السيلفي والنرجسية: علاقة نفسية

سايكولوجيا التقاط صور السيلفي وعلاقتها بالنرجسية وداء العظمة

في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبح التقاط صور السيلفي ظاهرة شائعة تمثل جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفراد اليومية. هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على مجرد توثيق لحظات مرحة أو عفوية، بل تطورت لتصبح أداة للتعبير عن الهوية الشخصية، والتفاعل الاجتماعي، ووسيلة للتواصل مع الأصدقاء والمتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي. إلا أن هذه الظاهرة تحمل في طياتها أبعاداً نفسية معقدة، تتراوح بين النرجسية، والبحث المستمر عن التأكيد الاجتماعي، وصولاً إلى داء العظمة.

1. السيلفي: أكثر من مجرد صورة

قد يبدو لأول وهلة أن صورة السيلفي هي مجرد لحظة عابرة يتم فيها التقاط صورة شخصية باستخدام الهاتف المحمول أو الكاميرا. لكن مع تطور استخدام السيلفي عبر منصات مثل إنستغرام وفيسبوك، بدأ الباحثون النفسيون في دراسة هذا الظاهرة وفحص آثارها النفسية على الأفراد. وجدت الدراسات أن العديد من الأشخاص لا يلتقطون السيلفي من أجل التوثيق البسيط لحدث ما، بل كوسيلة لفرض حضورهم على الجمهور، للحصول على إعجاب الآخرين، وزيادة الشعور بالقيمة الذاتية.

2. السيلفي والنرجسية

النرجسية هي مصطلح نفسي يشير إلى حب الشخص المفرط لذاته واهتمامه الزائد بمظهره الخارجي. يرتبط هذا المصطلح بشكل وثيق بسلوكيات معينة، مثل الاستعراض المتكرر للصور الشخصية، ومحاولة لفت الأنظار والبحث المستمر عن التعزيز الاجتماعي من خلال الثناء على الجمال أو النجاح أو الإنجازات الشخصية.

يشير الباحثون إلى أن استخدام صور السيلفي يمكن أن يكون تعبيراً عن النرجسية في بعض الأحيان، حيث يسعى الأفراد إلى خلق صورة مثالية لأنفسهم. في كثير من الأحيان، يتم اختيار الزوايا الأكثر إغراءً لتسليط الضوء على معالم الجمال وتغطية العيوب الظاهرة، وهو ما يعكس رغبة في التلاعب بالصورة الذاتية التي يراها الجمهور. بعض الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يلتقطون صور سيلفي بشكل مفرط يظهرون مستوى عالٍ من النرجسية ويحتاجون بشكل مستمر إلى التأكيد على صورتهم الذاتية من خلال الإعجابات والتعليقات الإيجابية على منصات التواصل الاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك، تؤكد بعض الدراسات أن المبالغة في التقاط السيلفي قد ترتبط بمستويات أعلى من القلق الاجتماعي، حيث يسعى هؤلاء الأفراد إلى تعزيز شعورهم بالثقة بالنفس عن طريق نشر الصور التي قد يتلقون من خلالها مدحاً وإعجاباً من الآخرين.

3. السيلفي وداء العظمة

داء العظمة هو اضطراب نفسي يتسم بالاعتقاد المبالغ فيه بقدرات الشخص أو قيمته الذاتية. يرتبط هذا الاضطراب عادةً بالبحث عن الاهتمام المستمر من الآخرين، والتفاخر بالإنجازات، وتوقع التقدير المستمر دون تقديم جهود موازية.

ارتبطت ظاهرة السيلفي بداء العظمة في بعض الدراسات النفسية، حيث يظهر الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب رغبة مفرطة في التأكيد على تفوقهم وفرادتهم. في هذا السياق، يصبح التقاط السيلفي وسيلة لزيادة الوضوح الاجتماعي للذات، والظهور بشكل دائم أمام الجمهور، وهو ما يعزز من فكرة العظمة والتفوق الشخصي. هؤلاء الأشخاص غالباً ما يسعون إلى تصوير أنفسهم في مواقف تبرز قوتهم أو جمالهم أو نجاحاتهم المهنية، معتقدين أن هذا سيمكنهم من الحصول على إعجاب وتقدير الآخرين، مما يعزز من مشاعر العظمة لديهم.

