أضرار عباءة السيدة للحامل

أضرار عباءة السيدة للحامل

مقدمة

تُعدّ الأعشاب الطبية جزءًا لا يتجزأ من التراث العلاجي في مختلف الثقافات، وتلجأ العديد من النساء لاستخدامها خلال فترة الحمل لتخفيف بعض الأعراض الجانبية الشائعة كالغثيان والتعب واضطرابات الهضم. غير أن استعمال بعض هذه الأعشاب دون رقابة طبية دقيقة قد يكون له تبعات خطيرة على صحة الأم والجنين معًا. من بين هذه الأعشاب “عباءة السيدة” أو ما تُعرف أيضًا بـ”عشبة رجل الأسد” (Lady’s Mantle)، وهي نبتة معمّرة تنتمي إلى الفصيلة الوردية وتستخدم تقليديًا في علاج مشكلات الدورة الشهرية، وكمادة قابضة ومضادة للالتهابات، إلا أن استخدامها أثناء الحمل يثير جدلًا واسعًا بين الأطباء وخبراء التغذية.

في هذا المقال المفصل، سيتم تسليط الضوء على التأثيرات السلبية المحتملة لعباءة السيدة خلال الحمل، مستندين إلى ما توفر من دراسات علمية ومصادر موثوقة في طب الأعشاب.

التصنيف النباتي والنشاط الحيوي لعباءة السيدة

عباءة السيدة (الاسم العلمي: Alchemilla vulgaris) نبات ينمو في المناطق الجبلية الباردة، ويُعرف بأوراقه المميزة التي تشبه عباءة المرأة التقليدية. تحتوي هذه العشبة على مركبات نشطة كالفلافونويدات، والتانينات، ومضادات الأكسدة، والمواد القابضة التي تمنحها خصائص طبية متعددة. وعلى الرغم من فوائدها المحتملة، إلا أن هذه المركبات يمكن أن تشكل خطرًا خلال الحمل بسبب تأثيرها المباشر على عضلات الرحم وتوازن الهرمونات.

التأثيرات الفسيولوجية لعشبة عباءة السيدة على الحامل

1. زيادة انقباضات الرحم

من أبرز أضرار عباءة السيدة خلال الحمل هو قدرتها المحتملة على تحفيز عضلات الرحم، مما قد يؤدي إلى حدوث انقباضات مبكرة. تحتوي العشبة على مركبات قابضة تعمل على شد أنسجة العضلات الملساء، ومنها عضلة الرحم. هذا الأمر يرفع من خطر الإجهاض خاصةً خلال الثلث الأول من الحمل، ويزيد من احتمالات الولادة المبكرة في الشهور المتقدمة، وهو ما يُعد من الحالات الخطيرة التي تهدد حياة الجنين.

2. التداخل مع التوازن الهرموني

تعمل عباءة السيدة على تنظيم الدورة الشهرية لدى النساء غير الحوامل من خلال تأثيرها المحتمل على مستويات الهرمونات الأنثوية. لكن خلال الحمل، يُعد توازن الهرمونات أمرًا حيويًا لبقاء الحمل واستمراره. إن أي اضطراب في هرمونات مثل البروجستيرون أو الإستروجين قد يؤدي إلى نزيف أو ضعف في بطانة الرحم، مما قد يتسبب في فقدان الحمل أو مشاكل في المشيمة.

3. مضاعفة خطر النزيف

رغم أن عباءة السيدة تُستخدم أحيانًا لتقليل النزيف الرحمي الخارجي بفضل احتوائها على مواد قابضة، إلا أنها قد تُحدث نتائج عكسية عند استخدامها من دون إشراف طبي خلال الحمل. ففي بعض الحالات، تسببت هذه العشبة في سيولة الدم أو خفض ضغط الدم بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى نزيف داخلي مهبلي أو نزيف في المشيمة، وهي من الحالات الطارئة التي تتطلب تدخلًا طبيًا فوريًا.

4. التحسس والتسمم العشبي

مثل غيرها من الأعشاب، قد تسبب عباءة السيدة ردود فعل تحسسية لدى بعض النساء، تظهر على شكل طفح جلدي، حكة، تورم، أو حتى صعوبة في التنفس. وفي بعض الحالات النادرة، يمكن أن تؤدي إلى تسمم عشبي نتيجة تراكم المواد الفعالة في الجسم عند تناولها بجرعات عالية أو لفترات طويلة.

