أقوال عن قلة الوفاء

قلة الوفاء: كلمات تشهد على خيبة الإنسان

قلة الوفاء واحدة من الصفات التي تُعدّ من أبرز مظاهر الانحدار الأخلاقي في المجتمعات. فالوفاء قيمة سامية تُقاس بها جودة العلاقات الإنسانية، وسقوطها يعني خيانة للروابط التي تُبنى على الصدق والإخلاص والثقة. قلة الوفاء لا تمثل فقط انحدارًا في السلوك، بل تعكس خللًا في الضمير وتراجعًا في الالتزام بالقيم التي تحفظ للإنسان إنسانيته.

يتناول هذا المقال الموسع بالتحليل والنقل أبرز ما قيل عن قلة الوفاء من أقوال مأثورة، وشهادات أدبية، وتأملات فلسفية، لنكشف كيف عالجت الثقافات والمفكرون هذه الظاهرة الموجعة التي ترافقها الخيانة والتجاهل والنكران.

مفهوم الوفاء ونقيضه

الوفاء يعني التمسك بالعهود، وحفظ الجميل، ورد المعروف، والثبات على المبدأ والعاطفة. وهو من القيم التي تجعل الإنسان جديرًا بالاحترام والثقة. أما قلة الوفاء، فهي الخروج على هذا العُرف القيمي، وهي وجه من وجوه الجحود الذي يطعن في القلب، ويمزق العلاقة التي كانت يومًا ما محط أمل وثقة.

وقد ورد في لسان العرب أن الوفاء هو: “ملازمة الطريق على طولها”، أي التمسك بعهد لا يُنقض، وبصلة لا تُقطع. ونقيضه الجفاء والغدر والنكران، وهي صفات لا يجتمع معها شرف النفس ولا طهارة النية.

أقوال الفلاسفة والحكماء عن قلة الوفاء

على مر العصور، نظر الفلاسفة والمفكرون إلى قلة الوفاء كخيانة للمعنى الأصيل للإنسان. فكانت كلماتهم تشع مرارة، وتنطق بحزن ممزوج بالحكمة:

• أرسطو: “لا يُعاب الإنسان إذا أخطأ في حكمه، ولكن يُعاب إذا خان العهد وخذل من وثق به”.

• شكسبير: “ما أقسى أن تخونك يدٌ كنت تمسكها بثقة وأمان”.

• أبو الطيب المتنبي: “إذا أنت أكرمت الكريم ملكته … وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا”.

• جبران خليل جبران: “الأنذال لا يعرفون الوفاء، لأن قلوبهم أُغلقت بإحكام أمام النور”.

• ابن المقفع: “من قلّ وفاؤه، قلّ حياؤه، وسقط في عين ربه وعباده”.

• مصطفى صادق الرافعي: “أشد أنواع الفقد هو فقد الوفاء في من كنت تراه وطنًا”.

قلة الوفاء في الأدب العربي

قلما نجد شاعراً أو أديباً عربياً لم يطرق باب الوفاء، أو لم يشكُ قلة وفاء من أحب أو صادق أو صاحب. فالشكوى من خيانة الرفاق أو الأحبة كانت مادة خصبة للإبداع الأدبي:

• يقول عنترة بن شداد:

  ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ
  
  مني وبيض الهند تقطر من دمي
  
  فوددت تقبيل السيوف لأنها
  
  لمعت كبارق ثغرك المتبسم

  هنا يظهر الوفاء متجليًا، في ذروة الموت والقتال، بينما يقابله عند البعض نكران لا يُحتمل.

• ويقول المتنبي متألمًا:

  إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
  
  وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
  
  ووضع الندى في موضع السيف بالعُلى
  
  مضرٌّ كوضع السيف في موضع الندى

  فقلة الوفاء لا تأتي فقط من اللئيم، بل من خلطٍ خاطئ في اختيار من يُعطى الوفاء.

