متى كانت ليلة الإسراء والمعراج؟

ليلة الإسراء والمعراج: تاريخها، أحداثها، وأبعادها الروحية والتشريعية

تُعدّ ليلة الإسراء والمعراج من أعظم الليالي في التاريخ الإسلامي، فهي معجزة ربانية عظيمة وقعت لرسول الله محمد ﷺ، وخلّدها القرآن الكريم في سورة الإسراء وسورة النجم. في هذه الليلة، اجتمع الزمان والمكان والمعنى في أرقى صور التكريم الإلهي لخاتم الأنبياء. وقد حملت هذه الليلة أبعادًا عقائدية وروحية وتشريعية تُعدّ مفصلية في مسيرة الرسالة الإسلامية. هذا المقال يتناول متى كانت هذه الليلة، والأحداث المرتبطة بها، وأهم معانيها في ضوء المصادر الإسلامية الموثوقة.

التحديد الزمني لليلة الإسراء والمعراج

لم يُحدد القرآن الكريم ولا السنة النبوية الصحيحة تاريخًا دقيقًا لوقوع حادثة الإسراء والمعراج، إلا أن علماء السيرة النبوية اجتهدوا في تحديد وقت تقريبي لها، استنادًا إلى تسلسل الأحداث في حياة النبي ﷺ. وقد تعددت الأقوال في ذلك، وأشهرها:

وبالرغم من عدم اتفاق العلماء على تاريخ دقيق، فإن الراجح أن ليلة الإسراء والمعراج وقعت قبل الهجرة إلى المدينة بنحو عام، أي في أواخر العهد المكي، وذلك بعد وفاة عمّه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها، في ما يُعرف بعام الحزن.

خلفية الأحداث قبل المعجزة

مرّ رسول الله ﷺ خلال السنة العاشرة من البعثة بمحن قاسية، فقد توفي عمّه أبو طالب، الذي كان سندًا له أمام قريش، ثم توفيت زوجه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت رفيقته في الدعوة والمؤازرة. بعد ذلك، ذهب النبي ﷺ إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام، فقابلهم بالصد والعدوان، حيث أغروا سفهاءهم فرموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين.

تلك المحن المتتالية مثّلت ذروة الابتلاء، فجاءت ليلة الإسراء والمعراج بمثابة تعزية ربانية ومواساة عظيمة، ورفعًا لمكانة النبي ﷺ، وتأهيلاً له للمرحلة المدنية المقبلة التي سيتحقق فيها انتشار الدعوة.

أحداث الإسراء والمعراج بالتفصيل

أولاً: الإسراء

الإسراء هو الانتقال المعجز لرسول الله ﷺ من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس، قال الله تعالى في مطلع سورة الإسراء:

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1]

ركب النبي ﷺ البراق، وهو دابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى بصره. وكان برفقة جبريل عليه السلام. وفي طريقه توقف في عدة مواضع، منها:

• المدينة المنورة (يثرب): صلى فيها ركعتين.

• طور سيناء: موضع تكليم الله لموسى عليه السلام.

• بيت لحم: حيث وُلد عيسى عليه السلام.

عند وصوله إلى المسجد الأقصى، دخل النبي ﷺ وصلّى فيه إمامًا بالأنبياء، وكان هذا إيذانًا بتسليم قيادة الرسالات الإلهية للنبي الخاتم.

ثانيًا: المعراج

بعد الإسراء، صعد النبي ﷺ إلى السماوات العُلا مع جبريل عليه السلام، فكان المعراج، وهو الصعود من الأرض إلى السماء، ومنها إلى سدرة المنتهى. وفي كل سماء، استقبله نبي من أنبياء الله:

• السماء الأولى: آدم عليه السلام.

• الثانية: عيسى ويحيى عليهما السلام.

• الثالثة: يوسف عليه السلام.

• الرابعة: إدريس عليه السلام.

• الخامسة: هارون عليه السلام.

• السادسة: موسى عليه السلام.

• السابعة: إبراهيم عليه السلام.

ثم وصل النبي ﷺ إلى سدرة المنتهى، وهي شجرة عظيمة عند منتهى السماوات، حيث لا يُتجاوزها مخلوق. وهناك أوحى الله إلى نبيه ما أوحى، وفرضت عليه الصلوات الخمس، التي كانت أول ما فُرض على الأمة الإسلامية من العبادات بالشكل المباشر دون واسطة.

