أضرار شرب الماء المفرط

أضرار كثرة شرب الماء

يُعتبر الماء أحد الركائز الأساسية لحياة الإنسان وسائر الكائنات الحية، حيث يشكّل ما يقارب 60% من وزن الجسم البشري، ويؤدي دورًا محوريًا في معظم العمليات الحيوية، بدءًا من تنظيم درجة الحرارة، مرورًا بنقل المغذيات، وصولًا إلى إزالة الفضلات من الجسم. لكن على الرغم من فوائده الجمة، فإن الإفراط في شرب الماء يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة قد تهدد الحياة في بعض الحالات. هذه الحقيقة التي قد تبدو مفاجئة للكثيرين تستند إلى أبحاث طبية واسعة تناولت تأثيرات “تسمم الماء” أو “نقص صوديوم الدم” المرتبط بفرط استهلاك السوائل.

تُعرف هذه الحالة طبيًا باسم Hyponatremia أو نقص صوديوم الدم، وهي تحدث عندما يؤدي تناول كميات كبيرة جدًا من الماء خلال فترة زمنية قصيرة إلى تخفيف تركيز الصوديوم في الدم إلى مستويات غير طبيعية، مما يخلّ بالتوازن الكهروكيميائي للجسم ويؤثر سلبًا على وظائف الخلايا والأعضاء الحيوية.

في هذا المقال، نعرض التأثيرات السلبية لتناول كميات زائدة من الماء، مبينين الأسباب، الأعراض، المضاعفات المحتملة، وكيفية تجنب هذه الحالة.

أولًا: مفهوم الإفراط في شرب الماء

الإفراط في شرب الماء لا يعني بالضرورة تناول عشرات اللترات يوميًا، بل قد يكون استهلاك كمية تفوق حاجة الجسم بشكل مستمر ولفترات طويلة. تختلف الحاجة اليومية من الماء من شخص إلى آخر بناءً على عدة عوامل منها العمر، الجنس، النشاط البدني، المناخ، والحالة الصحية. لكن بشكل عام، توصي الأكاديميات الصحية باستهلاك ما يقارب 2.7 لتر يوميًا للنساء، و3.7 لتر للرجال من السوائل بمختلف أنواعها، بما في ذلك الماء، العصائر، المشروبات، والمحتوى المائي في الطعام.

عندما يتم تجاوز هذه الكمية بكثير دون مبرر فسيولوجي واضح – مثل التعرق المفرط أو فقدان السوائل – يبدأ الجسم بالتعرض لأضرار واضحة ناتجة عن اضطراب في توازن الإلكتروليتات والسوائل.

ثانيًا: أضرار كثرة شرب الماء

1. نقص صوديوم الدم (Hyponatremia)

تُعد هذه الحالة من أخطر مضاعفات الإفراط في شرب الماء، وتحدث عندما يُخفف تركيز الصوديوم في الدم بشكل مفرط. الصوديوم يلعب دورًا محوريًا في تنظيم حركة السوائل داخل وخارج الخلايا. عندما يختل هذا التوازن، تتورم الخلايا، بما في ذلك خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى أعراض عصبية خطيرة.

أعراض نقص صوديوم الدم تشمل:

• الصداع الحاد والمفاجئ

• الغثيان والتقيؤ

• ضعف العضلات وتشنجات

• الارتباك الذهني أو الهذيان

• فقدان الوعي أو الدخول في غيبوبة

• في الحالات القصوى: الوفاة نتيجة وذمة دماغية

2. الإجهاد الكلوي

الكلى تعمل على تنظيم مستوى السوائل في الجسم من خلال طرح الفائض عبر البول. ومع الإفراط في تناول الماء، تُجبر الكلى على العمل بكثافة لطرد الكميات الزائدة، مما قد يؤدي إلى إرهاقها مع مرور الوقت. الأشخاص الذين يعانون من ضعف في وظائف الكلى هم الأكثر عرضة لمضاعفات شرب الماء المفرط.

3. اضطراب التوازن الكهروكيميائي

تناول كميات كبيرة من الماء خلال وقت قصير يمكن أن يؤدي إلى تمييع الدم وبالتالي انخفاض مستويات المعادن المهمة مثل البوتاسيوم، الكالسيوم، والمغنيسيوم، مما يؤثر على انقباض العضلات، انتظام ضربات القلب، وإشارات الجهاز العصبي.

4. تشنجات عضلية وضعف عام

عندما تنخفض مستويات الصوديوم والبوتاسيوم نتيجة تخفيف الدم، تتأثر قدرة العضلات على الانقباض بطريقة سليمة، مما يؤدي إلى تشنجات عضلية متكررة وضعف في الأداء الحركي، خاصة عند الرياضيين الذين يتناولون كميات كبيرة من الماء بعد التمارين دون تعويض الأملاح المفقودة.

