متى يبدأ الطفل بالكلام؟

متى يبدأ الطفل بالتكلم: دراسة شاملة حول مراحل تطور اللغة عند الأطفال

يُعتبر اكتساب اللغة من أهم مراحل النمو لدى الطفل، فهو ليس مجرد مهارة تواصل بل أساس لتطور التفكير، التعلم، والاندماج الاجتماعي. تبدأ عملية تعلم اللغة منذ الولادة، وتتطور عبر مراحل متعددة حتى يصبح الطفل قادرًا على التعبير بالكلام بشكل واضح. تتفاوت المدة التي يحتاجها كل طفل لبدء الكلام بسبب عوامل بيولوجية، بيئية، واجتماعية، مما يجعل فهم توقيت ومراحل تطور اللغة أمرًا ضروريًا لكل من الأهالي والمختصين.

النمو اللغوي عند الأطفال: نظرة عامة

اللغة عند الأطفال تبدأ من استجابات بدائية للأصوات، مرورًا بالتماهي مع النطق، ثم توليد الكلمات الأولى، وانتهاءً بتكوين الجمل المعقدة. هذه المراحل لا تحدث فجأة بل هي عملية تدريجية متتابعة ترتبط بتطور الجهاز العصبي، مهارات السمع، والبيئة المحيطة بالطفل.

يمكن تقسيم نمو اللغة عند الطفل إلى عدة مراحل رئيسية:

• مرحلة ما قبل الكلام (0-12 شهرًا): يبدأ الطفل في الاستجابة للأصوات المحيطة، يصدر أصواتًا غير مفهومة مثل الهمهمات والغرغرة، ويُظهر تفاعلًا مع نبرة الصوت واللهجة المحيطة.

• مرحلة الكلمات الأولى (12-18 شهرًا): ينطق الطفل أول كلمة مفهومة غالبًا مثل “ماما” أو “بابا”، ويبدأ في التعرف على أسماء الأشخاص والأشياء المحيطة به.

• مرحلة تطور المفردات (18-24 شهرًا): تزداد عدد الكلمات التي ينطقها الطفل، ويبدأ في الربط بين الكلمات لتكوين عبارات بسيطة.

• مرحلة تكوين الجمل (24-36 شهرًا): يتطور استخدام الجمل القصيرة والمركبة، مع بدء فهم قواعد النحو الأساسية.

• مرحلة الإتقان (بعد 3 سنوات): يزداد وضوح التعبير اللغوي، ويبدأ الطفل في استخدام جمل معقدة ومفردات متنوعة مع القدرة على فهم الحوار المتبادل.

العوامل المؤثرة في توقيت بدء الكلام عند الطفل

هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر في متى يبدأ الطفل بالتكلم، وتشمل:

1. العوامل البيولوجية:

   • التطور العصبي: يعتمد الكلام على نمو مناطق الدماغ المسؤولة عن اللغة مثل منطقة بروكا وفيرنيك.

   • القدرة السمعية: الأطفال الذين يعانون من مشاكل سمعية قد يتأخرون في الكلام.

   • الصحة العامة: وجود أمراض أو اضطرابات مثل التوحد أو اضطرابات النطق تؤثر على تطور اللغة.

2. العوامل البيئية:

   • المحفزات اللغوية: الأطفال الذين يتعرضون للكلام باستمرار ويُشجعون على التفاعل يكونون أكثر قدرة على اكتساب اللغة مبكرًا.

   • التواصل الأسري: وجود حوار مستمر بين الطفل والوالدين يعزز من مهارات الكلام.

   • اللغة المحيطة: الأطفال في بيئات متعددة اللغات قد يظهرون تأخرًا بسيطًا في بداية الكلام، لكنه غالبًا يكون مؤقتًا.

3. العوامل النفسية والاجتماعية:

   • الترابط العاطفي: الطفل الذي يشعر بالأمان والراحة يتفاعل بشكل أفضل لغويًا.

   • التفاعل الاجتماعي: التواصل مع الآخرين يحفز الطفل على التعبير بالكلام.

مراحل نمو اللغة المفصلة

مرحلة ما قبل الكلام (0-12 شهرًا)

خلال الأشهر الأولى، لا ينطق الطفل كلمات مفهومة، لكنه يمر بمرحلة استكشاف الصوت، حيث يبدأ بإصدار أصوات متعددة مثل الهمهمات، الضحك، والبكاء المتنوع. بحلول الشهر السادس، يبدأ الطفل في إصدار أصوات متكررة تشبه المقاطع الصوتية مثل “با-با” أو “دا-دا”، وهذه ليست كلمات بمعنى مفهومي لكنها تمهد لتطور النطق.

عند هذه المرحلة، يبدأ الطفل في فهم نبرة الصوت والتعرف على الأصوات المختلفة، كما يظهر تفاعلًا مع الأصوات البشرية ويُميز بين الكلمات المألوفة والصوتيات الجديدة.

