يوم الشهيد الإماراتي

يوم الشهيد الإماراتي… فخر الوطن ومجده

في كل أمة عظيمة، تتجلى أسمى معاني العز والشرف حين تخلّد أسماء أولئك الذين ضحّوا بأرواحهم فداءً لوطنهم. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يبرز “يوم الشهيد” كأحد أبرز المحطات الوطنية التي تجسد قيم الولاء، والانتماء، والتضحية. إنه يوم تتوقف فيه الإمارات لتقرأ من جديد سيرة رجال كتبوا التاريخ بدمائهم، وسطروا ببطولاتهم مجداً لن تنساه الأجيال. ففي هذا اليوم، لا يعبّر الإماراتيون عن الحزن فقط، بل يفخرون بتضحيات أبنائهم الذين غرسوا في الأرض بذور الأمن، ورفعوا راية الوطن عالية خفاقة.

يُحتفل بيوم الشهيد الإماراتي في 30 نوفمبر من كل عام، بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة الراحل، عام 2015، ليكون هذا التاريخ يوماً وطنياً لتخليد ذكرى شهداء الإمارات الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن الوطن، سواء داخل البلاد أو خارجها، في ساحات الشرف والواجب الإنساني والعسكري.

الخلفية التاريخية والتأسيس الوطني

يعود اختيار 30 نوفمبر كتاريخ لهذا اليوم إلى أول شهيد إماراتي، الشرطي سالم سهيل خميس، الذي استشهد أثناء مقاومته قوات الاحتلال الإيراني في جزيرة طنب الكبرى عام 1971، قبل قيام الاتحاد بيومين فقط. وقد مثّلت هذه الحادثة أول بذرة للبطولة الإماراتية التي تجذّرت فيما بعد في جينات الجنود والضباط ورجال الأمن والدبلوماسيين وكل من قدّم روحه دفاعاً عن الإمارات أو عن رسالتها الإنسانية في الخارج.

وجاء اعتماد يوم الشهيد ليشكل محطة وطنية جديدة، تعزز الذاكرة الجمعية للمجتمع الإماراتي، وتعيد التأكيد على التزام القيادة السياسية بتكريم أرواح الشهداء وذويهم، وبناء مجتمع لا ينسى رجاله الأوفياء.

الدلالات الرمزية والوطنية ليوم الشهيد

يوم الشهيد ليس مجرد مناسبة وطنية عابرة، بل هو مناسبة تكتنز بالرموز والمعاني الوطنية العميقة. فهو تجسيد لمبدأ التضحية في سبيل الوطن، واستدعاء دائم لقيمة العطاء، وهو أيضًا تجسيد لعقيدة الدولة القائمة على الوفاء لمن بذل النفس والروح. ففي هذا اليوم تتوحد مشاعر القيادة والشعب، وتُعلَن رسائل واضحة مفادها أن الإمارات لا تنسى أبناءها، وأن الدم الذي سُفك دفاعاً عن الكرامة الوطنية هو دم خالد لا يندثر أثره بمرور الزمن.

وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية، تأتي هذه الذكرى لتعزز صلابة الموقف الإماراتي من القضايا العادلة، ولمواقفه في ميادين القتال، كجزء من التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، أو في المهمات الإنسانية في مناطق الأزمات. الشهداء في كل هذه الساحات، هم عنوان الصدق في المواقف، وهم المرايا العاكسة لقيم الإمارات في التضحية والوفاء والإنسانية.

مراسم الاحتفال والفعاليات الوطنية

تبدأ مراسم يوم الشهيد بتنكيس العلم في تمام الساعة 8:00 صباحاً في جميع مؤسسات الدولة، ثم يُرفع العلم عند الساعة 11:30 صباحاً، تتبعه دقيقة دعاء صامت عند الساعة 11:30 لتُخصّص لاستحضار أرواح الشهداء والدعاء لهم. وتتعدد بعدها الفعاليات في المدارس، والجامعات، والمؤسسات الحكومية والخاصة، وتشمل الندوات الثقافية، والأنشطة التوعوية، والمعارض الفنية، والعروض الوثائقية، التي تستعرض قصص الشهداء وتضحياتهم.

وتشارك القوات المسلحة في هذه الفعاليات من خلال تنظيم استعراضات عسكرية، وزيارات إلى أسر الشهداء، وتكريمهم، فيما تعج وسائل الإعلام المحلية بتقارير وملفات خاصة تستعرض البطولات وتسلط الضوء على أسر الشهداء الذين يمثلون النموذج الأعلى في التضحية والعطاء.

شهداء الإمارات… رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

إن سجل الشهداء الإماراتيين مليء بالأسماء التي صنعت الفرق في مواقف مصيرية من تاريخ الدولة. بدءاً من الشهيد الأول سالم سهيل، مروراً بالشهداء الذين ارتقوا خلال مشاركتهم في عملية “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” في اليمن، إلى أولئك الذين استشهدوا خلال المهمات الإنسانية في أفغانستان، والذين استشهدوا في هجمات إرهابية أثناء أداء مهامهم الدبلوماسية، كما حدث في القنصلية الإماراتية في قندهار عام 2017.

