شرب الشاي الساخن والسرطان

شرب الشاي ساخناً يسبب السرطان

تعتبر عادة شرب الشاي من العادات الشائعة والمحببة لدى ملايين الأشخاص حول العالم، خصوصًا في الدول التي تحظى بثقافة عميقة في تحضير وتقديم الشاي. ورغم الفوائد الصحية العديدة التي يشتهر بها الشاي بأنواعه المختلفة، مثل الشاي الأخضر والأسود والأعشاب، إلا أن هناك اهتمامًا متزايدًا حول علاقة شرب الشاي الساخن جداً بالإصابة ببعض أنواع السرطان، خاصة سرطان المريء. هذا الموضوع يحمل أهمية كبيرة على صعيد الصحة العامة نظراً لانتشار هذه العادة الواسع وتأثيراتها المحتملة على الصحة.

طبيعة الشاي ودرجات حرارته

الشاي هو مشروب يتم إعداده بغلي أوراق نبات الكاميليا سينينسيس أو الأعشاب الأخرى في الماء الساخن، حيث تصل درجة حرارة الماء عند غليه إلى ما يقارب 100 درجة مئوية. عند شرب الشاي فور تحضيره، يكون ساخنًا جدًا، ما يتجاوز غالبًا 65 درجة مئوية. تشير الدراسات الحديثة إلى أن تناول مشروبات ساخنة تتجاوز هذه الدرجة بانتظام قد يسبب تهيجًا متكررًا للغشاء المبطن للمريء، وهو الأنبوب الذي يربط الحلق بالمعدة.

العلاقة بين حرارة الشاي والسرطان

ينتج سرطان المريء بشكل رئيسي عن تلف خلايا بطانة المريء، وهو ما قد يحدث بسبب عوامل متعددة منها التدخين، تناول الكحول، وبعض المواد الكيميائية. أما في حالة الشاي الساخن، فإن السبب الرئيسي يعود إلى تأثير الحرارة العالية نفسها التي تؤدي إلى إصابة الأنسجة بضرر متكرر ومستمر. هذا الضرر يؤدي إلى التهابات مزمنة، ومن ثم يمكن أن تتحول هذه الالتهابات إلى تغيرات خلوية غير طبيعية (تسمى التنسج أو التضخم الخلوي) تزيد من خطر تطور الخلايا السرطانية.

الدراسات العلمية التي أُجريت في مناطق متعددة مثل إيران، الصين، وبعض الدول العربية حيث استهلاك الشاي الساخن واسع الانتشار، أظهرت ارتفاع معدل الإصابة بسرطان المريء بين الأفراد الذين يشربون الشاي عند درجة حرارة عالية جدًا وبكميات كبيرة يوميًا. أظهرت هذه الدراسات أن الأشخاص الذين يتناولون الشاي الساخن جداً (أكثر من 65 درجة مئوية) يكونون أكثر عرضة للإصابة بسرطان المريء مقارنةً بأولئك الذين يشربون الشاي بدرجات حرارة أقل.

الآلية البيولوجية للإصابة

يمكن توضيح تأثير شرب الشاي الساخن على الأنسجة الحيوية من خلال عدة نقاط:

1. التلف الحراري للأنسجة: الحرارة العالية تسبب حروقًا دقيقة في الغشاء المخاطي للمريء، مما يؤدي إلى تلف الخلايا.

2. التهاب مزمن: الحروق المتكررة تسبب التهابات متواصلة تُضعف آلية تجديد الخلايا بشكل طبيعي.

3. تغيرات خلوية وتسرطن: الالتهابات المزمنة تؤدي إلى تغيرات في الخلايا تدعى بالتحول الخبيث، أي أن الخلايا تبدأ في النمو بشكل غير طبيعي خارج السيطرة.

4. تأثير العوامل البيئية: في كثير من الأحيان تتداخل هذه العوامل مع عوامل أخرى مثل التدخين وتناول الكحول، مما يزيد من احتمال الإصابة.

الفرق بين الشاي الساخن والعادي

من المهم التفريق بين شرب الشاي الساخن جداً الذي يزيد عن 65 درجة مئوية، وشرب الشاي في درجة حرارة معتدلة. في الحالة الثانية، لا توجد أدلة قوية تربط بين الشاي ومخاطر الإصابة بالسرطان. بالعكس، الشاي يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل البوليفينولات والكاتيشينات التي تساهم في حماية الجسم من أنواع مختلفة من السرطان وتحسين الصحة العامة.

