هل بناء الفريق هو سر تحسين مشاركة الموظفين؟

تعد مشاركة الموظفين (Employee Engagement) من أكثر العوامل تأثيرًا في إنتاجية المؤسسات واستمراريتها، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن المنظمات التي تمتلك موظفين ملتزمين ومشاركين في أهداف العمل تحقق أرباحًا أعلى وتتمتع بمعدلات دوران أقل وتفوق في الابتكار. وفي صميم هذا الإنجاز يكمن عنصر أساسي غالبًا ما يُغفل أو يُستهان به، وهو: بناء الفريق.

إن بناء الفريق لا يُقصد به فقط تنظيم الرحلات الترفيهية أو الألعاب الجماعية، بل هو عملية استراتيجية ومستمرة تهدف إلى تعزيز التعاون، وتكريس الثقة المتبادلة، وخلق بيئة عمل داعمة تُمكّن الأفراد من الازدهار المهني والنفسي. لذا فإننا حين نتحدث عن تحسين مشاركة الموظفين، فإن بناء الفريق ليس مجرد أداة مساعدة بل قد يكون هو الجوهر الخفي والمحرك العميق خلف مستويات الالتزام العالية والولاء المؤسسي.

أهمية مشاركة الموظفين وتأثيرها على الأداء المؤسسي

تشير الدراسات التي أجراها معهد Gallup أن المنظمات التي تُسجل نسبًا مرتفعة من مشاركة الموظفين تشهد تحسنًا في الإنتاجية بنسبة 21%، وانخفاضًا في التغيب بنسبة 41%، وتقلصًا في معدلات الدوران الوظيفي بنسبة 59% مقارنة بالمؤسسات التي تعاني من انخفاض المشاركة. كما يرتبط ارتفاع المشاركة بزيادة في الولاء الوظيفي، وارتفاع جودة الخدمات المقدمة، وتحسن السمعة الداخلية والخارجية للمؤسسة.

كل هذه العوامل تبرز كيف أن الموظف المشارك لا يُعد فقط أداة تنفيذ، بل هو شريك استراتيجي في تحقيق الأهداف والرؤية طويلة المدى.

ما المقصود ببناء الفريق؟

بناء الفريق هو عملية تهدف إلى تطوير هيكل العلاقات الإنسانية بين أعضاء فريق العمل، وتعزيز قدرتهم على العمل بتكامل وفعالية لتحقيق الأهداف المشتركة. تشمل هذه العملية عناصر متعددة مثل:

• تقوية العلاقات الشخصية بين الزملاء.

• تعزيز الثقة والتواصل المفتوح.

• توزيع الأدوار والمسؤوليات بوضوح.

• تطوير ثقافة التعاون والدعم.

• حل النزاعات الداخلية بطرق صحية.

بعبارة أخرى، بناء الفريق لا يعني فقط إنشاء مجموعة من الأفراد للعمل معًا، بل يتعدى ذلك إلى خلق روح الفريق التي تشعر كل عضو بأهميته، وبانتمائه، وبأن جهده يساهم في النجاح الجماعي.

العلاقة بين بناء الفريق ومشاركة الموظفين

إن بناء الفريق الفعّال يخلق بيئة مشجعة تشجع الموظفين على الانخراط في العمل بكل طاقتهم. وتنعكس هذه البيئة على مستويات مشاركة الموظفين من خلال عدد من الآليات النفسية والسلوكية والاجتماعية، منها:

1. تعزيز الانتماء والشعور بالهوية

عندما يشعر الموظف أنه جزء من فريق متماسك ومتعاون، فإنه يُطوّر إحساسًا بالانتماء، ويصبح أكثر استعدادًا لبذل الجهد والمبادرة. هذا الشعور يحفّز لديه الهوية المهنية، ويزيد من ارتباطه بالمؤسسة.

2. بناء الثقة داخل بيئة العمل

الفرق المتماسكة تقوم على الثقة، وعندما تسود الثقة داخل الفريق، يقل الخوف من الفشل أو اللوم، ويشعر الموظفون بحرية التعبير عن أفكارهم. وهذا بدوره يعزز الإبداع والانخراط الحقيقي في العمليات اليومية.

3. تحسين التواصل الداخلي

بيئات العمل التي تُشجع على الحوار والتواصل الواضح تسهم في تقليل حالات سوء الفهم وزيادة الوضوح بشأن الأهداف. فرق العمل المبنية جيدًا تتواصل بفعالية، مما يُشجع الموظفين على التعبير عن أفكارهم واحتياجاتهم دون تردد.

4. تشجيع الدعم المتبادل

الفرق القوية تشكل نظام دعم طبيعي بين الأعضاء، مما يساعد على التخفيف من الضغوطات وتحسين جودة الحياة المهنية. هذا الدعم يُسهم في تعزيز الرفاه الوظيفي، وهو أحد العوامل الأساسية في تحفيز الموظف للمشاركة بفعالية.

