أقوال وحكم عن طلب العلم

عنوان المقال: كنوز العلم في أقوال الحكماء

المقدمة

طلب العلم ليس مجرد واجب ديني أو حاجة مهنية فحسب، بل هو مسار وجودي تتشكل به هوية الفرد وتتأسس من خلاله حضارات الأمم. إن الحديث عن العلم لا ينفصل عن الحديث عن الإنسان ذاته، فهو الركن الأصيل الذي تفرعت منه كل المعارف والتطورات في تاريخ البشرية. ولطالما أولى الحكماء، والفلاسفة، والعلماء، والأدباء اهتماماً بالغاً بطلب العلم، وأثنوا على قدره في أقوالهم وكتاباتهم، لما للعلم من أثر عظيم في ترقية العقل، وتهذيب النفس، وإقامة العدل، وصون الكرامة.

مكانة طلب العلم في التراث الإنساني

لطالما اعتُبر العلم في كل الثقافات مظهراً من مظاهر النور، ومفتاحاً من مفاتيح الخلاص من الجهل والفقر والعبودية. وقد كان للعلم منزلة سامية في الحضارات القديمة مثل اليونانية، والصينية، والهندية، والإسلامية. وقد عبّر المفكرون في جميع العصور عن هذه المكانة بعبارات خالدة أصبحت تراثاً ثقافياً مشتركاً بين الشعوب.

وقد تميز التراث الإسلامي، على وجه الخصوص، بتقدير بالغ للعلم وطلبه، واعتبر العلماء ورثة الأنبياء، كما جاء في الحديث الشريف: “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة”.

أقوال مأثورة عن طلب العلم

أقوال دينية إسلامية

• الرسول محمد ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”.

• علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال”.

• الحسن البصري: “الناس موتى وأهل العلم أحياء”.

• الإمام الشافعي: “كلما أدّبت ولدي ازددت به علماً”.

إن هذه الأقوال تختزل التصور الإسلامي النبيل للعلم؛ فالعلم ليس رفاهية، بل هو واجب، ووسيلة من وسائل النجاة، وأداة لحفظ النفس والمجتمع.

أقوال فلاسفة الغرب عن العلم

• أفلاطون: “الجهل هو أصل كل شر”.

• سقراط: “أنا لا أعلم شيئاً، ولكني أعلم أنني لا أعلم”.

• أرسطو: “جذور التعليم مرة، ولكن ثماره حلوة”.

• فرنسيس بيكون: “المعرفة قوة”.

• رينيه ديكارت: “العقل أعدل الأشياء قسمةً بين الناس، ولكن قلة من يحسن استخدامه”.

إن هذا الاهتمام الفلسفي بطلب العلم يعكس رؤية هؤلاء الفلاسفة بأن العلم هو أساس التنظيم الاجتماعي، وتحقيق العدالة، وتكوين الوعي النقدي.

طلب العلم في الثقافة العربية القديمة

برز العرب قبل الإسلام في الحفظ والفصاحة، غير أن نزول الوحي بلّور عندهم مفهوماً جديداً للعلم قائم على القراءة، كما ورد في أول آية نزلت: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ”. وقد كان لهذا التوجيه أثر في بناء حضارة معرفية رائدة في العصور اللاحقة، ازدهرت فيها الترجمة، والعلوم، والبحث.

من أقوال العرب:

• الزهري: “ما عبد الله بشيء أفضل من العلم”.

• ابن عباس: “العلم حياة القلوب”.

• المأمون العباسي: “لو لم يُشغلني أمر الخلافة، لجعلت همّي كله في جمع الكتب وطلب العلم”.

أهمية العلم في بناء الحضارات

العلوم ليست أدوات تقنية فحسب، بل هي نظم فكرية تُعيد تشكيل المجتمع. وقد شهد التاريخ الإسلامي نهضة علمية امتدت من بيت الحكمة في بغداد إلى قرطبة في الأندلس، فشهدت الطب، والفلك، والرياضيات، والفلسفة ازدهاراً لا مثيل له. وتُرجمت مؤلفات اليونان، وطُوّرت، حتى أضاءت طريق أوروبا في عصور النهضة.