أبحاث ودراسات حديثة

أحد أبرز الدراسات التي تناولت هذا الموضوع كانت في إطار منظمة الصحة العالمية (WHO) وهيئاتها الفرعية مثل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، حيث صنفت شرب المشروبات الساخنة جداً (بما في ذلك الشاي والقهوة والمشروبات الأخرى) ضمن العوامل المحتملة المسببة للسرطان (Group 2A: ربما مسرطن للبشر).

كما أجريت دراسات ميدانية في الصين، حيث تعد من أعلى الدول في استهلاك الشاي الساخن، وأظهرت نتائجها أن شرب الشاي عند درجة حرارة تتجاوز 65-70 درجة مئوية بشكل منتظم يزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء بنحو 90% مقارنة بمن يشربون المشروبات بدرجة حرارة أقل.

عوامل تؤثر على تأثير حرارة الشاي

هناك عدة عوامل تلعب دورًا في تأثير درجة حرارة الشاي على صحة المريء منها:

• كمية الشاي المستهلكة: الكميات الكبيرة من الشاي الساخن تزيد من تعرض الأنسجة للحرارة.

• تكرار الشرب: تكرار تناول الشاي الساخن خلال اليوم يزيد من فرصة حدوث تلف متكرر.

• مدة استهلاك هذه العادة: سنوات طويلة من تناول الشاي الساخن قد تتراكم فيها الأضرار.

• عوامل صحية أخرى: وجود أمراض أخرى في الجهاز الهضمي أو ضعف الجهاز المناعي قد يزيد من التأثير السلبي.

• نوع الشاي وطريقة التحضير: الشاي الأسود والأخضر قد يختلفان في خصائصهما الكيميائية، لكن تأثير الحرارة مرتبط أساسًا بدرجة الحرارة وليس بالنوع.

طرق الوقاية والتوصيات

للتقليل من خطر الإصابة بسرطان المريء الناتج عن شرب الشاي الساخن، يمكن اتباع عدة خطوات عملية:

• ترك الشاي ليبرد قليلاً بعد تحضيره قبل تناوله، بحيث لا تتجاوز درجة حرارته 60 درجة مئوية.

• شرب الشاي ببطء وعدم التسرع في تناوله لتجنب تعريض المريء لحرارة شديدة.

• تجنب شرب كميات كبيرة من الشاي الساخن في جلسة واحدة.

• الابتعاد عن العوامل الأخرى التي تزيد خطر الإصابة مثل التدخين والكحول.

• تناول نظام غذائي غني بالفواكه والخضروات التي تحتوي على مضادات أكسدة طبيعية تعزز من صحة الجهاز الهضمي.

دور التوعية الصحية

تأتي أهمية التوعية الصحية في تسليط الضوء على هذه المخاطر التي قد تبدو غير واضحة للكثيرين بسبب شيوع عادة شرب الشاي الساخن. برامج التوعية من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الصحية ضرورية لنشر المعلومات الصحيحة حول كيفية تناول الشاي بطريقة صحية وآمنة.

خلاصة

شرب الشاي من العادات الصحية المحببة لدى كثير من الناس، لكن الإفراط في تناوله ساخناً جداً يشكل خطراً محتملاً على صحة المريء، إذ تساهم الحرارة المرتفعة في تلف خلايا بطانة المريء مما قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان المريء على المدى الطويل. توازن درجة حرارة الشاي عند تناوله مع اتباع العادات الصحية الأخرى يُعد أمرًا جوهريًا في الوقاية من هذا الخطر. في الوقت نفسه، لا تفقد فوائد الشاي المتعددة إذا تم تناوله بطريقة صحيحة وبدرجات حرارة معتدلة.

جدول يوضح علاقة درجة حرارة الشاي بخطر الإصابة بسرطان المريء

مصادر ومراجع

1. International Agency for Research on Cancer (IARC). “IARC Monographs on the Evaluation of Carcinogenic Risks to Humans, Volume 116: Drinking Coffee, Mate, and Very Hot Beverages.” 2018.

2. Islami, F., et al. “Hot beverage drinking and esophageal cancer risk: a systematic review and meta-analysis.” International Journal of Cancer, 2019.

هذا المقال يقدم رؤية متعمقة حول علاقة شرب الشاي الساخن جداً بزيادة خطر الإصابة بسرطان المريء، مع التركيز على الآليات العلمية والتوصيات الوقائية، مما يجعله مادة متكاملة للباحثين والقراء المهتمين بالصحة العامة والوقاية من السرطان.