الصفات الواجبة في حق الله
إن الحديث عن صفات الله تعالى هو حديث ذو أهمية عظيمة في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض، المدبر لأمور الكون، المتفرد بالكمال والجلال. ولقد جاءت النصوص الشرعية، سواء من القرآن الكريم أو السنة النبوية، لتصف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، مما يدل على عظمة الله وكماله وعلو شأنه. في هذا المقال، سنعرض الصفات الواجبة في حق الله، والتي تشمل الصفات الذاتية والفعلية التي لا يجوز أن ينسب إلى الله غيرها.
1. الصفات الذاتية لله تعالى
الصفات الذاتية هي التي تثبت لله تعالى بذاته، وهي التي لا تتعلق بفعل أو بمؤثر خارجي. وهذه الصفات تميز الله عن خلقه وتثبت له الكمال المطلق. من أبرز هذه الصفات:
أ. الوجود
إن أولى الصفات التي يجب أن نؤمن بها هي صفة الوجود، إذ أن الله تعالى موجود بذاته، لا يحتاج إلى شيء ليُثبت وجوده، ولا يشبهه في ذلك شيء من مخلوقاته. الله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد كل شيء من العدم، وأثبت وجوده في القرآن الكريم في قوله تعالى: “اللَّهُ لَا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ” (آل عمران: 2).
ب. القدم
من صفات الله تعالى الثابتة في حقه هو القدم، بمعنى أنه سبحانه وتعالى ليس له بداية، بل هو الأوَّل الذي لا بداية له. لا يمكن للمخلوقات أن تسبقه في الزمن، فالله سبحانه وتعالى هو أول بلا بداية، كما ورد في الحديث الصحيح: “أنت الأول فليس قبلك شيء”.
ج. البقاء
من الصفات الثابتة لله تعالى صفة البقاء، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لا نهاية لوجوده، بل هو الذي يبقى أبداً دون أن يتغير أو يفنى. وتؤكد الآيات القرآنية هذا المعنى، حيث يقول الله تعالى: “كُلُّ مَن عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ” (الرحمن: 26-27).
د. المخالفة للحوادث
الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يشبهه شيء من مخلوقاته، سواء في ذاته أو في صفاته. فهو سبحانه وتعالى لا يتأثر بالعوامل الزمنية أو المكانية التي تطرأ على المخلوقات، ولا يخضع لأي تغيرات، بل هو دائم على ما هو عليه من كمال وعظمة.
2. الصفات الفعلية لله تعالى
الصفات الفعلية هي التي تتعلق بفعل الله تعالى ومشيئته، فهي صفات تُعبّر عن كيفية تصرف الله سبحانه وتعالى في الكون من خلق وإيجاد، وإحياء وإماتة، وهداية وابتلاء. ومن أبرز الصفات الفعلية لله تعالى:
أ. الخلق
الخلق هو من أعظم صفات الله الفعلية، وهو القدرة على إيجاد المخلوقات من العدم. الله تعالى هو الخالق الوحيد الذي يخلق ما يشاء ويحكم ما يريد. ويدل على هذه الصفة قوله تعالى: “اللَّهُ خَارِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ” (الحديد: 4).
ب. الرزق
الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزق الخلق جميعًا، ولا يجوز لأي مخلوق أن يكون صاحب الرزق إلا الله تعالى. وهو الذي بيده المقادير، يرزق من يشاء بغير حساب، كما ورد في قوله: “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينِ” (الذاريات: 58).
ج. الإحياء والإماتة
من الصفات الفعلية لله تعالى صفة الإحياء والإماتة، فهو الذي يحيي الموتى ويبعثهم من قبورهم، وهو الذي يميت الأحياء ويقضي على حياتهم. قال تعالى: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ” (الملك: 2). كما أنه يملك القدرة على إحياء الأرض بعد موتها، كما جاء في قوله تعالى: “وَاللَّهُ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ” (فاطر: 11).
د. الهدى والضلال
من الصفات الفعلية لله تعالى هو هداية الناس إلى صراطه المستقيم، وهو الذي يوفق عباده للخير والصلاح. كما أنه يضل من يشاء عن سبيله إذا أراد بذلك، وهو الحكيم العليم. قال الله تعالى: “إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَحْدِي مَن يَشَاءُ” (القصص: 56).
3. الصفات الثابتة في القرآن والسنة
الصفات الواجبة في حق الله تعالى هي التي ثبتت في القرآن الكريم والسنة النبوية. من هذه الصفات:
أ. السمع والبصر
الله سبحانه وتعالى يملك السمع والبصر الكاملين، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو على كل شيء شهيد. قال تعالى: “إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (النساء: 58).
ب. الكلام
الله تعالى يتكلم بما شاء من غير حاجة إلى لسان أو صوت. كلامه تعالى هو كلام قديم لا يشبه كلام البشر، فقد خاطب عباده بالوحي من خلال الأنبياء والرسل. قال الله تعالى: “وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا” (النساء: 164).
ج. الرحمة
من أسمائه الحسنى “الرحمن” و”الرحيم”، وهي صفة عظيمة تدل على عطفه وحنانه على عباده، وهو أرحم بهم من أنفسهم. قال تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (الأعراف: 156).
4. الصفات السلبية التي لا تجوز على الله
هناك صفات لا يجوز أن تنسب إلى الله تعالى، لأنها تتنافى مع كماله. من هذه الصفات:
أ. النقص
أي صفة تشير إلى العجز أو الحاجة، فالله تعالى منزه عن جميع أنواع النقص. لا يجوز أن يُنسب إلى الله العجز أو الضعف أو الفقر.
ب. الموت
الله تعالى منزه عن الموت والفناء، لأنه حي لا يموت. قال تعالى: “اللَّهُ لَا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ” (آل عمران: 2).
ج. التشبيه بالمخلوقات
الله سبحانه وتعالى لا يُشبهه شيء من مخلوقاته في ذاته أو في صفاته. قال تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” (الشورى: 11).
5. ضرورة الإيمان بهذه الصفات
الإيمان بالصفات الواجبة في حق الله تعالى هو جزء أساسي من العقيدة الإسلامية. يجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى متصف بكل ما يليق بكماله وجلاله، وأنه منزه عن كل نقص أو عيب. إن فهم هذه الصفات يعزز من إيمان المسلم ويزيده قربًا من الله تعالى، ويجعل قلبه مملوءًا بالخشية والتعظيم لله، ويشعر بالراحة والطمأنينة في توكلاته وحياته اليومية.
الخاتمة
إن صفات الله تعالى هي جوهر الإيمان الإسلامي، وهي جزء لا يتجزأ من التوحيد. على المسلم أن يتحلى بتفكر عميق في هذه الصفات، وأن يعي أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المدبر الذي لا يحتاج إلى مخلوقاته، بل هم الذين يحتاجون إليه.
