أفضل الأعمال في شهر رمضان

مقدمة

شهر رمضان هو شهر عظيم يحتل مكانة متميزة في قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو فرصة ربانية يتجدد فيها الإيمان وتتضاعف فيها الحسنات وتُرفع فيها الدرجات. في هذا الشهر الكريم تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين، وهو موسم الطاعات والقربات الذي يتسابق فيه المؤمنون لنيل رضا الله سبحانه وتعالى. ولهذا فإن معرفة أفضل الأعمال التي يمكن أداؤها في رمضان يعتبر من الأمور الأساسية التي تعين المسلم على استثمار هذه الأيام المباركة لتحقيق أعلى درجات القرب من الله.

الصيام: ركن الشهر وأعظم العبادات

الصيام هو العمل الأبرز والأعظم في شهر رمضان، فقد فرضه الله على عباده كفريضة من أركان الإسلام الخمسة. الصيام في معناه الشرعي هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، مع النية الخالصة لوجه الله. لكنه يتجاوز الامتناع عن الطعام والشراب ليشمل الامتناع عن كل ما يغضب الله من الأقوال والأفعال.

وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصيام جُنة، أي وقاية من النار ومن الذنوب، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى جزاء الصائم بنفسه كما ورد في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”. وهذا يدل على عظمة هذه العبادة وعلو مكانتها.

الصيام ليس فقط امتناعاً عن المحرمات الظاهرة بل هو تربية للنفس على الصبر والطاعة وكف الجوارح عن المعاصي. فالصيام الحقيقي يشمل صيام العين عن النظر إلى المحرمات، وصيام اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب، وصيام الأذن عن سماع الباطل، وصيام القلب عن الحقد والحسد.

قيام الليل وصلاة التراويح

من أعظم القربات التي يمكن للمسلم أن يحرص عليها في شهر رمضان هي قيام الليل، وخاصة صلاة التراويح التي يؤديها المسلمون جماعة بعد صلاة العشاء. وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان فقال: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”.

قيام الليل في رمضان له فضل خاص، وهو فرصة لتذوق لذة المناجاة والوقوف بين يدي الله في سكينة الليل. كما أن صلاة التراويح جماعة فيها إحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاون على البر والتقوى وشحذ للهمم في أداء العبادات. ولمن وُفّق لقيام الليل مع التدبر والخشوع حظ وافر من فضل الله ورحمته.

ولا يتوقف فضل قيام الليل على صلاة التراويح فحسب، بل يشمل كذلك التهجد في الثلث الأخير من الليل، وهو وقت التنزل الإلهي حيث ينادي رب العزة عباده: “هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟”.

تلاوة القرآن الكريم وختمه

شهر رمضان هو شهر القرآن، فقد قال الله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”. لذلك كان السلف الصالح يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان، وكان بعضهم يختم القرآن مرات عديدة خلال الشهر المبارك.

تلاوة القرآن في رمضان ليست مجرد قراءة بل هي تلاوة بتدبر وخشوع ومحاولة لفهم المعاني والعمل بما فيها. ولعل ختم القرآن مرة أو أكثر في هذا الشهر هدف ينبغي أن يضعه المسلم نصب عينيه. كما يُستحب تخصيص أوقات يومية ثابتة لقراءة القرآن، سواء بعد الصلوات المفروضة أو في أوقات السحر أو بعد الفجر.

كما أن الاستماع إلى القرآن من القراء المجيدين في المساجد أثناء صلاة التراويح له أثر بالغ في ترقيق القلب وزيادة الخشوع.

الصدقة والجود والإحسان

شهر رمضان هو شهر الجود والكرم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.

الصدقة في رمضان لها أجر مضاعف وهي وسيلة لتطهير النفس من الشح والبخل وللتقرب إلى الله من خلال الإحسان إلى الآخرين. وتتعدد صور الصدقة في رمضان: فمنها إطعام الطعام، ومنها تفطير الصائمين، ومنها إعانة المحتاجين وسد ديون الغارمين، ومنها التصدق على الأيتام والأرامل.

وقد خصّ النبي صلى الله عليه وسلم تفطير الصائمين بفضل عظيم حيث قال: “من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”، ما يدل على عظيم الأجر الذي يناله المسلم حين يشارك في إفطار الصائمين.

الجدير بالذكر أن الصدقة لا تقتصر على المال بل تشمل كذلك الكلمة الطيبة والابتسامة والمساعدة البدنية وغيرها من أوجه البر.

