متى يبدأ غثيان الحمل: الأسباب، الأعراض، والعلاج

يُعتبر غثيان الحمل أحد أبرز الأعراض الشائعة التي ترافق فترة الحمل، وهو من العلامات المبكرة التي تشير إلى وجود تغيرات هرمونية وفسيولوجية داخل جسم المرأة الحامل. ورغم أن هذا العارض لا يُعد خطيرًا في معظم الحالات، إلا أن تأثيره على الراحة الجسدية والنفسية للحامل يمكن أن يكون كبيرًا، خاصة في حال استمراره أو شدته. وغالبًا ما يُشار إليه بـ”الغثيان الصباحي”، بالرغم من إمكانية حدوثه في أي وقت من اليوم أو حتى طوال اليوم.

متى يبدأ غثيان الحمل؟

يبدأ غثيان الحمل عادةً في وقت مبكر من الحمل، وغالبًا ما يظهر بين الأسبوع الرابع والسادس من الحمل، أي بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من انقطاع الدورة الشهرية. ويُعتبر الغثيان في هذه المرحلة نتيجة مباشرة للزيادة المفاجئة في مستويات هرمونات الحمل، وخاصة هرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية البشرية (hCG). هذا الهرمون يُنتج بكميات كبيرة من قبل المشيمة في بداية الحمل، وتزداد مستوياته بسرعة كبيرة خلال الأسابيع الأولى.

عادةً ما يبلغ الغثيان ذروته في الأسبوع التاسع من الحمل، ثم يبدأ بالانخفاض تدريجيًا بعد الأسبوع الثاني عشر. في معظم الحالات، يختفي الغثيان مع نهاية الثلث الأول من الحمل، أي حوالي الأسبوع 14، لكن في بعض الحالات قد يستمر حتى الأسبوع 20، أو نادرًا حتى نهاية الحمل.

أسباب غثيان الحمل

غثيان الحمل ليس له سبب واحد معروف بشكل نهائي، وإنما يُعتقد أنه نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل البيولوجية والهرمونية والنفسية. ومن أبرز هذه الأسباب:

1. التغيرات الهرمونية

• هرمون hCG (موجهة الغدد التناسلية المشيمائية): يتزامن ظهور الغثيان مع الارتفاع الحاد في مستويات هذا الهرمون. وتُشير الدراسات إلى وجود علاقة طردية بين شدة الغثيان وارتفاع مستوى هذا الهرمون.

• الإستروجين: كذلك ترتفع مستويات الإستروجين بشكل ملحوظ في بداية الحمل، مما قد يساهم في حدوث الغثيان.

• البرولاكتين والبروجستيرون: هرمونات تؤثر على الجهاز الهضمي وتبطئ من حركة الأمعاء، مما يؤدي إلى الشعور بالغثيان والانتفاخ.

2. الحساسية المتزايدة للروائح

يلاحظ العديد من النساء الحوامل زيادة حساسيتهن تجاه الروائح، حتى العادية منها، مثل العطور أو الطعام أو المنظفات. وتُعزى هذه الظاهرة جزئيًا إلى ارتفاع مستويات الإستروجين.

3. بطء حركة الجهاز الهضمي

التغيرات الهرمونية تؤثر على حركة الأمعاء والمعدة، مما يؤدي إلى تباطؤ في عملية الهضم، ويسبب شعورًا بالغثيان، خاصة عند الامتلاء أو بعد تناول الطعام.

4. عوامل نفسية

القلق أو التوتر المرتبطين بالحمل يمكن أن يفاقما من أعراض الغثيان، وخاصة عند النساء اللواتي يعانين من اضطرابات المزاج أو القلق سابقًا.

أعراض غثيان الحمل

غثيان الحمل لا يقتصر فقط على الشعور بالغثيان، بل قد يكون مصحوبًا بعدة أعراض أخرى تؤثر على نوعية الحياة اليومية للمرأة الحامل، مثل:

• الرغبة المتكررة في التقيؤ أو التقيؤ فعليًا

• فقدان الشهية

• تغير في التذوق أو النفور من بعض الأطعمة

• الشعور بالإرهاق والدوار

• صعوبة في التركيز أو أداء الأنشطة اليومية

وتُصنّف شدة غثيان الحمل إلى ثلاث درجات:

فرط القيء الحملي Hyperemesis Gravidarum

في حالات نادرة، قد يتحول الغثيان إلى حالة مرضية أكثر حدة تُعرف بـ “فرط القيء الحملي”، وتُصيب هذه الحالة ما بين 0.5% إلى 2% من النساء الحوامل. وتتميز هذه الحالة بما يلي:

• فقدان الوزن بنسبة تزيد عن 5% من وزن الجسم

• جفاف شديد

• اضطراب في التوازن الكهروكيميائي للجسم (مثل انخفاض مستويات البوتاسيوم والصوديوم)

• الحاجة إلى العلاج الوريدي للسوائل والأدوية

وقد تستدعي هذه الحالة الدخول إلى المستشفى للعلاج ومراقبة الحالة الصحية للأم والجنين.

