أعراض القرحة: دراسة شاملة وموسعة

تُعد القرحة من الحالات الطبية التي تؤثر على الجهاز الهضمي بشكل رئيسي، وتنتج عن تآكل في جدار المعدة أو الأمعاء الدقيقة، وهو ما يؤدي إلى ظهور أعراض متعددة قد تتفاوت في شدتها بحسب موقع القرحة وحجمها وسببها. يمكن تصنيف القرحة بشكل رئيسي إلى قرحة المعدة وقرحة الإثني عشر (الاثني عشر هو الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة)، وتشترك الحالتان في أعراض عديدة، رغم وجود بعض الفروقات التي قد تساعد في التفريق بينهما.

تعتبر معرفة الأعراض الأساسية والمصاحبة للقرحة خطوة مهمة في التشخيص المبكر والتعامل الفعال مع المرض، إذ إن الإهمال أو التأخير في العلاج قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل النزيف، والثقوب في جدار المعدة أو الأمعاء، مما يستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً.

ما هي القرحة؟

القرحة الهضمية هي تقرح أو جرح مفتوح يتشكل في الغشاء المخاطي المبطن للمعدة أو الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة. هذا الغشاء يقوم عادة بحماية جدار المعدة من الأحماض والإنزيمات الهضمية، ولكن عندما تتعرض هذه الطبقة للحطام أو التلف، تتشكل القرحة، مما يؤدي إلى ظهور الألم والأعراض المصاحبة. أسباب ظهور القرحة متعددة، منها الإصابة ببكتيريا الملوية البوابية (Helicobacter pylori)، استخدام الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين والأسبرين، والتوتر النفسي، وبعض العوامل الغذائية.

الأعراض الرئيسية للقرحة

1. ألم البطن

يُعتبر ألم البطن العرض الأكثر شيوعاً ووضوحاً لدى مرضى القرحة، ويتمركز غالباً في المنطقة العلوية من البطن، وتحديداً تحت عظمة الصدر بقليل (المنطقة المعروفة بمنطقة “الجزء العلوي من البطن” أو منطقة “البواب”). يصف المرضى الألم عادة بأنه حارق أو نابض، وقد يظهر بشكل متقطع أو مستمر.

يتفاوت الألم حسب نوع القرحة، ففي قرحة الإثني عشر، يزداد الألم بعد مرور فترة من الأكل، حيث يشعر المريض بتحسن نسبي بعد تناول الطعام، إذ يقوم الطعام بتخفيف حدة الحموضة التي تهيج القرحة. أما في قرحة المعدة، فقد يزداد الألم بعد الأكل بسبب تحفيز إفراز الحمض المعدي.

2. الغثيان والقيء

تعاني نسبة كبيرة من مرضى القرحة من الغثيان، والذي قد يتطور أحياناً إلى قيء، ويحدث هذا نتيجة التهيج المستمر لجدار المعدة أو الأمعاء. قد يحتوي القيء على مواد دموية في حالات النزيف من القرحة، وهو عرض يستدعي مراجعة طبية عاجلة.

3. فقدان الشهية وفقدان الوزن

ينتج فقدان الشهية عادة عن الألم وعدم الراحة المستمرة في البطن، مما يدفع المرضى إلى تقليل تناول الطعام. هذا الانخفاض في كمية الطعام المتناول يسبب بدوره فقدان الوزن الملحوظ، وهو مؤشر مهم على تطور الحالة.

4. الانتفاخ والامتلاء

يعاني المصابون بالقرحة أحياناً من شعور بالامتلاء أو الانتفاخ بعد تناول كميات قليلة من الطعام، وهذا يعود إلى اضطراب الهضم الناتج عن القرحة وتأثيرها على حركة المعدة.

5. الحموضة وحرقة المعدة

تُعد الحموضة وحرقة المعدة من الأعراض الشائعة المصاحبة للقرحة، إذ يحدث ارتجاع الحمض المعدي إلى المريء مسببا إحساساً بالحرقة في الجزء السفلي من الصدر. وهذا العرض غالباً ما يتزامن مع الألم البطني أو يزداد سوءاً في أوقات معينة، مثل الليل أو بعد تناول أطعمة معينة.