الاعتكاف في العشر الأواخر

الاعتكاف من السنن المؤكدة التي كان يحرص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان. وهو انقطاع المسلم في المسجد للتفرغ للعبادة والتقرب إلى الله وترك مشاغل الدنيا.

الاعتكاف فرصة ذهبية لتصفية القلب وتجديد الإيمان والابتعاد عن الملهيات، وهو من أحب الأعمال التي ترفع العبد درجات عند الله. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف كل رمضان، واعتكف في العام الذي توفي فيه عشرين يوماً.

خلال الاعتكاف يكثر المسلم من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء ويجتهد في تحري ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

الاجتهاد في الدعاء

الدعاء عبادة جليلة أمر الله بها وضمن للمسلم استجابتها، وقد خصّ الله شهر رمضان بأنه من أفضل أوقات استجابة الدعاء، وخاصة عند الإفطار وفي أوقات السحر.

ومن الأدعية المستحبة في رمضان الدعاء بالمغفرة والرحمة والعتق من النار، وكذلك الإلحاح في طلب الخير في الدنيا والآخرة. والدعاء أثناء الصيام له منزلة عظيمة، وقد ورد في الحديث أن “للصائم دعوة لا ترد”.

ويستحب الإكثار من الأدعية المأثورة والجامعة التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم مع تحري مواطن الإجابة كآخر الليل وبين الأذان والإقامة وعند نزول المطر.

الإكثار من الذكر والاستغفار

الذكر هو غذاء الروح وراحة القلب وسبب لطمأنينة النفس، وفي رمضان يتأكد استحضار اللسان لذكر الله في كل وقت، كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار.

من أفضل الأذكار التي ينبغي الإكثار منها في رمضان: “سبحان الله”، “الحمد لله”، “لا إله إلا الله”، “الله أكبر”، “أستغفر الله”، “لا حول ولا قوة إلا بالله”، مع المحافظة على الأذكار المأثورة في الصباح والمساء.

كما أن الاستغفار له فضل خاص في رمضان فهو من أسباب المغفرة ورفع الدرجات وزيادة الرزق ودفع البلاء.

بر الوالدين وصلة الأرحام

شهر رمضان هو مناسبة عظيمة لتوثيق الروابط العائلية وإحياء قيم البر وصلة الرحم. ففي هذا الشهر تزداد الألفة بين الأقارب ويتسامح الناس وتتصافى القلوب.

صلة الرحم من أعظم القربات التي تقرب العبد من ربه، ولها أثر مباشر في زيادة البركة وطول العمر. ومن صور صلة الرحم زيارة الأقارب، السؤال عنهم، تقديم المساعدة للمحتاجين منهم، وإقامة موائد الإفطار الجماعية.

كما أن بر الوالدين في رمضان من أعظم ما يرفع الدرجات ويكفر السيئات، ويشمل ذلك حسن المعاملة، وخفض الصوت، وتقديم المساعدة، وإدخال السرور على قلوبهم.

الجد والاجتهاد في العشر الأواخر

العشر الأواخر من رمضان لها خصوصية كبيرة في العبادة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.

في هذه الأيام يتحرى المسلم ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من الدعاء في العشر الأواخر وخاصة بدعاء: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.

الاجتهاد في هذه الليالي يكون بالإكثار من الصلاة وقراءة القرآن والاعتكاف والإكثار من الذكر والدعاء.

الإحسان إلى الجيران

رمضان فرصة لتعزيز العلاقات الطيبة مع الجيران، وقد أوصى الإسلام بالإحسان إليهم وأكد على ذلك في نصوص كثيرة. ومن صور الإحسان إلى الجيران في رمضان تبادل الطعام، المشاركة في الإفطار، تقديم الهدايا الرمضانية، وتفقد أحوالهم.

الإحسان إلى الجيران يعزز روح التآخي والتكافل الاجتماعي ويجعل المجتمع أكثر ترابطاً وأقرب إلى تحقيق مقاصد الإسلام الاجتماعية.

الجدول التفصيلي لأفضل الأعمال في رمضان

الخاتمة

الأعمال الصالحة في شهر رمضان كثيرة ومتنوعة، وهي فرصة عظيمة للمسلم ليتقرب من الله بكل وسيلة مشروعة. على المسلم أن يستثمر كل لحظة في هذا الشهر المبارك وأن يسعى لتعمير أوقاته بالطاعات، فإن هذا الشهر هو ميدان السباق إلى الخيرات، ومن وفق فيه فقد فاز فوزاً عظيماً.

المصادر

• صحيح البخاري

• صحيح مسلم