أقوال مؤثرة عن اليتيم

أقوال عن اليتيم: مكانته في المجتمع ووصايا الحكماء والأنبياء

اليتيم هو الطفل الذي فقد أحد والديه أو كليهما، وغالبًا ما يرتبط مصطلح “اليتيم” بغياب الأب تحديدًا، لما له من دور مركزي في الحماية والرعاية وتوفير الحاجات الأساسية للأسرة. يُعدّ اليُتم من الابتلاءات التي قد تُواجه الإنسان في سنّ مبكرة، وهو ابتلاء عظيم له آثار نفسية واجتماعية وإنسانية عميقة. ولأهمية هذه القضية، أولتها الشرائع السماوية عناية كبيرة، كما تحدث عنها الحكماء والأدباء والمصلحون على مر العصور، ودوّنوا في شأنها أقوالًا خالدة أصبحت تراثًا أخلاقيًا وإنسانيًا.

في هذا المقال المطول، سنتناول مفهوم اليُتم من زواياه المتعددة، وسنغوص في أقوال الأئمة والعلماء والحكماء والأنبياء حول اليتيم، مع توثيق المواقف الإنسانية والتعاليم الدينية التي تكرّم اليتيم وترفع منزلته، إلى جانب تأثير ذلك على المجتمع والوجدان الجمعي للبشر.

أولاً: مفهوم اليُتم في اللغة والمعنى الشرعي

كلمة “يتيم” في اللغة العربية مأخوذة من “اليُتم”، وتعني الانفراد، وقيل: “اليُتم في الإنسان فقد الأب، وفي البهائم فقد الأم”. وعندما يُقال عن الطفل إنه “يتيم”، فذلك يعني أنه فقد معيله الأساسي، وغالبًا يكون الأب. أما شرعًا، فاليُتم هو فقد الأب قبل البلوغ، ويُرفع عنه وصف اليتيم بمجرد أن يبلغ.

وقد اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بشأن اليتيم، وجعل رعاية اليتيم وكفالته من أعظم أبواب الخير، ورتب على ذلك الأجر العظيم، كما حرّم أكل أموالهم بالباطل، وأوصى بالإحسان إليهم، وهذا ما يتجلى في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

ثانيًا: مكانة اليتيم في الإسلام

إن الحديث عن اليتيم في الإسلام هو حديث عن الرحمة، والرعاية، والعدالة الاجتماعية. فقد ورد ذكر اليتيم في أكثر من 20 موضعًا في القرآن الكريم، كلها تنضح بعناية إلهية بالغة، نذكر منها:

• قال تعالى:

  “فأما اليتيم فلا تقهر” (الضحى: 9)
  
  هذه الآية تقرر قاعدة سلوكية رفيعة: لا يجوز قهر اليتيم أو إذلاله، لأن نفسه هشة، وواقعه صعب.

• وقال تعالى:

  “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا” (النساء: 10)
  
  تحذير بالغ من التعدي على حقوق اليتامى المالية، لما في ذلك من ظلم صريح وجريمة أخلاقية ودينية.

• وقال النبي محمد ﷺ:

  “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين”، وأشار بالسبابة والوسطى.
  
  الحديث يدل على أن كافل اليتيم يكون في منزلة عظيمة في الجنة، قريبة من مقام النبي نفسه.

ثالثًا: أقوال مأثورة عن اليتيم

كثيرة هي الأقوال الخالدة التي أطلقها الحكماء والفلاسفة والمصلحون عن اليتيم، لما لهذه القضية من حضور دائم في ضمير الإنسانية، ومنها:

• علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

  “ما جفّت دموع اليتامى إلا بقلب عرف الرحمة، وما سُدّ جوعهم إلا بكفٍ عرفت العطاء.”

• عبد الله بن المبارك:

  “كن لليتيم كالأب الرحيم، فإنك لا تدري لعل في دعائه نجاة لك من مصائب لا تَعرفها.”

• جبران خليل جبران:

  “اليتيم ليس من مات والداه، بل من عاش في بيتٍ لا حبّ فيه، ولا حنان.”

• الرافعي:

  “أعظم البرّ أن تمسح رأس يتيم وتدخل على قلبه سرورًا، فكم من دعوةٍ حائرة ترقّت بسبب دمعته التي جففتها.”

• أحمد شوقي:

  “ارحم اليتيم ولو لم يكن من أهل دينك، فالرحمة لا مذهب لها ولا قومية.”

