أقل 20 دولة إنفاقاً على الصحة في العالم

تُعد الصحة من أهم الركائز التي تبنى عليها رفاهية المجتمعات وتطورها الاقتصادي والاجتماعي، إذ أن الإنفاق الصحي يعكس مدى اهتمام الدول بتوفير خدمات الرعاية الصحية لمواطنيها، وتوفير بنية تحتية طبية قادرة على مواجهة الأمراض والأوبئة. ومع ذلك، يختلف حجم الإنفاق الصحي بشكل كبير بين الدول، بسبب عوامل متعددة منها مستوى الدخل القومي، الأولويات السياسية، وحجم السكان، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تلك الدول. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل قائمة أقل 20 دولة إنفاقاً على الصحة في العالم، مع تحليل الأسباب التي أدت إلى تدني الإنفاق الصحي في هذه البلدان، وتأثير ذلك على جودة الحياة والصحة العامة لسكانها.

مفهوم الإنفاق الصحي وأهميته

الإنفاق الصحي هو المبلغ الذي تخصصه الدولة لتوفير الخدمات الطبية، المستشفيات، الأدوية، الأبحاث الطبية، وبرامج الوقاية الصحية. ويشمل هذا الإنفاق القطاع العام والخاص، ويُقاس عادة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي أو كمعدل إنفاق للفرد الواحد.

تأثير الإنفاق الصحي لا يقتصر فقط على تقديم العلاج للمرضى، بل يمتد إلى تحسين جودة الحياة، تقليل معدلات الوفيات، تعزيز الإنتاجية الاقتصادية من خلال تقليل أيام المرض، والحد من انتشار الأمراض المعدية وغير المعدية.

معايير قياس الإنفاق الصحي

عادةً ما تعتمد المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي على مؤشرات دقيقة لقياس الإنفاق الصحي، تشمل:

• الإنفاق الصحي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (GDP).

• الإنفاق الصحي للفرد الواحد.

• الإنفاق الحكومي المباشر على الصحة.

• نسبة الإنفاق الخاص مقابل الإنفاق العام.

هذه المعايير تساعد في مقارنة الدول بعضها ببعض وتحديد مراكزها في قائمة الإنفاق الصحي.

قائمة أقل 20 دولة إنفاقاً على الصحة

فيما يلي سرد للدول التي تحتل المراتب الأدنى في قائمة الإنفاق الصحي عالمياً، مع التركيز على أبرز الأسباب والتداعيات لكل دولة:

أسباب تدني الإنفاق الصحي في هذه الدول

يرتبط تدني الإنفاق الصحي بعدة عوامل متشابكة تعكس الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، منها:

1. الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة

العديد من هذه الدول تعاني من صراعات داخلية، حروب أهلية، وانقسامات سياسية تمنع استقرار الإنفاق وتطوير القطاعات الحيوية ومنها الصحة. الحروب تؤدي إلى تدمير البنية التحتية، نزوح السكان، وزيادة الأعباء على النظام الصحي.

2. ضعف الاقتصاد والموارد المالية

تعاني هذه الدول من مستويات فقر مرتفعة، ضعف اقتصادي عام، واعتماد مفرط على المساعدات الخارجية، مما يقلل من قدرة الحكومات على تخصيص ميزانيات كافية للصحة.

3. نقص البنية التحتية والكوادر الطبية

قلة المراكز الصحية والمستشفيات، ضعف تجهيزاتها، ونقص الكوادر الطبية المؤهلة تؤدي إلى إهدار الموارد المتاحة وتقليل فاعلية الإنفاق الصحي.

4. تحديات جغرافية وسكانية

توزيع السكان في مناطق نائية وصعبة الوصول يزيد من تكلفة توفير الخدمات الصحية ويحد من فرص الوصول إلى الرعاية الصحية.

5. الأمراض المزمنة والأوبئة

انتشار الأمراض المعدية مثل الملاريا، الإيدز، والتهابات الجهاز التنفسي يفرض ضغطاً كبيراً على الموارد الصحية، في حين أن ضعف الإنفاق يمنع السيطرة عليها بفعالية.

تأثير انخفاض الإنفاق الصحي على المجتمعات

انخفاض الإنفاق الصحي له انعكاسات سلبية على جميع المستويات، منها:

• زيادة معدلات الوفيات خاصة بين الأطفال والحوامل.

• انتشار الأمراض المعدية وغير المعدية بسبب ضعف برامج الوقاية والعلاج.

• انخفاض متوسط العمر المتوقع.

• ضعف الإنتاجية الاقتصادية نتيجة لتدهور صحة القوى العاملة.

• زيادة الأعباء على الأسر، حيث تضطر لتحمل تكاليف العلاج خارج النظام الحكومي.

جهود تحسين الإنفاق الصحي في الدول الفقيرة

بالرغم من التحديات، تبذل بعض الدول جهوداً لتحسين أوضاعها الصحية عبر:

• التعاون مع المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي للحصول على تمويلات وبرامج دعم.

• تطوير برامج الرعاية الصحية الأولية والتركيز على الوقاية.

• تعزيز التدريب الطبي وبناء القدرات البشرية.

• تحسين البنية التحتية الصحية تدريجياً.

• تبني سياسات صحية وطنية تستهدف تخفيض معدلات الأمراض الأكثر انتشاراً.

مقارنة مع الدول ذات الإنفاق الصحي المرتفع

للتأكيد على الفجوة الكبيرة بين الدول ذات الإنفاق المنخفض وتلك التي تخصص ميزانيات ضخمة للصحة، يمكننا الإشارة إلى بعض الدول مثل:

• الولايات المتحدة الأمريكية التي تنفق أكثر من 17% من ناتجها المحلي على الصحة بمعدل أكثر من 11,000 دولار للفرد سنوياً.

• دول الاتحاد الأوروبي التي تتراوح فيها نسبة الإنفاق الصحي بين 8% و 12% من الناتج المحلي.

هذا التفاوت الكبير يشير إلى أن ضعف الإنفاق الصحي لا يعود فقط إلى حجم الميزانية العامة، بل إلى أولويات الإنفاق وأسلوب إدارة الموارد.

خلاصة

إن الإنفاق الصحي هو مؤشر رئيسي يعكس مدى اهتمام الدول بتوفير حياة كريمة وصحية لشعوبها. أقل 20 دولة إنفاقاً على الصحة في العالم تعاني من تحديات متعددة تعوق تطور القطاع الصحي وتأمين الرعاية الضرورية لسكانها. ومع استمرار هذه الحالة، فإن آثارها السلبية ستتفاقم على مستويات الصحة العامة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، فإن تعزيز التمويل الصحي في هذه الدول ضرورة قصوى تتطلب تضافر الجهود الوطنية والدولية لتحقيق تحسينات ملموسة في صحة الشعوب وجودة حياتهم.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – تقرير الإنفاق الصحي العالمي 2023.

2. البنك الدولي – بيانات التنمية الصحية العالمية 2023.