5. تورم خلايا الدماغ

في حال حدوث نقص صوديوم الدم، تتورم خلايا الدماغ نتيجة دخول الماء إلى داخل الخلايا لتعويض نقص الصوديوم، مما يسبب وذمة دماغية. هذه الحالة شديدة الخطورة وقد تؤدي إلى ضغط على الجمجمة، تلف في أنسجة الدماغ، وتوقف في الوظائف الحيوية.

6. زيادة التبول واضطرابات النوم

الإفراط في شرب الماء يؤدي إلى زيادة الحاجة للتبول، مما قد يسبب انزعاجًا خاصة أثناء الليل، ويؤدي إلى الاستيقاظ المتكرر، قلة النوم، والتعب العام في اليوم التالي.

7. انخفاض ضغط الدم

الماء الزائد في الدم يمكن أن يؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية وبالتالي انخفاض ضغط الدم، وهو ما يتسبب في أعراض مثل الدوخة، الدوار، ضعف التركيز، والإرهاق العام.

8. زيادة العبء على القلب

عندما يرتفع حجم الدم نتيجة الماء الزائد، يُطلب من القلب أن يضخ كميات أكبر من الدم، مما قد يشكل عبئًا إضافيًا على عضلة القلب، خاصة عند كبار السن أو المصابين بأمراض قلبية مزمنة.

ثالثًا: العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بمضاعفات شرب الماء الزائد

رابعًا: حالات مسجلة لوفيات بسبب شرب الماء المفرط

في حالات نادرة، سجلت تقارير طبية حالات وفاة نتيجة تناول كميات كبيرة من الماء خلال فترة قصيرة. أبرز هذه الحالات تعود إلى:

• رياضيين في سباقات الماراثون: يفرطون في شرب الماء دون تعويض الأملاح المفقودة، مما أدى إلى انخفاض حاد في الصوديوم.

• متسابقات في مسابقات شرب الماء: حالات شهيرة أظهرت أن تحديات تناول كميات هائلة من الماء لأغراض تنافسية قد تؤدي إلى وفاة مفاجئة.

• جنود في تدريبات عسكرية: ظهرت حالات تسمم مائي بسبب تعليمات خاطئة بشرب كميات كبيرة لتفادي الجفاف دون أخذ التوازن الكهربي في الحسبان.

خامسًا: كيفية شرب الماء بطريقة صحية وآمنة

• يجب شرب الماء عند الشعور بالعطش فقط، وعدم إجبار النفس على الشرب المفرط.

• يُنصح بتوزيع شرب الماء على مدار اليوم وعدم تناوله دفعة واحدة.

• عند ممارسة التمارين أو التعرق الزائد، يجب تعويض الأملاح المفقودة عبر مشروبات متوازنة وليس الماء فقط.

• الانتباه إلى لون البول كدليل على ترطيب الجسم: اللون الفاتح يشير إلى ترطيب جيد، أما الشفاف جدًا فقد يكون علامة على الإفراط.

• استشارة الطبيب عند وجود أمراض مزمنة قبل تعديل كمية السوائل اليومية.

سادسًا: الفئات الأكثر عرضة لتأثيرات شرب الماء الزائد

• الرضّع: نظرًا لضعف قدرتهم على تنظيم توازن السوائل.

• كبار السن: خاصة المصابين بأمراض الكلى أو القلب.

• الرياضيون: بسبب فقدان الأملاح والتعويض بالماء فقط.

• الأشخاص المصابون بأمراض الكلى أو الكبد: تكون قدراتهم على طرح الماء محدودة.

• المصابون باضطرابات عقلية أو نفسية: مثل الأشخاص الذين يعانون من وسواس شرب الماء.

سابعًا: الفروقات بين ترطيب الجسم والتسمم المائي

من المهم التمييز بين الحفاظ على الترطيب الصحي للجسم والتعرض لحالة التسمم المائي. في الظروف الطبيعية، يستطيع الجسم التخلص من الماء الزائد بكفاءة. لكن عند تجاوز قدرة الكلى على التخلص من السوائل – والتي تقدر بحوالي 0.8 إلى 1 لتر في الساعة – يبدأ الماء بالتراكم في الجسم، مؤديًا إلى تخفيف تركيز الصوديوم في الدم.

الترطيب الصحي يتطلب الانتباه إلى:

• البيئة المحيطة (حرارة الجو)

• شدة النشاط البدني

• النظام الغذائي (الغني بالصوديوم والبوتاسيوم)

• الحالة الصحية العامة

المراجع

• National Institutes of Health (NIH): Water intoxication and hyponatremia

• Mayo Clinic: Hyponatremia – Symptoms and causes