أسباب بحة الصوت عند الأطفال

بحة الصوت عند الأطفال هي حالة شائعة يمر بها العديد من الصغار خلال مراحل مختلفة من نموهم. رغم كونها غالبًا حالة مؤقتة، إلا أن بحة الصوت قد تكون مؤشرًا على مشاكل صحية تحتاج إلى اهتمام وفحص دقيق، خصوصًا إذا استمرت لفترة طويلة أو تكررت بشكل مستمر. يتطلب فهم أسباب بحة الصوت عند الأطفال فحصًا متعمقًا للعديد من العوامل التي تؤثر على الحبال الصوتية وأعضاء النطق، بدءًا من العوامل البيئية، مرورًا بالأمراض المعدية، وانتهاءً بالمشكلات التشريحية أو النفسية. هذا المقال يتناول شرحًا مفصلًا لأسباب بحة الصوت عند الأطفال، مع التركيز على الأسباب الطبية، التشخيص، وطرق الوقاية.

تعريف بحة الصوت

بحة الصوت تعني تغيراً غير طبيعي في جودة الصوت، وغالبًا ما يظهر الصوت خشناً، مبحوحًا، أو منخفضًا، وفي بعض الحالات يصبح الصوت متقطعًا أو ضعيفًا جدًا. تحدث هذه الحالة نتيجة اضطراب في اهتزاز الحبال الصوتية التي تقع في الحنجرة، والتي تتحكم في إنتاج الصوت. في الأطفال، يكون الجهاز التنفسي والصوتي أكثر حساسية بسبب ضعف المناعة وعدم اكتمال النمو، مما يجعلهم عرضة أكثر لمشاكل الصوت.

التشريح الوظيفي للصوت عند الأطفال

يبدأ إنتاج الصوت عندما يمر الهواء من الرئتين عبر الحبال الصوتية الموجودة في الحنجرة، فيحدث اهتزاز لهذه الحبال يصدر الصوت. تتحكم العضلات المحيطة بالحبال الصوتية في شدتها ومرونتها، ما يسمح بتشكيل الأصوات المختلفة. عند حدوث أي تلف، التهاب، أو اضطراب في هذه الحبال أو في الأعضاء المحيطة بها، تظهر بحة في الصوت.

في الأطفال، تختلف حساسية الحبال الصوتية عن الكبار؛ فالحبال الصوتية أصغر وأكثر رقة، مما يجعلها أكثر عرضة للالتهابات والتهيجات.

أسباب بحة الصوت عند الأطفال

1. الالتهابات الفيروسية والبكتيرية

تُعتبر العدوى الفيروسية أكثر الأسباب شيوعًا لبحة الصوت عند الأطفال، حيث تسبب التهابات في الحنجرة (التهاب الحنجرة) تؤدي إلى تورم واحتقان الحبال الصوتية. من أشهر هذه الالتهابات:

• نزلات البرد والإنفلونزا: تسبب التهابات الجهاز التنفسي العلوي التي تؤدي إلى تورم الحبال الصوتية.

• التهاب الحنجرة الفيروسي: يؤدي إلى التهاب الحبال الصوتية وانتفاخها مما يسبب بحة واضحة.

• التهابات بكتيرية: مثل التهاب الحنجرة البكتيري أو التهاب اللوزتين، يمكن أن يسبب تضخمًا أو تقرحات في الحبال الصوتية.

2. الاستخدام المفرط أو الخطأ للصوت

الأطفال الذين يستخدمون صوتهم بشكل مفرط أو بطريقة خاطئة معرضون لبحة الصوت. وتشمل الأسباب:

• الصراخ لفترات طويلة.

• الغناء بصوت عالٍ أو بأسلوب غير سليم.

• التحدث بصوت مرتفع لفترات طويلة دون استراحة.

• تقليد الأصوات أو اللعب بالألعاب التي تتطلب التحدث أو الصراخ المستمر.

هذه العوامل تؤدي إلى إجهاد الحبال الصوتية والتهابها، مما يسبب بحة مؤقتة.

3. الحساسية والالتهابات المزمنة

الأطفال الذين يعانون من الحساسية المزمنة تجاه الغبار، عث المنزل، أو حبوب اللقاح قد يعانون من التهاب متكرر في الحنجرة، ما يؤدي إلى بحة صوت متكررة أو مستمرة. الحساسية تسبب تهيجًا مستمرًا في الأغشية المخاطية للحنجرة، مما يجعل الحبال الصوتية عرضة للتلف.

4. الارتجاع المعدي المريئي (GERD)

ارتجاع حمض المعدة إلى المريء والحنجرة يسبب تهيجًا شديدًا في الحبال الصوتية. هذا الارتجاع شائع بين الأطفال وقد يؤدي إلى بحة صوت مستمرة، خاصةً عند الاستيقاظ أو بعد تناول الطعام.

5. الجفاف وقلة الترطيب

الجفاف يجعل الأغشية المخاطية في الحنجرة جافة وضعيفة، مما يزيد من الاحتكاك بين الحبال الصوتية ويؤدي إلى بحة الصوت. قد يحدث هذا بسبب قلة شرب الماء، التعرض للهواء الجاف، أو أمراض تسبب فقدان السوائل مثل الإسهال أو الحمى.

6. التشوهات الخلقية والعضوية

توجد بعض الحالات التي يولد فيها الطفل مع تشوهات في الحبال الصوتية أو الحنجرة، مثل:

• الورم الحنكي (laryngeal cysts or nodules): وهي كتل صغيرة تؤثر على اهتزاز الحبال الصوتية.

• الرتوج أو الحُليمة الصوتية (vocal nodules or polyps): تنمو بسبب الإجهاد الصوتي وتؤدي إلى بحة مستمرة.