الأعراض الخطيرة والمضاعفات

1. النزيف الهضمي

تعتبر النزيف من أخطر مضاعفات القرحة، وقد يظهر على شكل دم في القيء (ويسمى قيء دموي أو “القهوة المطحونة”)، أو دم في البراز، مما يؤدي إلى براز داكن أو أسود اللون (براز قتلي أو ميلينا). هذا النزيف قد يسبب فقر دم حاد، ويحتاج إلى علاج فوري لتجنب فقدان الدم الشديد.

2. اختراق القرحة (الثقوب)

في بعض الحالات المتقدمة، قد تخترق القرحة جدار المعدة أو الأمعاء، مما يؤدي إلى تسرب محتويات الجهاز الهضمي إلى التجويف البطني، وهذا يسبب التهاباً خطيراً يعرف بالتهاب الصفاق (Peritonitis)، وهو حالة طبية طارئة تهدد حياة المريض.

3. انسداد الجهاز الهضمي

تسبب الالتهابات والندبات الناتجة عن القرحة تضيقاً في مخرج المعدة أو الإثني عشر، مما يعيق مرور الطعام ويسبب تقيؤاً مستمراً مع فقدان الوزن.

الأعراض وفق نوع القرحة

التشخيص وعلاقته بالأعراض

تُستخدم الأعراض كدليل أولي عند الطبيب لتوجيه الفحوصات اللازمة، حيث يعتمد التشخيص على عدة طرق تشمل:

• التنظير الداخلي (Endoscopy): الفحص المباشر لجدار المعدة والأمعاء للكشف عن القرحة ودرجة التلف.

• اختبارات بكتيريا الملوية البوابية: عن طريق فحص الدم، التنفس، أو عينة من المعدة.

• أشعة الباريوم: تستخدم للكشف عن التشوهات في المعدة والأمعاء، لكنها أقل دقة من التنظير.

دقة التشخيص تتحسن كثيراً عند الربط بين الأعراض الظاهرة والتاريخ الطبي للمريض، خصوصاً وجود عوامل خطورة مثل التدخين، استخدام مضادات الالتهاب، أو الإصابة السابقة.

عوامل تؤثر في ظهور الأعراض

• التدخين: يزيد من حدة الأعراض ويبطئ من عملية الشفاء.

• تناول الكحول: يهيج الغشاء المخاطي للمعدة مما يزيد الألم والغثيان.

• التوتر النفسي: يلعب دوراً في زيادة إفراز الأحماض المعدية، ويفاقم الأعراض.

• الأدوية: خاصة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، تزيد من خطر القرحة وتفاقم الأعراض.

الخلاصة

الأعراض المرتبطة بالقرحة تتنوع بين الألم الحارق في منطقة البطن، الغثيان والقيء، فقدان الشهية والوزن، والحرقة المعدية. بالرغم من أن هذه الأعراض قد تبدو بسيطة أو شائعة، إلا أن استمرارها أو اشتدادها يشير إلى ضرورة التدخل الطبي السريع لمنع المضاعفات الخطيرة. تشخيص القرحة يعتمد بشكل كبير على التعرف الدقيق لهذه الأعراض، وكذلك الفحص الطبي المتخصص مثل التنظير الداخلي، مما يتيح فرصة علاج فعال يقلل من مخاطر النزيف والانسداد والاختراق.

الالتزام بالعلاج الموصوف من قبل الطبيب، مع تعديل نمط الحياة والابتعاد عن العوامل المهيجة مثل التدخين والكحول، يُعد من الخطوات الأساسية لتحسين الأعراض وضمان الشفاء الكامل.

المصادر:

1. Graham DY. Peptic ulcer disease. In: Goldman L, Schafer AI, editors. Goldman-Cecil Medicine. 25th ed. Philadelphia: Elsevier; 2016.

2. Malfertheiner P, et al. Management of Helicobacter pylori infection—the Maastricht V/Florence Consensus Report. Gut. 2017;66(1):6-30.