مرحلة الكلمات الأولى (12-18 شهرًا)

يبدأ الطفل في نطق أولى الكلمات المفهومة التي ترتبط غالبًا بأشخاص مقربين مثل “ماما”، “بابا”، أو بأشياء محببة له مثل “لبن” أو “كرة”. تبدأ هذه الكلمات بأن تكون مرتبطة بالمعنى والواقع المادي، ويبدأ الطفل في التعرف على أن الكلمات تمثل أشياء وأفعال في العالم من حوله.

هذا التطور يشير إلى بداية إدراك الطفل للعلاقة بين الصوت والمعنى، حيث يبدأ في استخدام الكلمات للتعبير عن حاجاته أو للإشارة إلى أشياء محددة.

مرحلة تطور المفردات (18-24 شهرًا)

مع مرور الوقت، يزداد حجم المفردات لدى الطفل بشكل ملحوظ، حيث قد يصل عدد الكلمات التي ينطقها إلى 50 كلمة أو أكثر. يبدأ الطفل أيضًا في محاولة تكوين عبارات بسيطة مكونة من كلمتين، مثل “أريد ماء” أو “بابا جاء”.

في هذه المرحلة، يكون الفهم أكبر من القدرة على التعبير، إذ يفهم الطفل جملًا أكثر تعقيدًا مما ينطق به، كما يبدأ في تقليد الأصوات والكلمات الجديدة.

مرحلة تكوين الجمل (24-36 شهرًا)

تبدأ مهارات اللغة في الظهور بشكل أوضح مع بناء جمل قصيرة تشمل أكثر من كلمتين، مثل “أنا أكل تفاح” أو “هي تلعب معي”. يطور الطفل فهمًا للقواعد النحوية الأساسية، ويستخدم الضمائر، الأفعال، والأسماء بشكل متناسق.

كما يتحسن نطق الطفل ويصبح أكثر وضوحًا، ويبدأ في التعبير عن مشاعره وأفكاره بشكل أفضل، مع بداية استخدام جمل استفهامية وأوامر بسيطة.

مرحلة الإتقان (بعد 3 سنوات)

في هذه المرحلة، يصبح الطفل قادرًا على التحدث بطلاقة نسبيًا، ويستخدم تراكيب لغوية معقدة تشمل جمل طويلة، وصيغ مختلفة من الأفعال، كما يتحسن مخزون المفردات ويصبح أكثر تنوعًا. يستطيع الطفل التعبير عن أفكار معقدة، ويبدأ في فهم الحكايات والقصص.

يتطور أيضًا مهارته في استخدام اللغة في مواقف مختلفة، مثل التفاوض، الشرح، أو التعبير عن المشاعر، مما يعكس نموًا نفسيًا واجتماعيًا متكاملًا.

الجدول التالي يوضح متوسط عمر ظهور مراحل الكلام عند الطفل:

أهمية التدخل المبكر في حالة تأخر الكلام

قد تواجه بعض الأطفال تأخراً في نطق الكلمات أو عدم القدرة على بناء جمل واضحة في الوقت المتوقع. يُعد هذا الأمر مؤشرًا يستوجب تقييمًا طبيًا ونفسيًا، حيث يمكن أن يكون التأخر مرتبطًا بمشكلات في السمع، اضطرابات النطق، أو اضطرابات النمو مثل التوحد.

التدخل المبكر يشمل برامج تحفيز لغوي، علاج نطقي، ودعم نفسي واجتماعي للطفل وعائلته، مما يساعد في تحسين مهارات التواصل وتقليل الفجوات في التطور اللغوي.

استراتيجيات لتعزيز نمو اللغة عند الأطفال

• التحدث المستمر: استخدام جمل واضحة وبسيطة عند التحدث مع الطفل مع تحفيزه على الرد.

• القراءة اليومية: قراءة القصص والحكايات للأطفال تساعد في توسيع المفردات وتنمية مهارات الاستماع.

• التفاعل الإيجابي: الاستجابة لحاجات الطفل بكلمات تشجيعية تعزز الثقة في التعبير.

• اللعب التعليمي: استخدام الألعاب التي تعتمد على التفاعل اللغوي مثل البازل، البطاقات التعليمية.

• التقليل من الشاشات: تقليل الوقت أمام الشاشات الرقمية والتركيز على التواصل المباشر.

خلاصة

يبدأ الطفل بالتكلم في مراحل محددة، تبدأ بأصوات غير مفهومة وتنمو تدريجياً إلى كلمات وجمل واضحة، ويختلف توقيت ذلك من طفل لآخر بناءً على عوامل بيولوجية وبيئية واجتماعية. فالحفاظ على بيئة محفزة وتقديم الدعم المناسب يساعد على تسريع وتيرة اكتساب اللغة ويقلل من فرص حدوث تأخر لغوي.

يعتبر فهم مراحل نمو اللغة ودور الأسرة في تحفيز الطفل أمرًا أساسيًا في دعم نموه اللغوي والاجتماعي، وهو ما ينعكس إيجابيًا على تطوره الفكري والذهني في المستقبل.

المصادر:

• كتاب “نمو الطفل وتطوره” – د. محمد إبراهيم، دار الفكر العربي، 2019.

• منظمة الصحة العالمية WHO – تقرير تطور الطفل، 2021.