رابعًا: أهمية كفالة اليتيم في المجتمع

كفالة اليتيم ليست فقط عبادة ووسيلة لنيل الأجر والثواب، بل أيضًا نظام اجتماعي متكامل يحقق التوازن والاستقرار في المجتمع. من خلال رعاية الأيتام:

• يتم تعويضهم عن فقدان الحنان الأبوي.

• يتم توفير فرص التعليم والحماية الصحية لهم.

• تُغرس فيهم القيم والأخلاق النبيلة.

• يُحصن المجتمع من تفشي الجريمة والتشرد.

إن كفالة اليتيم تشبه بناء سد منيع في وجه الانهيارات الأخلاقية والاجتماعية، وتعتبر من أعظم صور التكاتف الإنساني.

خامسًا: صور مشرقة من التاريخ الإسلامي في رعاية الأيتام

الرسول محمد ﷺ كان يتيم الأب، ثم توفيت أمه وهو في السادسة من عمره. ورغم هذا، نشأ يتيمًا وخرج للناس أعظم قائد، وأرحم قلب. وقد كان رفيقًا بالأيتام في حياته كلها، ومن أقواله العظيمة:

“أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتُدرِك حاجتك.”

كما نجد في سيرة الخلفاء الراشدين، لا سيما عمر بن الخطاب، صورًا رائعة في رعاية الأيتام، إذ كان يسير ليلًا ويتفقد البيوت، فإذا سمع بكاء صبيّ أو رأى حالًا يثير الشفقة، تدخل بنفسه ليطمئن على حالهم ويوفر لهم المأوى والطعام.

سادسًا: أقوال شعرية عن اليتيم

الشعراء العرب لم يغفلوا الحديث عن اليتيم، بل كتبوا أبياتًا مؤثرة تُجسد ألم اليُتم وتحث على رعاية اليتيم. نذكر من ذلك:

قال المتنبي:

لا يخلو الزمان من يتيمٍ

يبكي الجراحَ بلا أنينِ

فكن له وطنًا كريمًا

وازرع بعطفك في الجبينِ

وقال أحمد شوقي:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من همّ الحياة

وخلفاه ذليلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له

أمًّا تخلت أو أبًا مشغولًا

سابعًا: الجدول التالي يوضح مقارنة بين حال اليتيم في المجتمعات المهتمة وغير المهتمة به:

ثامنًا: اليُتم في الثقافات المختلفة

في الثقافات الإنسانية كافة، يظهر الاهتمام باليتيم كقيمة أخلاقية. ففي التقاليد المسيحية، هناك وصايا عديدة بالعناية باليتيم، كما أن الكنائس في أوروبا الوسطى كانت تؤسس دورًا للأيتام. وفي الثقافة الهندية، يرتبط الاهتمام باليتيم بالكارما والمساعدة في الترقّي الروحي. أما في الصين القديمة، فقد خصص الحكماء قوانين لحماية الأيتام من الفقر والضياع.

تاسعًا: الجمعيات والمؤسسات التي ترعى الأيتام

لقد تأسست حول العالم آلاف المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تهدف إلى دعم اليتيم ماديًا وتعليميًا ونفسيًا، من بينها:

• مؤسسة SOS لرعاية الأطفال.

• جمعية كفالة اليتيم الإسلامية.

• منظمة اليونيسف التي تضع ضمن أولوياتها حماية الأطفال الأيتام في مناطق النزاعات.

• مؤسسة اليتيم العالمية “Orphans International” التي توفر تعليمًا نوعيًا.

إن هذه الجهود تشكّل سدًا أخلاقيًا واقتصاديًا في وجه الفقر والتشرد الذي قد يتعرض له الأيتام.

عاشرًا: أثر الأقوال والمواقف الإنسانية في تغيير واقع الأيتام

الكلمة الطيبة، والموقف الإنساني، والرعاية الحانية… كلها أدوات غير مادية تُحدث تغيرًا جوهريًا في نفس اليتيم. إن قولًا جميلًا يُقال ليتيم، كفيل بأن يزرع في نفسه شعورًا بالدفء والانتماء. وهنا تأتي أهمية الأقوال المأثورة، فهي ليست مجرد حكم تُردّد، بل أدوات بناء نفسي.

وقد أدرك المربّون والأطباء النفسيون أهمية هذا البعد، فأثبتت الدراسات أن الأيتام الذين ينشأون في بيئة تحتضنهم نفسيًا ومعنويًا، ينمون بشكل صحي ومستقر، بل ويحققون إنجازات كبيرة، كما رأينا في سير كثير من العلماء والقادة ممن نشأوا أيتامًا.

المراجع:

1. ابن منظور، لسان العرب، مادة “يتم”.

2. رياض الصالحين، الإمام النووي، باب كفالة اليتيم.