انخفاض درجة حرارة الجسم عند الأطفال: دراسة شاملة

انخفاض درجة حرارة الجسم عند الأطفال يُعد من الحالات الطبية التي تستدعي اهتماماً خاصاً، نظرًا لحساسية أجسام الأطفال وصعوبة تحملها للتغيرات الحرارية مقارنةً بالبالغين. يعد التوازن الحراري في جسم الإنسان أحد الجوانب الحيوية للحفاظ على وظائف الأعضاء المختلفة، وأي اضطراب في هذا التوازن قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة. يتناول هذا المقال بالتفصيل تعريف انخفاض درجة حرارة الجسم عند الأطفال، أسبابه، أعراضه، التشخيص، طرق العلاج، وأهمية الوقاية، مع التركيز على الجوانب العلمية والطبية التي تساعد على فهم الظاهرة بشكل معمق.

تعريف انخفاض درجة حرارة الجسم

انخفاض درجة حرارة الجسم (Hypothermia) هو حالة طبية يحدث فيها انخفاض غير طبيعي في درجة حرارة الجسم الأساسية، التي تبلغ عادةً حوالي 36.5-37.5 درجة مئوية. عندما تنخفض درجة حرارة الجسم الأساسية إلى أقل من 35 درجة مئوية، يبدأ الجسم بفقدان قدرته على تنظيم حرارته، مما يؤدي إلى تباطؤ الوظائف الحيوية.

في الأطفال، يكون هذا الانخفاض أكثر خطورة بسبب ضعف أنظمة التنظيم الحراري لديهم، خاصة في حديثي الولادة والرضع. درجة حرارة الجسم المنخفضة قد تؤثر على العمليات الكيميائية الحيوية والوظائف العصبية، مما قد يؤدي إلى مضاعفات شديدة تصل إلى الوفاة إذا لم يتم التدخل بشكل سريع وفعال.

أسباب انخفاض درجة حرارة الجسم عند الأطفال

يمكن تقسيم أسباب انخفاض حرارة الجسم عند الأطفال إلى عدة فئات رئيسية تشمل:

1. التعرض للبرد الشديد

يعتبر التعرض المباشر للطقس البارد أو الماء البارد لفترات طويلة من أكثر الأسباب شيوعًا لانخفاض حرارة الجسم، خصوصًا في المناطق ذات المناخ البارد أو للأطفال الذين لا يرتدون ملابس مناسبة.

2. ضعف تنظيم الحرارة في الجسم

أطفال حديثي الولادة والرضع لديهم قدرة محدودة على تنظيم حرارة أجسامهم بسبب نقص الدهون تحت الجلد، وعدم اكتمال نمو الجهاز العصبي المركزي الذي يسيطر على التوازن الحراري.

3. الأمراض والحالات الطبية

• العدوى الشديدة مثل الالتهاب الرئوي أو التسمم الدموي قد تؤدي إلى هبوط حاد في درجة حرارة الجسم بدلاً من الحمى.

• الاضطرابات الأيضية كمرض السكري أو أمراض الغدة الدرقية التي تؤثر على سرعة التمثيل الغذائي.

• مشاكل في الجهاز العصبي المركزي، كإصابات الرأس أو الاضطرابات التي تؤثر على مراكز التحكم الحراري في الدماغ.

4. العوامل البيئية والحياتية

• عدم توفر ملابس دافئة أو بيئة مناسبة خاصة للأطفال حديثي الولادة.

• الرضاعة غير الكافية التي قد تؤدي إلى نقص التغذية وضعف مقاومة الجسم للبرد.

5. الأسباب النادرة

• بعض الأدوية أو السموم التي قد تؤثر على الجهاز العصبي أو الأيض الحراري.

• التعرض لإصابات شديدة أو الجراحة التي تؤثر على درجة حرارة الجسم.

الفسيولوجيا المرضية لانخفاض حرارة الجسم عند الأطفال

عندما تنخفض درجة حرارة الجسم إلى أقل من المعدل الطبيعي، يبدأ الجسم في إظهار استجابات فيزيولوجية عدة لمحاولة تعويض هذا الانخفاض:

• تضييق الأوعية الدموية في الأطراف للحفاظ على الحرارة في الأعضاء الحيوية.

• زيادة إنتاج الحرارة من خلال ارتعاش العضلات.

• تباطؤ العمليات الأيضية لتقليل فقدان الطاقة.

لكن عند استمرار الانخفاض، تفقد هذه الآليات فعاليتها، وينخفض معدل ضربات القلب والتنفس، وتضعف الوظائف العصبية مما يؤدي إلى ضعف الوعي، توقف الجهاز التنفسي، وفشل في وظائف الأعضاء.

أعراض انخفاض حرارة الجسم عند الأطفال

تختلف أعراض انخفاض حرارة الجسم بحسب درجة الانخفاض وشدة الحالة، وتنقسم إلى درجات:

1. انخفاض حرارة الجسم الطفيف (35-32 درجة مئوية)

• برودة الجلد خاصة في الأطراف.

• رعشة متكررة وارتعاش عضلي.

• شحوب أو زرقة في الشفتين والأطراف.

• زيادة التهيج أو النعاس.

2. انخفاض حرارة الجسم المتوسط (32-28 درجة مئوية)

• ضعف ملحوظ في العضلات.

• بطء في نبض القلب والتنفس.

• انخفاض الوعي أو التهيج الشديد.

• ارتخاء العضلات وصعوبة في الحركة.

3. انخفاض حرارة الجسم الحاد (أقل من 28 درجة مئوية)

• فقدان الوعي الكامل.

• توقف التنفس أو ضربات القلب.

• توسع حدقة العين وعدم استجابة لتهيجات الضوء.

• خطر عالي للوفاة إذا لم يتم التعامل فوراً.

تشخيص انخفاض حرارة الجسم عند الأطفال

تشخيص انخفاض حرارة الجسم يعتمد على الفحص السريري وقياس درجة الحرارة باستخدام أجهزة دقيقة مثل المقياس الإلكتروني أو المقياس الشرياني. يجب الانتباه إلى دقة القياس خاصة عند الأطفال الصغار، حيث قد تتطلب الحالة استخدام أجهزة قياس خاصة أو طرق غير تقليدية مثل القياس المستقيمي أو في الأذن.

بالإضافة إلى ذلك، يعتمد التشخيص على:

• التاريخ المرضي والتعرض للبرد.

• فحص علامات الحياة الحيوية مثل النبض، التنفس، وضغط الدم.

• التقييم العصبي لمعرفة مستوى الوعي.

• إجراء فحوصات مخبرية لاستبعاد الأسباب الأخرى مثل العدوى أو اضطرابات الأيض.

علاج انخفاض حرارة الجسم عند الأطفال

العلاج يعتمد على سرعة التدخل ودرجة انخفاض حرارة الجسم، ويتمثل في:

1. الإنعاش الحراري التدريجي

• إزالة الطفل من مصدر البرد ووضعه في بيئة دافئة وجافة.

• تدفئة الجسم تدريجياً بواسطة البطانيات الحرارية، أغطية دافئة، وأجهزة التدفئة الخارجية.

• تجنب التدفئة السريعة جداً لتفادي حدوث اضطرابات في الدورة الدموية قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة.

2. الرعاية الطبية الفورية

• مراقبة الوظائف الحيوية بشكل مستمر.

• إعطاء الأوكسجين إذا كان هناك صعوبة في التنفس.

• في الحالات الشديدة، قد يتطلب الأمر تدخلاً في المستشفى مع تدفئة داخلية مثل استخدام المحاليل الدافئة أو أجهزة التدفئة القلبية الرئوية.

• علاج الأسباب المصاحبة، مثل العدوى أو الاضطرابات الأيضية.

3. الوقاية من المضاعفات

• تجنب الحركات العنيفة أو المفاجئة للطفل، لأنها قد تحفز عدم انتظام ضربات القلب.

• متابعة دقيقة للمؤشرات الحيوية ومستوى الوعي.

مضاعفات انخفاض حرارة الجسم عند الأطفال

عدم علاج انخفاض حرارة الجسم بشكل سريع وفعال قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها:

• عدم انتظام ضربات القلب، والذي قد يصل إلى توقف القلب.

• الفشل التنفسي بسبب تأثير البرد على عضلات التنفس.

• تلف الأعضاء الحيوية نتيجة نقص الأكسجين وضعف الدورة الدموية.

• تلف الدماغ بسبب انخفاض التروية وتأثر العمليات العصبية.

• الوفاة في الحالات الشديدة أو المتأخرة.

الوقاية من انخفاض حرارة الجسم عند الأطفال

الوقاية تعتبر العامل الأساسي للحد من مخاطر انخفاض حرارة الجسم، وخاصة في الأطفال حديثي الولادة والرضع الذين يعتمدون كليًا على البيئة المحيطة بهم.

تدابير وقائية رئيسية تشمل:

• توفير بيئة دافئة ومستقرة حراريًا خاصة في أشهر الشتاء.

• ارتداء الملابس المناسبة التي تحافظ على حرارة الجسم دون التسبب في التعرق الزائد.

• المراقبة المستمرة للأطفال حديثي الولادة داخل المستشفيات أو المنزل.

• التغذية السليمة التي تعزز مقاومة الجسم للبرد.

• تجنب التعرض المطول للماء البارد أو الهواء البارد.

• التوعية الأسرية حول علامات انخفاض حرارة الجسم وأهمية التدخل المبكر.

جدول يوضح درجات انخفاض حرارة الجسم وأعراضها

الخاتمة

انخفاض درجة حرارة الجسم عند الأطفال من الحالات الطبية الحرجة التي تستوجب فهماً عميقاً ودقة في التعامل. الأطفال لديهم قابلية عالية لفقدان حرارة الجسم بسبب ضعف آليات التنظيم الحراري لديهم، ما يجعل التعرف المبكر على الأعراض واتخاذ إجراءات العلاج السريعة أمراً حيوياً للحفاظ على حياتهم. الوقاية تعد الخطوة الأهم، بدءًا من توفير بيئة دافئة ومناسبة والتغذية الجيدة إلى التوعية المستمرة للعائلات حول مخاطر البرد وتأثيره على صحة الأطفال. إن المعرفة الدقيقة بالأسباب، الأعراض، وطرق العلاج تضمن تقليل المضاعفات وتوفير رعاية صحية متكاملة للأطفال في مختلف الظروف.

المصادر والمراجع

1. Rudolph’s Pediatrics, 23rd Edition, 2021, Elsevier.

2. American Academy of Pediatrics (AAP) – Hypothermia in Children Guidelines, 2023.