الفرق بين التسويق الهرمي والشبكي

يُعد التسويق من أهم الأدوات الاقتصادية التي تسهم في دفع عجلة الاقتصاد وتوسيع قاعدة العملاء لأي منتج أو خدمة، إلا أن هناك بعض النماذج التسويقية التي أثارت جدلاً واسعاً، خاصة تلك التي تعتمد على الترويج من خلال الأفراد والعمولات المرتبطة بالتوظيف. من أبرز هذه النماذج: التسويق الشبكي والتسويق الهرمي. ورغم التشابه الظاهري بينهما، إلا أن هناك فروقات جوهرية وعميقة تؤثر على مشروعيتهما القانونية وأثرهما الاقتصادي والاجتماعي.

أولاً: التعريف بالتسويق الهرمي

ما هو التسويق الهرمي؟

التسويق الهرمي (Pyramid Scheme) هو نموذج تجاري غير مشروع في أغلب الأنظمة القانونية، يقوم أساساً على إغراء الأفراد بالانضمام إلى منظومة مقابل دفع مبلغ مالي معين، على أن يقوم الشخص المجند بتجنيد آخرين مقابل الحصول على نسبة من الأموال التي يدفعونها، وهكذا في شكل هرمي لا نهائي.

الخصائص الأساسية للتسويق الهرمي

• غياب المنتج أو الخدمة الفعلية: في الغالب لا يتم بيع منتج حقيقي له قيمة سوقية، أو يكون المنتج مجرد غطاء شكلي.

• التركيز على التجنيد: النموذج يعتمد على توسيع قاعدة المجندين أكثر من كونه يهدف إلى بيع منتج.

• الاعتماد على الدفعات المالية: الأرباح تتحقق من رسوم الانضمام أو الاشتراك، وليس من بيع المنتج النهائي.

• نهاية محتمة بالفشل: النظام الهرمي يعتمد على تضاعف المجندين بشكل مستمر، وهو أمر غير قابل للاستمرار رياضيًا أو عمليًا.

أضرار التسويق الهرمي

• خسائر مالية كبيرة للمشتركين: غالبية المشاركين يخسرون أموالهم.

• انعدام الاستدامة: مع مرور الوقت، تتوقف سلسلة التجنيد وتنهار المنظومة.

• انتهاك الأنظمة والقوانين: محظور قانونيًا في العديد من الدول بسبب طبيعته الاحتيالية.

ثانيًا: التعريف بالتسويق الشبكي

ما هو التسويق الشبكي؟

التسويق الشبكي (Network Marketing أو Multi-Level Marketing – MLM) هو نموذج تسويق يعتمد على ترويج المنتجات أو الخدمات من خلال شبكة من المسوقين المستقلين الذين يحصلون على عمولات على المبيعات التي يقومون بها بشكل مباشر، وأيضاً على مبيعات الأشخاص الذين قاموا بتجنيدهم ضمن شبكتهم.

الخصائص الأساسية للتسويق الشبكي

• وجود منتج فعلي: يُشترط وجود منتج أو خدمة حقيقية ذات جودة وقيمة سوقية.

• تحقيق الأرباح من المبيعات: تُبنى الأرباح على بيع المنتجات وليس على تجنيد الأفراد.

• بنية هرمية مشروعة: هيكل العمولات قد يأخذ شكلًا هرميًا، لكنه يرتبط بالمبيعات الحقيقية.

• شركات معروفة: العديد من الشركات الكبرى تعمل بنظام التسويق الشبكي، مثل Amway وHerbalife.

الضوابط التي تحكم شرعية التسويق الشبكي

• التركيز على المنتج لا التجنيد.

• وجود سياسة استرجاع عادلة.

• شفافية في توزيع العمولات.

• عدم فرض اشتراكات مبالغ فيها.

ثالثًا: الفروقات الجوهرية بين التسويق الهرمي والشبكي

رابعًا: التسويق الشبكي بين الفرصة الحقيقية والخطر الكامن

رغم كون التسويق الشبكي قانونيًا في عدد من البلدان، إلا أن الكثير من الشركات تستخدم هذا الغطاء لتمرير أنظمة هرمية مخالفة، مما يجعل من الضروري التفريق الدقيق بين النموذجين. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن التسويق الشبكي يعتمد في جوهره على قدرة المسوق على بيع منتجات ذات جودة، ونجاحه مرهون بالطلب الحقيقي على المنتج.