العوامل التي تزيد من احتمالية الغثيان

بعض العوامل قد ترفع من فرص الإصابة بغثيان الحمل أو تزيد من شدته، مثل:

• الحمل بتوأم أو أكثر

• وجود تاريخ عائلي أو شخصي سابق لغثيان الحمل

• الحمل الأول

• وجود اضطرابات هضمية أو مشاكل في المعدة

• السمنة

• القلق أو الاكتئاب

طرق التعامل مع غثيان الحمل

1. التغذية السليمة

• تناول وجبات صغيرة ومتكررة على مدار اليوم بدلاً من ثلاث وجبات كبيرة

• تجنب الأطعمة الدهنية والمقلية والحارة

• الحفاظ على تناول وجبة خفيفة غنية بالكربوهيدرات عند الاستيقاظ مثل البسكويت الجاف أو الخبز المحمص

• الابتعاد عن الأطعمة ذات الروائح القوية

2. العناية بالسوائل

• شرب كميات كافية من الماء طوال اليوم

• تناول السوائل الباردة ببطء

• تناول مشروبات طبيعية مثل الزنجبيل أو الليمون يمكن أن يساعد في تهدئة المعدة

3. الراحة وتجنب التوتر

• النوم الكافي والراحة خلال اليوم

• تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو اليوغا

4. العلاج بالأدوية

إذا لم تنجح الطرق الطبيعية، فقد يصف الطبيب بعض الأدوية الآمنة مثل:

• دوكسيلامين مع فيتامين B6: أحد أشهر العلاجات المصرح بها لعلاج الغثيان خلال الحمل

• ميتوكلوبراميد أو أوندانسيترون: تُستخدم في الحالات الشديدة وتحت إشراف طبي

5. العلاج بالزنجبيل

تشير دراسات عديدة إلى فعالية الزنجبيل في تخفيف غثيان الحمل، ويمكن تناوله على شكل شاي أو كبسولات أو حتى قطع طازجة.

تأثير غثيان الحمل على صحة الأم والجنين

غالبًا لا يؤثر غثيان الحمل المعتدل على صحة الجنين، بل يُعتقد أنه علامة إيجابية تشير إلى أن الحمل يسير بشكل طبيعي. ولكن في الحالات الشديدة التي تشمل فقدان الوزن والجفاف، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مخاطر على صحة الأم مثل:

• نقص في الفيتامينات والمعادن الضرورية

• ضعف عام ونقص في الطاقة

• زيادة خطر الولادة المبكرة في بعض الحالات

لذلك من المهم مراقبة الحالة الصحية عن كثب واللجوء إلى الدعم الطبي عند الحاجة.

متى يجب زيارة الطبيب؟

في حال استمرار الغثيان لأكثر من الأسبوع الثاني عشر بشكل حاد، أو في حال:

• عدم القدرة على الاحتفاظ بأي طعام أو شراب

• فقدان الوزن

• أعراض الجفاف مثل قلة التبول أو جفاف الفم

• دوخة شديدة أو إغماء

ينبغي التوجه للطبيب فورًا، حيث قد تكون هناك حاجة للعلاج الوريدي أو الرعاية المستمرة.

خلاصة

غثيان الحمل هو أحد الأعراض الطبيعية والشائعة التي ترافق الثلث الأول من الحمل، ويبدأ عادة في الأسبوع الرابع ويصل ذروته في الأسبوع التاسع. تتعدد أسبابه بين التغيرات الهرمونية، وزيادة الحساسية للروائح، وتأثير الحالة النفسية على الجسم. ورغم أنه عرض مزعج، إلا أنه غالبًا ما يكون غير ضار ويزول تلقائيًا خلال الأسابيع التالية. إلا أن الرعاية الجيدة والاهتمام بالتغذية والنوم والتواصل مع الطبيب في الحالات الشديدة يساهم في تقليل تأثيره السلبي على جودة حياة الحامل.

المراجع

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG) – Morning Sickness Facts

2. National Health Service (NHS) UK – Nausea and Vomiting in Pregnancy (NVP)