دول المحيط المتجمد الجنوبي

المحيط المتجمد الجنوبي، المعروف أيضاً باسم المحيط الجنوبي أو “Southern Ocean”، هو رابع أكبر محيط في العالم ويمثل الحلقة المائية التي تحيط بالقارة القطبية الجنوبية “أنتاركتيكا”. يمتاز هذا المحيط بخصوصيته الجغرافية والبيئية، حيث يشكل نظاماً بحرياً فريداً من نوعه يؤثر على مناخ الأرض وتوازنها البيئي. يُعد المحيط المتجمد الجنوبي من أبرد المحيطات وأكثرها عزلة من حيث النشاط البشري، ومع ذلك، فهو يلعب دوراً محورياً في الدورة الحرارية العالمية ونقل التيارات البحرية والكتل الهوائية الباردة والدافئة.

على الرغم من طبيعته المتجمدة وقساوة ظروفه المناخية، توجد عدة دول تقع على تخوم هذا المحيط أو تطل عليه جغرافياً عبر سواحلها الجنوبية، وتلك الدول تعتبر الأقرب إلى المحيط المتجمد الجنوبي ولها أهمية استراتيجية وعلمية في تلك المنطقة. هذا المقال يستعرض تلك الدول بموقعها الجغرافي، أهميتها البحرية، وأدوارها في الأبحاث العلمية وحماية النظام البيئي للمحيط الجنوبي.

نبذة عن المحيط المتجمد الجنوبي

يقع المحيط المتجمد الجنوبي حول القارة القطبية الجنوبية، ويمتد من خط العرض 60 درجة جنوباً حتى سواحل أنتاركتيكا. يُعترف به كمحيط مستقل من قِبل المنظمة الهيدروغرافية الدولية منذ عام 2000، ويتميز بتيار دائري قوي يعرف بـ”التيار القطبي الجنوبي المحيطي” (Antarctic Circumpolar Current) الذي يدور من الغرب إلى الشرق حول القارة القطبية، ويفصل بين المياه الباردة الجنوبية والمياه الأكثر دفئاً الشمالية. هذا التيار يلعب دوراً مركزياً في تنظيم حرارة المحيطات وتوزيع المغذيات والملوحة.

الدول المطلة على المحيط المتجمد الجنوبي

1. الأرجنتين

تُعد الأرجنتين من أقرب الدول إلى المحيط المتجمد الجنوبي، حيث تمتد أراضيها الجنوبية إلى مقاطعة تييرا ديل فويغو التي تشكل بوابة طبيعية إلى هذا المحيط عبر قناة بيغل ومضيق دريك. وتدّعي الأرجنتين السيادة على جزء من أنتاركتيكا فيما يُعرف بـ”الأرجنتين القطبية”. للأرجنتين وجود علمي نشط في المحيط الجنوبي حيث تدير عدة محطات أبحاث مثل “محطة كارليني”.

2. تشيلي

تمتد تشيلي جنوباً إلى منطقة ماغالانيس وجزرها المحاذية للقارة القطبية، وتطل على المحيط المتجمد الجنوبي عبر رأس هورن. مثل الأرجنتين، تطالب تشيلي بجزء من القارة القطبية وتدير محطات أبحاث ومراكز علمية. كما أن أسطولها البحري يتواجد بانتظام في مياه الجنوب لدعم البعثات العلمية وتأمين المنطقة.

3. نيوزيلندا

تقع نيوزيلندا في أقصى جنوب غرب المحيط الهادئ، وتعتبر من الدول الرئيسية المطلة على المحيط المتجمد الجنوبي. تحظى بواجهة بحرية ممتدة تطل على مياهه عبر جزيرتها الجنوبية ومناطق مثل “إنفركارغيل”. ولها ارتباط طويل الأمد بالبحوث القطبية، حيث تُستخدم مدينة كرايستشيرش كقاعدة انطلاق لبعثات دولية نحو أنتاركتيكا.

4. أستراليا

تُعتبر أستراليا من أكبر الدول المطلة على المحيط الجنوبي من جهة الشمال، حيث تمتد سواحلها الجنوبية بالكامل بمحاذاته، ابتداءً من ولاية أستراليا الغربية إلى ولاية فيكتوريا وتسمانيا. لأستراليا مصالح استراتيجية وعلمية كبيرة في المحيط المتجمد الجنوبي، حيث تدير عدة محطات علمية في أنتاركتيكا، كما تدّعي سيادتها على “القطاع الأسترالي من أنتاركتيكا”.

5. جنوب أفريقيا

تطل جنوب أفريقيا على المحيط الجنوبي من جهة الجنوب الشرقي لرأس الرجاء الصالح، وتمثل نقطة التقاء بين المحيطين الأطلسي والهندي. بالرغم من بعد موقعها النسبي عن القارة القطبية، إلا أنها تُعد بوابة مهمة نحو المحيط الجنوبي. تستضيف مدينة كيب تاون بعثات علمية كثيرة موجهة إلى القارة القطبية، كما تدير جنوب أفريقيا محطات بحثية مثل “ساناي IV”.