علاوة على ذلك، يعتبر البعض أن التقاط صور سيلفي يمكن أن يكون علامة على اضطرابات في الصورة الذاتية، خاصة في حالات المرضى الذين يعانون من داء العظمة. هؤلاء الأفراد يسعون إلى عرض أنفسهم بشكل دائم في حالة مثالية، معتقدين أن اهتمام الآخرين بهم يمنحهم القيمة والوجود الاجتماعي الذي يرغبون فيه.

4. السيلفي والتأثيرات النفسية والاجتماعية

تشير العديد من الدراسات إلى أن التقاط صور السيلفي بشكل مفرط قد يكون له تأثيرات نفسية عميقة على الأفراد، تتراوح من تعزيز الثقة بالنفس إلى زيادة مستويات القلق الاجتماعي. في بعض الحالات، يمكن أن يعزز السيلفي الشعور بالقيمة الذاتية، خاصة عندما يتلقى الشخص إعجاباً واسعاً من الآخرين. ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي السيلفي إلى مشاعر الإحباط أو القلق في حال عدم الحصول على نفس التفاعل أو الردود التي تم توقعها.

في دراسة أجرتها جامعة نيويورك، تم فحص التأثيرات النفسية للصور الشخصية على الأفراد الذين يشاركون بانتظام صور سيلفي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تبين أن هؤلاء الأفراد يميلون إلى الشعور بمستويات أعلى من القلق، ويعانون من توترات نفسية متزايدة بسبب التوقعات الاجتماعية والتحديات المتعلقة بالصورة الذاتية. كما أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يتعرضون لتقدير اجتماعي كبير من خلال الإعجابات والتعليقات يمكن أن يطوروا حساسية مفرطة تجاه النقد أو قلة الاهتمام.

من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي هذه الظاهرة إلى اضطراب في العلاقات الاجتماعية. الأشخاص الذين يعتمدون بشكل مفرط على صور السيلفي للحصول على التقدير قد يجدون صعوبة في التواصل بشكل عميق وصادق مع الآخرين، حيث يركزون أكثر على الانطباع العام بدلاً من بناء علاقات حقيقية.

5. السيلفي والعلاقات الشخصية

إن المبالغة في التقاط السيلفي يمكن أن تؤثر سلباً على العلاقات الشخصية. في بعض الأحيان، يمكن أن يشعر الأصدقاء أو الشركاء العاطفيون بالإهمال أو اللامبالاة عندما يكون الشخص أكثر اهتماماً بالتقاط صورة شخصية بدلاً من التفاعل مع الآخرين في اللحظات المشتركة. تزداد هذه المشاعر عندما يلاحظ الآخرون أن الشخص الذي يلتقط الصور يسعى بشكل مفرط للفت الانتباه، مما يؤدي إلى مشاعر العزلة أو قلة التقدير.

6. تأثير السيلفي على الصحة النفسية

بينما يراه البعض أداة ممتعة للتسلية، يشير بعض الأطباء النفسيين إلى أن التقاط السيلفي قد يعكس حالة نفسية أعمق، حيث يعتبر البعض أن هناك صلة بين السيلفي واضطرابات مثل الاكتئاب والقلق الاجتماعي. في بعض الحالات، قد يُستخدم السيلفي كآلية دفاعية للتعامل مع مشاعر العزلة أو الانفصال عن الواقع، حيث يظن الفرد أن صورته المثالية على الإنترنت يمكن أن تعوض عن شعوره الداخلي بعدم الكفاءة أو الانتماء.

تشير بعض الدراسات إلى أن العيش في عالم من الصور المستمرة قد يساهم في خلق انعدام الثقة بالنفس، خاصة عندما يُقارن الشخص صورته الذاتية مع الصور المثالية التي يراها على الإنترنت. قد يؤدي ذلك إلى ظهور مشاكل مثل اضطراب صورة الجسد، حيث يشعر الأفراد بأنهم غير قادرين على التكيف مع المعايير الاجتماعية أو الجمالية التي فرضتها الثقافة الرقمية.

7. خاتمة

إن ظاهرة السيلفي، بما تحمله من أبعاد نفسية وثقافية، تتجاوز مجرد كونها وسيلة لتوثيق اللحظات أو الأحداث الشخصية. تتداخل هذه الظاهرة مع قضايا أعمق تتعلق بالنرجسية، ومرض العظمة، والشعور بالقيمة الذاتية. فبينما يمكن أن تكون صور السيلفي أداة للتفاعل الاجتماعي الإيجابي، فإنها في بعض الأحيان قد تؤدي إلى تعزيز الصور المشوهة عن الذات، وزيادة الوعي الزائد بالمظهر، مما يؤثر على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.