5. تحفيز روح التحدي والتقدير

في الفرق المتعاونة، يشعر كل فرد بقيمة مساهمته، ويزداد دافعه للتميز والمبادرة. ويشعر الموظفون أن نجاحهم الشخصي يرتبط بنجاح الفريق، مما يحفّز الأداء الجماعي والفردي على حد سواء.

استراتيجيات عملية لبناء فريق يدعم مشاركة الموظفين

لكي يكون بناء الفريق أداة فعالة في تحسين المشاركة، لا بد من تطبيقه بأسلوب منظم ومدروس. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها في هذا السياق:

1. بدء الفريق بتحديد أهداف وقيم واضحة

الفريق القوي يبدأ بتأسيس رؤية مشتركة، حيث يشعر كل عضو أن له دورًا محددًا ومؤثرًا في تحقيق الهدف العام. كما يجب تحديد القيم الثقافية للفريق مثل الاحترام، والشفافية، والتعاون.

2. تنظيم ورش العمل والأنشطة التفاعلية

تشمل هذه الورش أنشطة خارج بيئة العمل التقليدية، تُركّز على تعزيز التفاعل بين الموظفين، وتساعدهم على التعرف إلى بعضهم على مستويات أعمق، مما يُقوي الأواصر المهنية.

3. تدريب القادة على إدارة الفرق بفعالية

القيادة الفعالة تلعب دورًا محوريًا في بناء الفرق. يجب أن يُدرّب القادة على مهارات التواصل، وتحفيز الأفراد، والتعامل مع النزاعات، وخلق مناخ من الدعم والتقدير.

4. تشجيع التغذية الراجعة المستمرة

من خلال إنشاء قنوات للتغذية الراجعة، يمكن للفريق تحسين أدائه بشكل مستمر. فالموظف عندما يُشعر أن رأيه مسموع وله وزن، يزيد التزامه وولاؤه.

5. تخصيص وقت للأنشطة الجماعية غير الرسمية

ليس كل ما يُبنى في الفريق يأتي من العمل المباشر؛ الأنشطة الاجتماعية مثل وجبات الغداء الجماعية، أو احتفالات النجاح، تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الترابط غير الرسمي داخل الفريق.

6. مكافأة الأداء الجماعي وليس الفردي فقط

اعتماد أسلوب المكافآت الجماعية يوجه ثقافة العمل نحو التعاون بدلًا من التنافس السلبي، مما يزيد من الترابط ويعزز المشاركة الفعالة.

التحديات المحتملة في بناء الفريق وتأثيرها على المشاركة

رغم أهمية بناء الفريق، إلا أن هناك تحديات يمكن أن تؤثر سلبًا على فعاليته وعلى مشاركة الموظفين إذا لم تُدار بوعي. من أبرز هذه التحديات:

• الخلافات الشخصية: والتي قد تتطور إلى نزاعات تضر بروح الفريق.

• الافتقار إلى القيادة الكفؤة: حيث أن القادة غير المؤهلين قد يعجزون عن إدارة الفريق وتوجيهه.

• غياب الشفافية: يؤدي إلى تآكل الثقة بين الأعضاء.

• الإجهاد الوظيفي: في حال لم تُراعَ التوازنات في توزيع الأدوار أو أوقات الراحة.

لذلك، لا بد من تقييم بيئة الفريق باستمرار، ومعالجة المشكلات فور ظهورها، وضمان وجود نظام داعم ومستقر.

جدول: مقارنة بين الفرق ذات البنية الضعيفة والفرق المبنية بشكل فعال

دور الموارد البشرية في تعزيز بناء الفريق والمشاركة

تلعب إدارات الموارد البشرية دورًا محوريًا في بناء الفريق، حيث تُعد الجهة المؤسسية المسؤولة عن وضع السياسات، وتطبيق الاستراتيجيات التي تضمن تكامل الأفراد داخل بيئة عمل صحية. من مهام الموارد البشرية الأساسية في هذا المجال:

• تحديد الشخصيات المتوافقة عند التوظيف.

• إعداد برامج التدريب الجماعي.

• متابعة مستويات الرضا الوظيفي.

• تحليل بيانات المشاركة وتحديد عوامل الخلل.

• تقديم توصيات لتحسين مناخ الفريق.

الخلاصة

بناء الفريق ليس نشاطًا جانبيًا في إدارة الموارد البشرية، بل هو أداة استراتيجية لتشكيل بيئة عمل متماسكة، داعمة، وموجهة نحو الأهداف. وتحقيق مستويات عالية من مشاركة الموظفين يبدأ من اللحظة التي يشعر فيها كل فرد بأنه جزء من فريق يتشارك المسؤولية والطموح. وعليه، فإن المؤسسات التي تدرك هذه الحقيقة وتستثمر بذكاء في بناء الفرق ستجني ثمارًا تتجاوز المقاييس التقليدية للإنتاجية، إلى تكوين ثقافة مؤسسية راسخة يصعب منافستها.

المراجع:

1. Gallup. (2023). State of the Global Workplace Report.

2. Harvard Business Review. (2021). Why Great Teams Are the Key to Employee Engagement.