصادية في بلدانهم. هذا التدفق ساهم في زيادة عدد المسلمين في روسيا. -
المعدل الطبيعي للولادات
في المناطق ذات الأغلبية المسلمة مثل الشيشان وداغستان، تتميز معدلات الولادة بارتفاعها مقارنة بباقي مناطق روسيا، مما يسهم في زيادة عدد السكان المسلمين بشكل مستمر.
التركيبة الديموغرافية والدينية للمسلمين في روسيا
ينقسم المسلمون في روسيا إلى طوائف ومذاهب مختلفة، لكن الغالبية العظمى يتبعون الإسلام السني من المذهب الحنفي، مع وجود أقليات شيعية وبعض الجماعات الصوفية. ينتمي المسلمون في روسيا إلى عدة أعراق منها:
-
التتار، وهم من أكبر المجموعات المسلمة في روسيا ويعيشون في تتارستان والمناطق المجاورة.
-
الشيشان، وهي جمهورية في شمال القوقاز ذات أغلبية مسلمة.
-
داغستان، جمهورية أخرى ذات تنوع عرقي وديني كبير، ويقطنها مسلمون من مذاهب مختلفة.
-
إنغوشيا، جمهوريات شمال القوقاز الأخرى ذات أغلبية مسلمة.
-
المهاجرون من آسيا الوسطى والبلقان.
يحتفظ المسلمون في روسيا بثقافتهم وتقاليدهم، ويؤدون شعائرهم الدينية بحرية نسبية في إطار الدولة، كما توجد العديد من المساجد الكبيرة التي تعد مراكز دينية وثقافية في مدن مثل موسكو، كازان، ومدينة غروزني.
مقارنة بعدد المسلمين في الدول الأوروبية الأخرى
إذا ما قورن عدد المسلمين في روسيا بعددهم في الدول الأوروبية الأخرى، نجد الفارق واضحًا. على سبيل المثال:
| الدولة | عدد المسلمين (تقديري) | نسبة المسلمين من إجمالي السكان |
|---|---|---|
| روسيا | 15-20 مليون | 10-14% |
| ألمانيا | 5-6 مليون | حوالي 7% |
| فرنسا | 5-6 مليون | حوالي 8% |
| المملكة المتحدة | 3-4 مليون | حوالي 6% |
| إيطاليا | 2-3 مليون | حوالي 3-5% |
| هولندا | 1-2 مليون | حوالي 5-7% |
من الواضح أن روسيا تمتلك أكبر عدد من المسلمين في أوروبا بسبب حجمها الكبير، وتاريخها الطويل مع الإسلام، وكذلك بسبب الهجرة والتزايد الطبيعي.
دور المسلمين في المجتمع الروسي
يلعب المسلمون دورًا حيويًا في المجتمع الروسي، خصوصًا في المناطق التي تشكل فيها الأغلبية. فهم يشاركون في مختلف المجالات الاقتصادية، السياسية، والثقافية، مع وجود تمثيل في البرلمانات المحلية والفدرالية. في السنوات الأخيرة، ظهرت مبادرات لتعزيز الحوار بين الأديان وتقوية التعايش السلمي، حيث تسعى السلطات الروسية لتقديم نموذج للتعايش بين الأديان والأعراق المتعددة.
التحديات التي تواجه المسلمين في روسيا
على الرغم من حرية ممارسة الدين إلى حد كبير، يواجه المسلمون في روسيا تحديات متعددة، منها:
-
التوترات السياسية والأمنية في شمال القوقاز: حيث شهدت بعض المناطق اضطرابات ونزاعات مسلحة بين الجماعات المسلحة والسلطات، مما أثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
-
التمييز والوصم الاجتماعي: بعض المسلمين يواجهون تحديات في الاندماج الاجتماعي أو التعامل مع الصور النمطية السلبية.
-
التحديات الاقتصادية: تتركز بعض المجتمعات المسلمة في مناطق ذات معدلات بطالة عالية وقلة فرص العمل، مما يزيد من حدة الفقر.
مستقبل المسلمين في أوروبا مع روسيا كأكبر دولة مسلمة
مع استمرار التغيرات الديموغرافية والهجرات، من المتوقع أن يزداد عدد المسلمين في روسيا وأوروبا عموماً خلال العقود القادمة. وهذا سيكون له أثر واضح على البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية في المنطقة.
تُشير الدراسات إلى أن الشباب المسلم في روسيا يتمتعون بمستوى تعليمي متزايد ويبدأون في المساهمة بشكل أكبر في القطاعات المختلفة، مما يعزز من دورهم في المجتمع. كما تزداد المبادرات الثقافية والدينية التي تهدف إلى تعزيز الهوية الإسلامية والتعايش مع باقي مكونات المجتمع الروسي.
خاتمة
روسيا الاتحادية هي أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد المسلمين، إذ يزيد عددهم عن 15 مليون نسمة، وهذا يعود لتاريخ طويل للإسلام في المنطقة، إضافة إلى الهجرة والتزايد السكاني. تشكل هذه الحقيقة جزءًا هامًا من الواقع الاجتماعي والسياسي في أوروبا، ويبرز دور المسلمين في روسيا كقوة ديموغرافية وثقافية متزايدة الأهمية. مع التحديات التي تواجهها هذه الجماعة، يظل الحوار والتعايش من أهم السبل لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للجميع في هذا البلد المتنوع.
المراجع
-
Pew Research Center, “The Future of the Global Muslim Population,” 2017
-
مركز الأبحاث الروسي للدراسات الدينية والإثنية (Russian Center for Ethnic and Religious Studies), تقارير عام 2022