• التشوهات الخلقية في الحنجرة: كالتشوهات التي تؤثر على حركة الحبال الصوتية أو شكلها، مما يؤثر على جودة الصوت.

7. الإصابات أو الحوادث

التعرض لإصابة في منطقة الرقبة أو الحنجرة يمكن أن يؤدي إلى تلف الحبال الصوتية. كما أن بعض الإجراءات الطبية مثل التنبيب لفترات طويلة أثناء العمليات الجراحية قد تسبب تهيجًا أو إصابة للحبال الصوتية.

8. الأسباب النفسية والعصبية

في بعض الحالات، يكون السبب نفسيًا مثل التوتر أو القلق الذي يؤدي إلى تغيرات في طريقة النطق وصوت الطفل. كما أن بعض الأمراض العصبية التي تؤثر على حركة عضلات الحنجرة قد تسبب بحة صوت.

9. التهابات الفطريات أو الأمراض النادرة

قد تصاب الحنجرة بالفطريات، خاصة عند الأطفال الذين يتلقون علاجًا طويل الأمد بالمضادات الحيوية أو الكورتيكوستيرويدات، ما يؤدي إلى بحة صوتية مزمنة.

الأعراض المصاحبة لبحة الصوت عند الأطفال

بحة الصوت قد تكون عرضًا فقط أو قد ترافقها أعراض أخرى تعتمد على السبب الأساسي، مثل:

• التهاب الحلق أو ألم أثناء البلع.

• سعال مستمر أو متقطع.

• صعوبة في التنفس أو شخير أثناء النوم.

• حمى أو أعراض نزلة برد.

• تغير في نبرة الصوت أو فقدان الصوت.

• بلغم أو مخاط زائد في الحلق.

• إرهاق في الصوت بعد الحديث أو اللعب.

التشخيص الطبي لبحة الصوت عند الأطفال

التشخيص الصحيح يعتمد على الفحص السريري الدقيق والتاريخ المرضي. يقوم الطبيب بتقييم عدة نقاط:

• مدة استمرار بحة الصوت.

• وجود أعراض أخرى مثل صعوبة التنفس أو البلع.

• التاريخ المرضي الخاص بالتهابات متكررة أو أمراض مزمنة.

• السلوك الصوتي للطفل، كالصراخ أو الغناء المفرط.

قد يستخدم الطبيب أدوات تشخيصية مثل:

• تنظير الحنجرة: لرؤية الحبال الصوتية بشكل مباشر وتقييم وجود التهابات أو تشوهات.

• فحوصات دم: للكشف عن العدوى أو الحساسية.

• تصوير شعاعي: في الحالات التي يشتبه فيها وجود مشاكل تشريحية أو أورام.

• اختبارات التحسس: للكشف عن الحساسية إذا كانت السبب محتملًا.

العلاج

يرتكز علاج بحة الصوت عند الأطفال على معالجة السبب الأساسي وتقديم الرعاية الداعمة للحبال الصوتية.

1. علاج العدوى

• المضادات الحيوية في حالة الالتهابات البكتيرية.

• مضادات الفيروسات إذا دعت الحاجة (نادراً).

• أدوية تخفيف الالتهاب مثل الستيرويدات في بعض الحالات الحادة.

• راحة الصوت لفترة كافية.

2. علاج الحساسية

• استخدام مضادات الهيستامين.

• تجنب المحسسات البيئية.

• علاج الربو أو التهابات الجهاز التنفسي المزمنة إذا كانت موجودة.

3. تعديل السلوك الصوتي

• توعية الطفل وأسرته بعدم الصراخ أو الاستخدام المفرط للصوت.

• تدريب على النطق السليم عند الحاجة.

• علاج نفسي في حالات الضغط العصبي أو النفسي.

4. معالجة الجفاف وترطيب الحنجرة

• زيادة شرب السوائل.

• استخدام مرطبات الجو في الأماكن الجافة.

5. الجراحة

تجرى في حالات نادرة عندما يكون هناك أورام أو تشوهات عضوية تستدعي التدخل الجراحي.

الوقاية من بحة الصوت عند الأطفال

• الحفاظ على ترطيب الحنجرة بتناول كميات كافية من الماء.

• تجنب التعرض للتدخين السلبي والهواء الملوث.

• تعليم الأطفال كيفية استخدام الصوت بشكل صحيح.

• معالجة الأمراض التنفسية والحساسية بشكل فعال.

• الحرص على تهوية المنزل وتقليل وجود المحسسات.

• مراجعة الطبيب عند ظهور بحة صوت تستمر لأكثر من أسبوعين.

مقارنة بين أسباب بحة الصوت عند الأطفال حسب شدة الحالة

خاتمة

بحة الصوت عند الأطفال ظاهرة شائعة لها أسباب متعددة تتراوح بين الحالات البسيطة التي لا تستدعي القلق، إلى الحالات التي قد تشير إلى مشاكل صحية أكثر تعقيدًا. المعرفة الدقيقة بالأسباب، التشخيص المبكر، والعلاج المناسب يساهم بشكل كبير في استعادة صوت الطفل الطبيعي ومنع حدوث مضاعفات مستقبلية. من الضروري متابعة الحالة مع الطبيب المختص، خصوصًا في الحالات التي تستمر أكثر من أسبوعين أو تتكرر بشكل مستمر، لضمان صحة الحبال الصوتية وجودة الصوت على المدى الطويل.

المراجع:

1. Bhattacharyya N. Epidemiology and treatment patterns of pediatric hoarseness. Laryngoscope Investig Otolaryngol. 2018;3(4):263-268.

2. Stager SV, Bielamowicz S. Pediatric Voice Disorders: Diagnosis and Management. Otolaryngol Clin North Am. 2020;53(6):1029-1040.