دول ذات مصالح علمية وجيوسياسية في المحيط المتجمد الجنوبي

إلى جانب الدول الخمس الرئيسية المطلة مباشرة على المحيط، توجد دول أخرى لها مصالح علمية وبحثية قوية في تلك المنطقة، نظراً لمشاركتها في “نظام معاهدة أنتاركتيكا”، والتي تنص على استخدام القارة القطبية الجنوبية للأغراض السلمية والعلمية فقط. تشمل هذه الدول:

• الولايات المتحدة الأمريكية

• المملكة المتحدة

• فرنسا

• روسيا

• النرويج

• الصين

• اليابان

• ألمانيا

جميع هذه الدول تشارك في الأبحاث البحرية والبيئية في المحيط الجنوبي عبر إرسال بعثات ومراقبة التغيرات المناخية العالمية.

الجدول التالي يوضح الدول المطلة مباشرة على المحيط المتجمد الجنوبي ومجالات نشاطها:

الأهمية البيئية للمحيط المتجمد الجنوبي

يُعد هذا المحيط مهداً لحياة بحرية نادرة وفريدة من نوعها تشمل أنواعاً مثل الحيتان الزرقاء، طيور البطريق الإمبراطورية، فقمات وطحالب بحرية ضخمة. وقد تم تصنيفه كموقع بيئي حساس بموجب اتفاقيات دولية مثل بروتوكول مدريد الملحق بمعاهدة أنتاركتيكا.

كما أن المحيط الجنوبي يعمل بمثابة “مضخة كربون طبيعية”، إذ يمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الجو، مما يجعله عنصراً أساسياً في تنظيم الاحتباس الحراري. وتشير الدراسات إلى أن أي تغيرات في تياراته المائية أو ملوحته قد تؤثر بشكل كبير على مناخ كوكب الأرض بأكمله.

النزاعات الجيوسياسية والاتفاقيات الدولية

رغم أن معاهدة أنتاركتيكا تمنع أي مطالبات سيادية جديدة أو نشاط عسكري، إلا أن هناك تنافساً غير معلن بين بعض الدول على النفوذ في المنطقة، خصوصاً مع ذوبان الجليد وظهور موارد جديدة محتملة كالمعادن والنفط. لذلك تتزايد أهمية دور المنظمات البيئية والمجتمع الدولي في حماية هذه البيئة الهشة.

المعاهدة، التي تم توقيعها في 1959 ودخلت حيز التنفيذ عام 1961، تمثل الإطار القانوني الوحيد الذي ينظم استخدام القارة والمحيط المحيط بها، وتشارك فيها أكثر من 50 دولة.

مراكز الأبحاث ومحطات المراقبة

تدير الدول المطلة على المحيط المتجمد الجنوبي عشرات محطات البحث العلمي التي تعمل على مدار السنة، وتجري فيها بحوث تتعلق بالغلاف الجوي، طبقات الجليد، التيارات البحرية، التنوع البيولوجي، وآثار تغير المناخ. هذه المراكز تمثل حجر الزاوية في الفهم العلمي للأنظمة البيئية الأرضية.

أمثلة على محطات الأبحاث:

• محطة كارليني (الأرجنتين)

• محطة إسكوديرو (تشيلي)

• محطة سكوت (نيوزيلندا)

• محطة ديفيس (أستراليا)

• محطة ساناي IV (جنوب أفريقيا)

الدور الاستراتيجي للمحيط في المستقبل

مع التغيرات المناخية المتسارعة، يزداد التركيز الدولي على المحيط الجنوبي باعتباره “مؤشراً بيئياً” حساساً يمكن أن يساعد في التنبؤ بتطورات مناخية خطيرة. كما يتوقع أن تزداد الأبحاث الموجهة لاستخراج الطاقة من مصادر بديلة هناك مثل التيارات البحرية والرياح.

الخلاصة

الدول المطلة على المحيط المتجمد الجنوبي تلعب أدواراً محورية في الحفاظ على هذا النظام البيئي الفريد، سواء من خلال جهودها العلمية أو عبر التعاون الدولي. ومع تصاعد التحديات البيئية والسياسية في العقود القادمة، ستبقى هذه الدول في طليعة الحراك العالمي نحو فهم أعمق واستدامة أفضل للمحيط الجنوبي وما يحيط به من نظم بيئية واقتصادية.

المراجع:

• International Hydrographic Organization (IHO)

• Antarctic Treaty System Documentation

• Australian Antarctic Division

• British Antarctic Survey

• Scientific Committee on Antarctic Research (SCAR)

• National Snow and Ice Data Center (NSIDC)

• تقارير هيئة الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)