هؤلاء الشهداء لم يكونوا فقط جنوداً في الميدان، بل كانوا حملة راية القيم الإماراتية في الخارج، ومجسدين لسياسة الدولة التي تؤمن بأن الأمن لا يمكن أن يُبنى إلا بجهود الأوفياء الذين لا يبخلون بأرواحهم.

أسر الشهداء… وسام على صدر الوطن

تولي دولة الإمارات رعاية استثنائية لأسر الشهداء، وذلك عبر “مكتب شؤون أسر الشهداء” الذي أُنشئ في عام 2015 بأمر من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، عندما كان ولياً للعهد في أبوظبي. ويتولى المكتب مسؤولية متابعة شؤون أسر الشهداء وضمان حصولهم على الرعاية والدعم المادي والمعنوي، بما يشمل السكن والتعليم والرعاية الصحية.

هذه الرعاية لا تأتي فقط من باب الواجب المؤسسي، بل تنبع من قناعة راسخة لدى القيادة بأن أسر الشهداء هم امتداد لبطولات أبنائهم، وأنهم يستحقون كل أشكال الدعم والاعتزاز والتكريم. فالشهيد لا يرحل من ذاكرة الوطن، بل يعيش في شرايينه، عبر أمه، وأبيه، وزوجه، وأطفاله.

القيم التربوية والتوعوية ليوم الشهيد

يشكل يوم الشهيد مناسبة لتنشئة الأجيال الجديدة على قيم الولاء والانتماء والتضحية. إذ تحرص المؤسسات التعليمية على تحويل هذا اليوم إلى منصة تربوية تغرس في نفوس الطلبة معنى حب الوطن، وأهمية الدفاع عنه، وتحفزهم على إدراك أن الحرية والأمان ليستا مكتسبات مجانية، بل هما ثمار تضحيات جسام قدمها رجال صدقوا في حبهم للوطن.

ويؤدي الإعلام الإماراتي دوراً محورياً في هذا السياق، من خلال تسليط الضوء على قصص الشهداء بلغة إنسانية عميقة، وبالاعتماد على سرد وثائقي يضع أمام الجمهور صورة واقعية لما يعنيه أن يكون المرء شهيداً للوطن، ويعزز هذا المحتوى الإنساني من الترابط الوجداني بين المجتمع والرموز الوطنية.

الإمارات ومفهوم الشهادة في السياسة الخارجية

تميزت السياسة الخارجية الإماراتية بدمج البعد الإنساني في مواقفها الدولية، وقد ساهم الشهداء في تجسيد هذه السياسة على أرض الواقع. فقد استشهد عدد من الدبلوماسيين والعاملين في المجالات الخيرية والإنسانية في مناطق الصراع، مما يعكس أن الإمارات لا ترسل أبناءها فقط لحمل السلاح، بل أيضاً لحمل رسائل السلام والإغاثة والمساعدة.

وهذا البعد يجعل من الشهادة مفهوماً لا يقتصر على ساحة القتال فحسب، بل يشمل أيضاً ساحات الإعمار، والتنمية، والدبلوماسية. ولهذا السبب، فإن دولة الإمارات تنظر إلى شهدائها باعتبارهم سفراء لقيمها، وأبطالاً للمبادئ التي تأسست عليها الدولة.

الجدول التالي يوضح أبرز شهداء الإمارات حسب ميادين الاستشهاد

الذاكرة الوطنية والبنية التحتية للوفاء

تحرص دولة الإمارات على تخليد ذكرى الشهداء من خلال إنشاء المعالم والنصب التذكارية، ومن أبرزها “واحة الكرامة” في أبوظبي، والتي تضم نصباً تذكارياً يحمل أسماء جميع الشهداء، إلى جانب “قاعة الذكرى” التي تُعرض فيها مآثرهم عبر صور ومجسمات وشهادات. ويعتبر هذا المكان محطة دائمة لزيارة الوفود الرسمية والزوار الدوليين، يعكس مكانة الشهداء في الوجدان الإماراتي.

الختام: الوفاء الدائم والتاريخ الخالد

إن يوم الشهيد في دولة الإمارات هو أكثر من مجرد مناسبة وطنية، إنه عهد دائم يتجدد كل عام، بأن تبقى تضحيات الشهداء محفورة في قلب الأمة، وأن يستمر الوطن في الوفاء لمن قدموا أرواحهم دفاعاً عن سيادته ومبادئه. وفي ظل قيادة تؤمن بأن الإنسان هو أعظم ما تملكه الأوطان، فإن ذكراهم تبقى نبراساً ينير دروب المستقبل، ويعزز البناء الوطني في كل مراحله.

المراجع

1. الموقع الرسمي لحكومة الإمارات: https://u.ae

2. وكالة أنباء الإمارات (وام): https://www.wam.ae