معاني ودلالات ليلة الإسراء والمعراج

أولاً: إثبات مكانة النبي ﷺ

في سياق الشدة والابتلاء، جاءت هذه الرحلة لتؤكد للنبي والمؤمنين مكانته عند الله. فالنبي لم يُكرّم فقط بأن صعد إلى السماء، بل استقبله الأنبياء واصطفاه الله للقاء والتكليم.

ثانيًا: تكريم المسجد الأقصى

ربط الله بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى يدل على وحدة الرسالات وأهمية الأقصى في العقيدة الإسلامية، وهو ما يعطي هذه البقعة المباركة قدسية خاصة في وعي الأمة.

ثالثًا: فرض الصلاة

الصلاة كانت أول عبادة فُرضت على المسلمين في السماء، مما يدل على مكانتها العظمى. وقد فُرضت أولًا خمسين صلاة، ثم خُففت إلى خمس مع بقاء الأجر كما هو، في رحمة عظيمة من الله عز وجل.

رابعًا: اختبار إيمان الصحابة

حين حدّث النبي ﷺ قريشًا بما جرى معه، كذبوه واستهزؤوا به، حتى ذهب بعضهم إلى أبي بكر الصديق وقالوا له: هل تصدّق أن صاحبك يقول إنه أُسري به إلى بيت المقدس ثم عاد في ليلة واحدة؟ فقال أبو بكر كلمته الخالدة: “إن كان قال فقد صدق”. ومنذ ذلك الحين لُقّب بـ “الصديق”.

الآثار العقدية لليلة الإسراء والمعراج

تأكيد قدرة الله

جاءت هذه الرحلة لتدل على أن الله عز وجل فوق قيود الزمان والمكان. فالإسراء من مكة إلى القدس، والمعراج إلى السماوات، في جزء من الليل، هو حدث يعجز العقل البشري عن إدراك تفاصيله، لكن المؤمن يُسلّم بأنه من أمر الله.

ربط الأرض بالسماء

المعراج يمثل نقطة التقاء الأرض بالسماء، والغيب بالشهادة، مما يعزز الجانب الروحي في العقيدة، ويؤصل لفكرة أن الدين لا ينفصل عن العالم الروحي بل يتصل به اتصالًا جوهريًا.

الآثار النفسية والاجتماعية على النبي ﷺ وأمته

جاءت هذه الرحلة في وقت احتاج فيه النبي ﷺ إلى الدعم الروحي، بعد فقده لأعزّ الناس إليه. وقد كانت الرحلة بمثابة تعزية عظيمة، وتجديد ثقة، وتكليف جديد من الله.

كذلك أسهمت هذه الرحلة في بثّ الطمأنينة في قلوب الصحابة الذين صدقوا بنبيهم رغم السخرية والاستهزاء، وهو ما عزز من تماسك الصفّ المؤمن في وجه التحديات.

الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج: بين المشروع والمبتدع

لم يرد في السنة النبوية أن النبي ﷺ أو أصحابه احتفلوا بليلة الإسراء والمعراج على وجه مخصوص، لا بصيام ولا بقيام ولا بأذكار معينة. وقد قال أهل العلم: إن تخصيص هذه الليلة بعبادات لم ترد عن النبي ﷺ يدخل في دائرة البدعة.

لكن لا مانع من التذكير بهذه المعجزة، وقراءة سيرتها، وربط الناس بأبعادها العقدية والروحية، بشرط ألا يُعتقد أن لها فضلًا تعبديًا مخصوصًا دون دليل صحيح.

خلاصة المفاهيم الجوهرية

• الزمان: لا يوجد تاريخ قطعي، لكن أغلب الروايات تشير إلى أنها كانت في 27 رجب قبل الهجرة بسنة.

• المكان: الانتقال من مكة إلى المسجد الأقصى، ثم إلى السماوات حتى سدرة المنتهى.

• الحدث: معجزة حسية وروحية تُثبّت قلب النبي وتُكمل بناء الرسالة.

• العبادة: الصلاة هي الهدية العظمى التي عاد بها النبي ﷺ من رحلته السماوية.

المصادر والمراجع

• ابن هشام، السيرة النبوية.

• ابن كثير، البداية والنهاية.