المعايير الأساسية لتمييز النظام المشروع من الاحتيالي:

1. هل يتم تعويض المشاركين أساسًا بناءً على المبيعات؟

2. هل يمكن للعميل شراء المنتج دون الحاجة إلى الاشتراك؟

3. هل توفر الشركة سياسة استرجاع للمنتجات؟

4. هل يوجد حد منطقي لعدد الطبقات في شبكة العمولات؟

خامسًا: أطر قانونية وتنظيمية

تختلف التشريعات بين الدول حول التعامل مع التسويق الهرمي والشبكي. فمثلاً:

• في الولايات المتحدة: هيئة التجارة الفيدرالية (FTC) تراقب شركات التسويق الشبكي بدقة، وتقوم بمقاضاة أي شركة تتبع نموذجًا هرميًا احتياليًا.

• في الدول العربية: تختلف الأنظمة من دولة لأخرى، فبعض الدول تحظر التسويق الهرمي بشكل صريح وتفرض قيوداً صارمة على التسويق الشبكي.

نماذج من التشريعات:

سادسًا: أبعاد اقتصادية واجتماعية

الأثر الاقتصادي

• التسويق الهرمي يخلق فقاعات اقتصادية مؤقتة، حيث يتم تدوير الأموال بين الأعضاء دون خلق قيمة حقيقية، مما يؤدي إلى انهيار النموذج وخسائر اقتصادية للمجتمع.

• التسويق الشبكي، إن تم بشكل مشروع، يمكن أن يوفر فرص عمل مرنة ويساهم في نشر المنتجات بطرق غير تقليدية.

الأثر الاجتماعي

• في النظم الهرمية، ينشأ استغلال للعلاقات الاجتماعية (الأصدقاء، العائلة) للتجنيد، مما يسبب توتراً وخلافات اجتماعية عند فشل النظام.

• أما في النظم الشبكية، فإن الاعتماد على الثقة والتفاعل المباشر يمكن أن يعزز شبكات التعاون بشرط وجود منتج حقيقي وخدمة موثوقة.

سابعًا: نماذج من الواقع

شركات متورطة في أنظمة هرمية

• شركة BurnLounge تمت مقاضاتها من قبل FTC بتهمة الترويج لنظام هرمي تحت غطاء بيع الموسيقى الرقمية.

• شركة Vemma Nutrition واجهت إجراءات قانونية بسبب اعتمادها الكبير على التجنيد أكثر من بيع المنتجات.

شركات تسويق شبكي مشروعة

• Amway: من أقدم شركات التسويق الشبكي وأكثرها خضوعاً للرقابة القانونية.

• Mary Kay: تعتمد على بيع مستحضرات التجميل من خلال شبكة موزعين.

ثامنًا: كيفية الحماية من الوقوع ضحية للتسويق الهرمي

1. البحث عن سمعة الشركة ومراجعات العملاء.

2. عدم الانجراف وراء الوعود الكبيرة بالثراء السريع.

3. التحقق من طبيعة المنتج ووجوده في السوق.

4. الابتعاد عن أي نظام يطلب دفعات مالية كبيرة دون مقابل واضح.

5. الرجوع إلى الهيئات الرسمية أو القانونية في الدولة المعنية.

تاسعًا: المعايير العالمية لتقييم أنظمة البيع المباشر

تضع بعض الهيئات مثل جمعية البيع المباشر (DSA) معايير واضحة للتمييز بين النظام المشروع والاحتيالي، ومنها:

• نسبة العمولات المبنية على المبيعات الشخصية.

• وجود برنامج تدريبي شفاف ومعتمد.

• غياب أي إغراءات مالية غير مرتبطة بأداء العمل الفعلي.

• فصل واضح بين العميل والموزع.

• احترام خصوصية البيانات وعدم فرض ضغط نفسي للتجنيد.

عاشرًا: الخلاصة

التمييز بين التسويق الهرمي والشبكي ليس فقط مسألة قانونية، بل هو ضرورة اقتصادية وأخلاقية. فبينما يُعد التسويق الشبكي أداة تسويقية قد تكون مشروعة وفعالة عند الالتزام بالضوابط، فإن التسويق الهرمي يمثل نموذجاً خادعاً وخطراً يستغل الطموحات لتحقيق أرباح على حساب الآخرين.

إن وعي الأفراد بمخاطر التسويق الهرمي، وتمييزهم للنموذج المشروع من الاحتيالي، يشكل خط الدفاع الأول لحماية المجتمع من هذه الممارسات. كما أن دور الجهات الرقابية في فرض القوانين والرقابة الصارمة هو عنصر محوري في الحد من انتشار مثل هذه النماذج.

المراجع

1. Federal Trade Commission (FTC). “Multilevel Marketing Businesses and Pyramid Schemes.” https://www.ftc.gov

2. منظمة البيع المباشر DSA: https://www.dsa.org