• أما نزار قباني، فقد عبّر بأسلوبه العاطفي العذب:

  علمني حبكِ أن أحزن … وأنا محتاج منذ عصور
  
  لامرأة تجعلني أحزن
  
  علمني حبكِ كيف أكون … في كل الأشياء وفيا
  
  وأنتِ نسيتِ كيف تكونينَ لي

قلّة الوفاء في الحكم والمأثور الشعبي

التراث الشعبي العربي غني بالحكم التي تؤكد أهمية الوفاء، وتحذر من الجاحدين. بعض هذه الحكم صيغ بلغة مباشرة، وبعضها في قالب شعري أو مثل شعبي:

• “لا تأمن للذي خان غيرك، أن لا يخونك”.

• “من لا يعرف للجميل قدره، فليس له في القلب موضع”.

• “الوفي لا يخذل، وإن خذله الزمن”.

• “من جحد المعروف، فلا تنتظر منه إلا الطعن”.

• “أقسى القلوب، قلبٌ لا يذكر من أحسن إليه”.

• “إذا طعنك من أحسنت إليه، فلا تستغرب، فالوفي عملة نادرة”.

قلة الوفاء من منظور ديني وأخلاقي

الديانات السماوية جميعها وضعت الوفاء ضمن القيم العظمى. ففي الإسلام، يعتبر الوفاء من شيم الصالحين، ونقيضه من سمات المنافقين.

قال تعالى:

“وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً” (الإسراء: 34).

وقال النبي ﷺ:

“آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”.

فالمسلم مأمور بحفظ الأمانات والعهود والروابط. وخيانة العهد أو نكران الجميل هي معصية تُفسد علاقة الفرد بالله وبالناس.

أما في المسيحية، فقد جاء في إنجيل متى:

“فليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير”، دلالة على ضرورة الصدق والثبات في الوعد.

الآثار النفسية والاجتماعية لقلة الوفاء

قلة الوفاء لا تمرّ بسلام. فالأثر النفسي على من تعرّض لها يكون عميقًا، وقد يخلّف ندوبًا يصعب شفاؤها:

• انعدام الثقة: من تعرض للخذلان قد يُصاب بعدم القدرة على الوثوق بالآخرين.

• الإحباط المزمن: خيانة الصديق أو الجار أو الحبيب تقتل الإحساس بالأمان وتزيد من الشعور باللا جدوى.

• العدمية الاجتماعية: قد تؤدي إلى انسحاب الفرد من محيطه ورفضه للعلاقات الجديدة.

• الانتقام أو السلوك السلبي: في بعض الحالات، يتحول المجروح إلى جَارِح، وينقل الألم لغيره.

أمثلة من التاريخ على خيانة الوفاء

التاريخ لا ينسى، وهو شاهد على كثير من القصص التي سجّلت خيانة الوفاء، ومن أشهرها:

قلة الوفاء في العصر الحديث

في زمن السرعة والمصالح، أصبح الوفاء فضيلة نادرة، وأصبح الناس يُقيّمون العلاقات بناءً على المنفعة أكثر من القيم. العلاقات الشخصية، والروابط الأسرية، بل وحتى العقود في بيئة العمل، أصبحت أضعف من أن تتحمل ضغط المصالح.

تظهر قلة الوفاء اليوم في:

• نكران الجميل من الأبناء تجاه آبائهم.

• خيانة الأصدقاء لبعضهم في سبيل منفعة زائلة.

• تخلي الشركات عن موظفيها رغم ولائهم الطويل.

• تحوّل العلاقات العاطفية إلى محطات عبور مؤقتة.

كل ذلك يدل على أن قلة الوفاء لم تعد مجرد حالات فردية، بل أصبحت نمطًا اجتماعيًا يستحق المعالجة والتأمل.

خاتمة تحليلية: لماذا يندر الوفاء اليوم؟

قلة الوفاء اليوم تعود لعدة أسباب:

• ضعف الوازع الديني والأخلاقي.

• غياب التربية العاطفية على القيم النبيلة.

• سيطرة ثقافة المصلحة والربح السريع.

• التواصل السطحي عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي أضعف معنى الالتزام.

المجتمعات التي تفقد الوفاء تفقد معها الكثير من إنسانيتها، ولا تبنى حضارة على جيل لا يعرف معنى أن يكون مخلصًا لوعده، وفياً لجميله، وصادقًا في محبته.

المراجع:

1. ابن منظور، لسان العرب، مادة “وفى”.

2. أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة.