ما يقال في عزاء الميت
الموت حقيقة كونية لا مفر منها، وموقف العزاء من أكثر المواقف حساسية وتأثيرًا في النفس البشرية، لما فيه من مشاعر الفقد، والتعاطف، والرحمة، والدعاء. ولذلك حرص الإسلام على أن يكون لهذا الموقف أدب خاص، وكلمات معينة تجمع بين التعزية والمواساة، والدعاء للميت، والتخفيف عن أهل المصاب، بما لا يخالف أحكام الشرع ولا يخلّ بمقام الحزن والاحترام.
في هذا المقال نغوص في أعماق ما يقال في عزاء الميت من أقوال مأثورة، وأدعية شرعية، وتعابير لغوية مألوفة في التراثين العربي والإسلامي، مع بيان مناسبتها ومقاصدها، ودورها في ترسيخ قيم التعاطف والسكينة والصبر بين الناس.
مفهوم العزاء في الثقافة الإسلامية
العزاء في اللغة مشتق من “العزاء” الذي يعني الصبر، ومنه قولهم: “أعزاه الله”، أي ألهمه الصبر على المصيبة. أما في الاصطلاح الشرعي، فالعزاء هو تسلية أهل المصاب بعبارات لطيفة تتضمن التذكير بثواب الصابرين، والدعاء للميت، والدعاء لأهله، بقصد تخفيف ألم الفقد وتعزيز الصبر والرضا بقضاء الله.
وقد أجمع العلماء على أن تعزية أهل الميت سنة مستحبة، لما فيها من مواساة وتعاون على البر والتقوى، وتخفيف لألم المصاب، وتجسيد لمعاني الأخوة الإسلامية.
أقوال مأثورة ومألوفة تقال في العزاء
الناس يتفاوتون في تعبيرهم عن الحزن والتعزية، لكن هناك مجموعة من العبارات التي جرت بها العادة، وانتشرت بين المسلمين جيلاً بعد جيل، وهي عبارات تحمل معاني التسليم بقضاء الله، والدعاء للميت، والدعاء بالصبر لأهله. ومن هذه الأقوال:
1. “البقاء لله”
عبارة موجزة تُقال لتذكير أهل الميت بأن الخلود لله وحده، وأن الفقد سنة الحياة، وأن ما عند الله خير وأبقى. وتُقال غالبًا في مقدمة العزاء.
2. “إنا لله وإنا إليه راجعون”
وهي الآية الكريمة من سورة البقرة، قال تعالى:
﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
[البقرة: 156]
وتُعد هذه الجملة أعظم ما يقال في العزاء، لأنها تجمع بين الاعتراف بملك الله للإنسان، والرجوع إليه بعد الموت، وهي إعلان للرضا بقضائه وقدره.
3. “أعظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، وغفر لميتكم”
وهي من أبلغ عبارات التعزية، لأنها تدعو للأهل بالصبر والثواب، وللميت بالمغفرة والرحمة. وقد وردت هذه الصيغة عن جمع من العلماء والتابعين.
4. “رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته”
دعاء للميت بالرحمة والمغفرة، وتمني أن ينال أعلى درجات الجنة، وهي من أكثر العبارات تكرارًا في العزاء.
5. “لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبروا ولتحتسبوا”
وهذا القول مأخوذ من حديث نبوي شريف رواه البخاري ومسلم، قال فيه النبي ﷺ لابنته حين فقدت ولدها:
“إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب”.
وتُقال هذه العبارة عند تعزية من فقد ولدًا أو قريبًا، لما فيها من تذكير بالتسليم والاحتساب.
أدعية تقال عند العزاء
الدعاء هو جوهر العزاء، فالمؤمن حين يعزي أخاه إنما يواسيه بالتضرع لله، ويسأل الله الرحمة والغفران للميت، والسكينة لأهله، ومن الأدعية المأثورة:
-
“اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد”
هذا الدعاء من أشهر ما ورد عن النبي ﷺ في الدعاء للميت، وقد رواه مسلم في صحيحه. -
“اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار”
دعاء مأثور بين المسلمين يُقال بإلحاح لما فيه من الرجاء بأن يكون الميت في نعيم دائم. -
“اللهم ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، ولا تفتنهم بعده، ولا تحرمهم أجره”
دعاء يُقال في مجلس العزاء أو أثناء مكالمة تعزية. -
“اللهم اجعل خير أيامه يوم يلقاك، وثبته عند السؤال، واجعل الجنة مأواه، والنبي شفيعه”
الرد على التعزية
في كثير من المجتمعات الإسلامية، اعتاد أهل الميت الرد على من يعزيهم بكلمات تعكس الرضا بقضاء الله، والشكر على المواساة، ومن أشهر الردود:
-
“شكر الله سعيكم”
-
“جزاكم الله خيرًا”
-
“إنّا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله على كل حال”
-
“لا أراكم الله مكروهًا في عزيز لديكم”
عبارات مألوفة حسب اختلاف السياق
العزاء قد يُقدّم حضوريًا أو هاتفيًا أو عبر وسائل التواصل الحديثة، وفي كل سياق تتناسب معه عبارات معينة، ومن أبرزها:
| السياق | العبارة المناسبة |
|---|---|
| في مجلس العزاء | “أعظم الله أجركم”، “غفر الله له وأسكنه فسيح جناته” |
| عبر الهاتف | “أحسن الله عزاءكم، وبارك الله في بقائكم” |
| عبر الرسائل المكتوبة | “نسأل الله أن يتغمد فقيدكم برحمته، ويلهمكم الصبر والسلوان” |
| عند التعزية بعد انتهاء الدفن | “البقاء لله وحده، جعل الله قبره روضة من رياض الجنة” |
ما يُكره قوله في العزاء
في الوقت الذي يشجع فيه الإسلام على حسن التعزية، فقد نهى عن بعض الأقوال التي لا تليق بالمقام، مثل:
-
“فلان لا يستحق الموت” أو “ما كان وقته”: وهذه عبارات فيها اعتراض على قضاء الله وقدره.
-
المبالغة في النياحة والبكاء بالصراخ واللطم: وهو مما نهى عنه الشرع صراحة.
-
استحضار الذنوب والمعاصي علنًا: فهذا يُعد من سوء الأدب، ويفتح أبواب الغيبة والنميمة.
-
“عقبال عندكم” أو “دورنا قريب”: عبارات مزعجة وتُعد من سوء التقدير.
الأثر النفسي والروحي للكلام الطيب في العزاء
الكلمة الطيبة في لحظة الحزن لها وقع عظيم على القلوب. فعندما يجد أهل المصاب من يواسيهم بكلمة رقراقة، أو دعاء صادق، أو تذكرة عميقة، فإن ذلك يُسهم في تخفيف وجع الفقد، ويُشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم في هذا البلاء.
ولذلك فإن واجب المسلم تجاه أخيه أن يُحسن اختيار كلماته، وألا يكرر عبارات مجاملة باردة، بل أن يُشرك قلبه مع لسانه، وأن يكون الدعاء نابعًا من إحساس حقيقي بالمواساة، لا أداء واجب اجتماعي فقط.
العزاء في السنة النبوية وسيرة الصحابة
كان النبي ﷺ يُعزي الصحابة في مصابهم بكلمات بليغة تحمل روح النبوة، ويواسيهم بذكر الآخرة، والدعاء للميت. وقد وردت عنه عدة أحاديث في هذا الباب، منها ما رواه أسامة بن زيد في وفاة ابنة النبي ﷺ، وكذلك موقفه مع أم سلمة حين فقدت زوجها.
وكان الصحابة كذلك يحرصون على العزاء المباشر، ويجتهدون في تقديم الكلمة الحسنة، دون مبالغة أو تكلف.
خاتمة (دون طرح سؤال)
إن ما يقال في عزاء الميت يعكس مدى ترابط المجتمع الإسلامي وتراحمه في الشدائد، ويؤكد مكانة الكلمة الطيبة والدعاء في إحياء القلوب، وتسكين الأحزان، وفتح أبواب الأجر والثواب. وكلما كان الكلام نابعًا من الإيمان، ومرتبطًا بالكتاب والسنة، كلما كان أدعى للقبول والطمأنينة. فالكلمة في عزاء الميت ليست مجرد ألفاظ تُقال، بل هي عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله، وخدمة يقدمها لأخيه المكلوم، وأثرٌ يبقى في القلوب بعد أن يهدأ ضجيج الحزن.
المراجع:
-
النووي، رياض الصالحين، باب التعزية.
-
ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري.