كما أن الحضارات الغربية الحديثة ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه من تقدم اقتصادي وتقني لولا الاستثمار في مؤسسات التعليم والبحث العلمي.

الجدول: مقارنة بين أقوال العلماء والفلاسفة عن العلم

تأثير العلم على الفرد والمجتمع

على مستوى الفرد:

1. بناء شخصية مستقلة: يُمكّن العلم الإنسان من فهم نفسه ومحيطه، ويساعده على اتخاذ قرارات صائبة.

2. تحقيق الاكتفاء الذاتي: من خلال المهارات والمعرفة، يصبح الفرد قادراً على تأمين احتياجاته.

3. تحقيق الذات: العلم يفتح آفاق التخصص، والابتكار، والإبداع.

4. التحرر من الخرافة: بالعلم تنهار أسس الجهل والأساطير المدمرة للعقل.

على مستوى المجتمع:

1. العدالة الاجتماعية: المجتمعات المتعلمة أكثر ميلاً إلى سنّ قوانين عادلة.

2. التنمية الاقتصادية: الإنتاجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمستوى التعليم.

3. التماسك الاجتماعي: الوعي العام يقلل من التعصب ويعزز التسامح.

4. الاستقرار السياسي: المواطن المتعلم يشارك في العملية الديمقراطية بفعالية.

عوائق في طريق العلم

رغم كل ما ذُكر، لا يزال طلب العلم محفوفاً بالصعوبات. من أبرز العوائق:

• الفقر والبطالة: تؤدي إلى ترك مقاعد الدراسة بحثاً عن لقمة العيش.

• ضعف أنظمة التعليم: المناهج التقليدية لا تشجع على التفكير النقدي.

• غياب المكتبات ومصادر المعرفة في بعض المناطق.

• التمييز الاجتماعي أو الجندري الذي يحرم فئات معينة من فرص التعليم.

نصائح الحكماء في طلب العلم

لقد خلّف لنا العلماء عبر العصور نصائح ثمينة تحفز على التعلم وتوضح طرائقه:

• قال ابن الجوزي: “ينبغي للعاقل أن ينتهز فراغه في أربع: طاعة، أو دراسة، أو كسب، أو معاشرة أهل علم”.

• قال الخليل بن أحمد: “الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فاتبعوه. ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذاك جاهل فعلموه. ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذاك أحمق فاجتنبوه”.

• قال النووي: “الاشتغال بالعلم من أفضل القربات، وأعلى الطاعات”.

العلم في العصر الحديث

تضاعف حجم المعرفة الإنسانية في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين بصورة غير مسبوقة. أصبحت التكنولوجيا أداة تعليمية، وتنوعت مصادر العلم من الكتب إلى الإنترنت، ومن الفصول الدراسية إلى التعليم عن بُعد.

ومع ذلك، فإن هذه الوفرة تستلزم وعياً نقدياً، لأن وفرة المعلومات لا تعني بالضرورة جودة الفهم. فكما قال ألبرت آينشتاين: “العلم دون ضمير دمار للروح”.

خاتمة

يبقى طلب العلم شرفاً لا يُدانيه شرف، وسبيلاً إلى الرقي في الدنيا والآخرة، وسلاحاً لمواجهة التحديات، ووسيلة لتغيير الذات والمجتمع نحو الأفضل. وقد صدق من قال: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، فالعلم لا يعترف بسنّ أو مرحلة، بل هو رفيق طريق لا يفارق أصحابه ما داموا مخلصين في طلبه.

المراجع:

1. الزركلي، خير الدين. الأعلام. دار العلم للملايين.

2. ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله. دار ابن الجوزي.