أهم أعمال أحمد زويل: رائد الفيمتوثانية ومجدد علوم الكيمياء والفيزياء

ولد العالم المصري أحمد زويل في 26 فبراير 1946 بمدينة دمنهور، ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ. درس العلوم الكيميائية في جامعة الإسكندرية وتخرج منها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ثم حصل على درجة الماجستير في الكيمياء. بعدها انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته، حيث نال درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا، ثم التحق للعمل كباحث في جامعة كاليفورنيا (بيركلي) ومن ثم أستاذاً في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك). بزغ نجم أحمد زويل في العالم العلمي حين أحدث ثورة غير مسبوقة في دراسة التفاعلات الكيميائية في الزمن الفائق القصر، وهو ما يُعرف بمجال “كيمياء الفيمتوثانية”. حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، ليكون بذلك أول عالم عربي مسلم ينال هذه الجائزة في مجال العلوم.

ريادة أحمد زويل في مجال الفيمتوثانية

ما هي الفيمتوثانية؟

الفيمتوثانية (Femtosecond) هي وحدة زمنية تعادل جزءاً من مليون مليار من الثانية (10^-15 ثانية). لقد ظلت التفاعلات الكيميائية والفيزيائية حتى نهاية القرن العشرين بعيدة عن الرصد المباشر في هذا النطاق الزمني بالغ القِصر، إذ كانت الأدوات المتاحة حينها تتيح رصداً في نطاق النانوثانية (10^-9 ثانية) على أقصى تقدير. لكن زويل، باستخدام تقنيات ليزر متقدمة، استطاع أن يطور كاميرا بالغة السرعة، قادرة على التقاط “صور” للتفاعلات الكيميائية في نطاق الفيمتوثانية.

اختراع كاميرا الفيمتوثانية

في عام 1987، أعلن زويل وفريقه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عن اختراع ما عُرف بـ”كاميرا الفيمتوثانية”، والتي تستخدم ومضات ليزرية قصيرة للغاية لالتقاط لحظات التفاعل بين الجزيئات الذرية. هذه التقنية سمحت لأول مرة في تاريخ العلوم برؤية كيفية تكوُّن أو تحطُّم الروابط الكيميائية لحظة بلحظة، في زمن لم يكن بالإمكان مراقبته من قبل.

أهمية هذا الاكتشاف

بفضل كاميرا الفيمتوثانية، تمكن العلماء من دراسة ميكانيكيات التفاعلات الكيميائية بدقة غير مسبوقة، مما فتح الباب أمام تطوير مواد جديدة وتطبيقات دقيقة في مجالات متعددة مثل الكيمياء الحيوية، الفيزياء، علوم المواد، التكنولوجيا الحيوية، والصناعات الدوائية. وتُعد هذه التقنية أساساً في فهم العمليات الحيوية مثل انقسام الخلايا، التفاعلات داخل الحمض النووي، وانتقال الإشارات العصبية.

أهم إسهامات أحمد زويل العلمية والتقنية

1. تطوير تقنيات الليزر المتقدمة

سعى زويل إلى تحسين أدوات الرصد الطيفي عبر تطوير أنظمة ليزرية قادرة على العمل في نطاقات زمنية مختلفة. فقد ساهم في توسيع مجال استخدام الليزر من مجرد أداة للقطع أو القياس إلى أداة بحثية قادرة على كشف التفاصيل الدقيقة للجزيئات أثناء التفاعل.

2. تأسيس مجال “الفيمتوكيمياء” (Femtochemistry)

لم يكن مصطلح “فيمتوكيمياء” معروفاً في الأدبيات العلمية قبل أحمد زويل. وقد أصبح هذا الفرع فرعاً مستقلاً من الكيمياء يُدرّس في الجامعات ويجري فيه أبحاث متقدمة تتناول التفاعلات الكيميائية على نطاق زمني فائق الصغر. وهذا ما أهله لنيل جائزة نوبل، إذ اعتبرته الأكاديمية السويدية قد أسس علماً جديداً.

3. وضع الأساس لتطبيقات متعددة في الطب والبيولوجيا

من خلال رصد التفاعلات الجزيئية في الفيمتوثانية، أصبحت تقنيات الفيمتوكيمياء مرجعية في فهم آليات عمل الإنزيمات، البروتينات، وحتى التفاعلات داخل الخلايا الحية. هذه المعرفة تُستخدم اليوم في تطوير أدوية أكثر فعالية وأقل ضرراً، وتساهم في فهم العمليات المرضية مثل الطفرات الجينية والأمراض التنكسية.