المضاعفات المحتملة على الجنين

1. ضعف تدفق الدم إلى المشيمة

نظرًا لتأثيرها القابض على الأوعية الدموية، يمكن لعباءة السيدة أن تقلل من تدفق الدم الطبيعي إلى المشيمة، ما يحرم الجنين من الأكسجين والمغذيات الضرورية لنموه. يؤدي ذلك إلى بطء النمو داخل الرحم (IUGR)، أو حتى وفاة الجنين في حالات نادرة.

2. التشوهات الخلقية

بالرغم من عدم توفر أدلة سريرية قاطعة على تسبب عباءة السيدة بتشوهات خلقية، إلا أن الخوف من هذا التأثير مستند إلى قدرتها على إحداث تغيّرات في النشاط الهرموني خلال المرحلة الحرجة من تكون الأعضاء، خاصة خلال الأسابيع الأولى من الحمل.

3. التحفيز المبكر للولادة

كما أُشير سابقًا، فإن العشبة قد تؤدي إلى تحريض الولادة قبل موعدها الطبيعي، وهو ما يرتبط بمضاعفات عديدة كعدم اكتمال الرئة، الوزن المنخفض عند الولادة، وصعوبات التغذية والتنفس بعد الولادة.

الحالات التي يُحظر فيها استخدام عباءة السيدة أثناء الحمل

تأثير عباءة السيدة على أجهزة الجسم الأخرى لدى الحامل

الجهاز الهضمي:

قد تؤدي العشبة إلى اضطرابات هضمية لدى الحامل كالإمساك أو الإسهال، نتيجة احتوائها على نسب عالية من التانينات. كما أن التفاعلات بين العشبة وبعض الفيتامينات أو المكملات قد تؤثر على امتصاص المغذيات الهامة كحمض الفوليك والحديد.

الكلى والكبد:

بعض التجارب المخبرية تشير إلى أن الاستهلاك الطويل للعشبة قد يُثقل الكبد والكلى بسبب معالجة المركبات النشطة، وهو ما قد يكون خطرًا خصوصًا في الحمل حيث تُجهد هذه الأعضاء طبيعيًا بسبب التغيرات الفسيولوجية في الجسم.

الجهاز العصبي:

لا توجد أدلة قاطعة حول تأثير عباءة السيدة على الجهاز العصبي، لكن بعض النساء أبلغن عن شعور بالدوخة، الصداع، أو الارتباك بعد تناولها خلال الحمل، وهي أعراض قد تكون ناتجة عن تأثير غير مباشر ناتج من هبوط الضغط أو نقص الأوكسجين.

التداخلات الدوائية

من المعروف أن عباءة السيدة قد تتداخل مع عدة أنواع من الأدوية، مما يرفع من خطورة استخدامها أثناء الحمل. وتشمل هذه الأدوية:

• مضادات التخثر مثل الوارفارين أو الهيبارين: قد تزيد من خطر النزيف.

• أدوية خفض ضغط الدم: قد تؤدي إلى هبوط حاد في الضغط.

• المكملات الهرمونية أو العلاجات الهرمونية البديلة: تداخلات محتملة قد تغير فاعلية الدواء.

توصيات عامة مبنية على المراجع العلمية

تشير المصادر الطبية مثل “National Center for Complementary and Integrative Health” وموسوعة الأعشاب العلاجية الأوروبية ESCOP إلى ضرورة الحذر الشديد عند استخدام الأعشاب خلال فترة الحمل، وتؤكد على أن عباءة السيدة لا تُعد آمنة خلال هذه المرحلة نظرًا لتأثيراتها القابضة والمحرضة لانقباضات الرحم.

الخلاصة

رغم الشهرة التي تحظى بها عباءة السيدة في الطب الشعبي كمقوٍ للرحم ومنظم للدورة، فإن استخدامها خلال الحمل ينطوي على أخطار جسيمة تؤثر على الأم والجنين معًا. إن التأثيرات القابضة للعشبة، وتداخلها مع التوازن الهرموني، وخطر النزيف، كلها عوامل تجعل منها خيارًا غير آمن إطلاقًا للحامل في جميع مراحل الحمل. ويجب تجنّب استخدامها تمامًا دون إشراف طبي صارم.

المراجع

1. European Scientific Cooperative on Phytotherapy (ESCOP) Monographs.

2. National Center for Complementary and Integrative Health (NCCIH), U.S. Department of Health & Human Services.