4. إسهاماته في علم النانو

رغم أن شهرته ارتبطت بالفيمتوثانية، فإن زويل كان له إسهام ملحوظ في دعم البحوث النانوية، حيث دعا إلى دمج تقنيات النانو مع الفيمتوثانية للوصول إلى مستوى غير مسبوق من دقة التحكم في المادة. وقد نشر أبحاثاً تناولت التداخل بين الظواهر النانوية والعمليات الفيمتوزمنية، وهو ما أدى إلى تأسيس ما يمكن تسميته “فيمنانو تكنولوچي”.

5. قيادة مشروعات علمية كبرى

أشرف أحمد زويل على عشرات المشاريع البحثية، وكان موجهاً لأجيال من العلماء في معهد كالتك. وقد قاد مشروعاً متكاملاً لرصد التفاعلات الكيميائية باستخدام تقنيات ليزرية متقدمة، وحرص على بناء شراكات مع مختبرات في أوروبا وآسيا لتعزيز التعاون الدولي في مجال الأبحاث.

الجوائز والتكريمات العالمية

نال أحمد زويل أكثر من 100 جائزة وميدالية وشهادة دكتوراه فخرية من مختلف المؤسسات الأكاديمية والعلمية، وأهم هذه الجوائز:

الإنتاج العلمي والنشر

ألف أحمد زويل العديد من الكتب والمقالات العلمية، منها كتب موجهة للجمهور العام وأخرى مخصصة للأوساط الأكاديمية. من أشهر كتبه:

• عصر العلم: كتاب يتناول فيه سيرته الذاتية ومجموعة من الأفكار العلمية والفلسفية، وهو من أكثر الكتب مبيعاً في الوطن العربي.

• الزمن والتغيير: يناقش فيه العلاقة بين تطور العلوم وتغيير المجتمعات.

• الطريق إلى نوبل: مراجعة لتجربته العلمية منذ الدراسة حتى الفوز بجائزة نوبل.

كما نشر أكثر من 350 ورقة بحثية في مجلات علمية مرموقة مثل Nature، Science، وJournal of Chemical Physics، مما وضعه ضمن قائمة العلماء الأكثر تأثيراً في العقدين الأخيرين من القرن العشرين.

دوره في دعم التعليم والبحث العلمي في العالم العربي

تأسيس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا

أطلق أحمد زويل مشروعاً طموحاً لإنشاء مؤسسة علمية بحثية متكاملة في مصر تُعرف بـ”مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا”. يهدف هذا المشروع إلى إقامة مركز علمي عالمي على أرض مصر يحتوي على:

• جامعة للعلوم والتكنولوجيا.

• مراكز بحثية متقدمة في مختلف المجالات.

• حاضنات للمشاريع التكنولوجية الناشئة.

• شراكات دولية مع مؤسسات أكاديمية مرموقة.

هذا المشروع، رغم ما واجهه من تحديات إدارية وتمويلية، ما زال يُعد من أكبر المبادرات التعليمية في العالم العربي، ويُنتظر أن يكون له أثر بعيد المدى في تعزيز القدرات العلمية لمصر والمنطقة.

المساهمة في تطوير المناهج ودعم الابتكار

دعا أحمد زويل في كثير من لقاءاته ومحاضراته إلى إصلاح جذري في مناهج التعليم في الدول العربية، مع التركيز على مهارات التفكير النقدي، البحث العلمي، التجريب، والابتكار. كما عمل على دعم مبادرات تعليمية تهدف إلى اكتشاف الموهوبين وتشجيعهم منذ سن مبكرة.

المواقف السياسية والاجتماعية

رغم أن زويل كان عالماً في المقام الأول، إلا أنه لم ينعزل عن القضايا السياسية والاجتماعية التي تعني وطنه الأم. فقد أبدى مواقف واضحة خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011، داعياً إلى بناء دولة حديثة قائمة على العلم والديمقراطية. ورفض تولي مناصب سياسية تنفيذية، مفضلاً أن يكون مستشاراً علمياً أو مرجعاً وطنياً مستقلاً.

إرث أحمد زويل العلمي والإنساني

أحمد زويل لم يكن مجرد عالم نال جائزة نوبل، بل كان نموذجاً للمثقف العالمي المرتبط بجذوره، والمؤمن بأن العلم هو المفتاح الحقيقي لتقدم الشعوب. لقد نقل مركز الثقل العلمي من الغرب إلى العرب ولو للحظة، مؤكداً أن العقل العربي قادر على الإنجاز العالمي إذا توفرت له بيئة علمية عادلة ومحفّزة.

ورحل عن عالمنا في 2 أغسطس 2016، تاركاً وراءه إرثاً علمياً عظيماً، ومؤسسات لا تزال تتابع نهجه، وأجيالاً من الباحثين والعلماء يسيرون على دربه.

المصادر

• Ahmed H. Zewail, Femtochemistry: Atomic-Scale Dynamics of the Chemical Bond, World Scientific Publishing, 1994.

• الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، بيان جائزة نوبل في الكيمياء 1999، nobelprize.org.