أضرار البروتين المعالج للشعر: نظرة شاملة علمية وموسعة

في العقود الأخيرة، شهد مجال العناية بالشعر ثورة كبيرة من خلال إدخال مستحضرات وتقنيات جديدة تهدف إلى تحسين مظهر الشعر وصحته، ومن أبرز هذه التقنيات استخدام البروتين المعالج للشعر، والذي أصبح شائعًا في صالونات التجميل ومراكز العناية بالشعر. يُروج للبروتين المعالج كحل فعال لفرد الشعر، تقويته، ومعالجة التلف والتقصف. لكن، على الرغم من المزايا التجميلية التي يعد بها، فإن استخدام هذا النوع من البروتين ينطوي على مجموعة من الأضرار الجسيمة والمخاطر الصحية التي تستحق التوقف عندها، والتحليل العلمي الدقيق لمكوناته وتأثيراته على المدى القريب والبعيد.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة موسعة ومعمقة حول أضرار البروتين المعالج للشعر، من خلال تسليط الضوء على تركيبته الكيميائية، آلية تأثيره على الشعر وفروة الرأس، الأضرار الجلدية والتنفسية، وكذلك التأثيرات التراكمية التي قد تؤثر سلباً على الصحة العامة.

تركيب البروتين المعالج للشعر: بين الفوائد المزعومة والمخاطر الخفية

البروتين المعالج للشعر لا يُقصد به البروتين الطبيعي الذي يتكون منه الشعر، بل هو خليط من مواد كيميائية وبروتينات مضافة صناعياً مثل الكيراتين أو الكولاجين أو الحرير، ويتم دمجها مع مواد حافظة ومثبتات حرارية ومركبات كيماوية تسهّل امتصاص البروتين في الشعرة. أبرز هذه المواد هي “الفورمالدهيد” (Formaldehyde) أو مشتقاته مثل “الميثيلين غلايكول”، وهي المواد المسؤولة عن عملية فرد الشعر بشكل دائم أو شبه دائم.

الفورمالدهيد، على وجه الخصوص، يعتبر من المواد المسرطنة المصنفة من قبل “الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)”، وقد ثبت علميًا أن التعرض المتكرر له يسبب أضرارًا جسيمة للجهاز التنفسي، الجلد، والعينين، بل ويمكن أن يؤثر على الجهاز العصبي والمناعي بمرور الوقت.

التأثيرات المباشرة على صحة الشعر

1. ضعف الشعر وتكسره مع مرور الوقت

رغم أن البروتين المعالج يمنح الشعر مظهرًا ناعمًا ولامعًا في البداية، إلا أن كثرة التعرض للحرارة خلال جلسات العلاج، وتغلغل المواد الكيميائية في جذور وبصيلات الشعر، تؤدي إلى ضعف بنيته الطبيعية. وهذا ينتج عنه تقصف الأطراف، تكسير الشعرة، وهشاشة عامة تجعل الشعر أكثر عرضة للتساقط.

2. تساقط الشعر وفقدانه بشكل غير طبيعي

في كثير من الحالات، يؤدي العلاج بالبروتين إلى تساقط الشعر بشكل غير معتاد، حيث تتعرض فروة الرأس للتلف بسبب تهيج الجلد أو انسداد البصيلات. وقد يستمر تساقط الشعر لفترات طويلة بعد العلاج بسبب تأثير البروتين على دورة نمو الشعر الطبيعية.

3. فقدان الزيوت الطبيعية لفروة الرأس

يحتوي الشعر السليم على طبقة دهنية رقيقة تحافظ على رطوبته ومرونته. إلا أن البروتين المعالج يعمل على تجريد فروة الرأس من هذه الزيوت الطبيعية، مما يؤدي إلى الجفاف الشديد، الحكة، وتشكل القشرة.

التأثيرات على فروة الرأس والجلد

1. تهيج الجلد وفروة الرأس

تشمل الأعراض الشائعة التي تظهر بعد استخدام البروتين المعالج احمرار الجلد، الشعور بالحرق، وحكة شديدة في فروة الرأس. وترجع هذه الأعراض إلى تأثير الفورمالدهيد والمركبات الكيميائية الأخرى التي تسبب التهاب الجلد التماسي (Contact Dermatitis).

2. الحساسية الجلدية

قد يعاني بعض الأشخاص من تحسس مفرط تجاه مكونات البروتين، ما يؤدي إلى ظهور طفح جلدي، بثور، أو حتى تورم في فروة الرأس والوجه. في الحالات القصوى، يمكن أن تظهر أعراض مشابهة للحساسية المفرطة (Anaphylaxis) وهي حالة طبية طارئة.

أضرار تنفسية مزمنة

1. التعرض لبخار الفورمالدهيد

خلال جلسات فرد الشعر بالبروتين، يتم تسخين المنتج باستخدام مكواة الشعر على درجات حرارة عالية، ما يؤدي إلى إطلاق أبخرة الفورمالدهيد في الهواء. وقد يتعرض كل من العميل والمصفف لهذه الأبخرة، خاصة في الأماكن المغلقة أو غير جيدة التهوية.

2. الأعراض التنفسية الحادة والمزمنة

تشمل الأعراض التنفسية المرتبطة بالتعرض لبخار الفورمالدهيد: سعال مستمر، ضيق في التنفس، تهيج في الحلق، واحتقان في الأنف. ومع تكرار التعرض، قد يؤدي ذلك إلى تطور حالات مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن أو الربو التحسسي.

3. الخطر على العاملين في صالونات التجميل

الموظفون في صالونات التجميل الذين يتعاملون مع البروتين يوميًا يتعرضون لمستويات عالية من المواد الكيميائية، ما يجعلهم عرضة لمشاكل تنفسية خطيرة وتلف في خلايا الرئة على المدى البعيد.

التأثيرات الهرمونية والمناعية

تشير دراسات عديدة إلى أن التعرض المستمر لبعض مكونات البروتين المعالج مثل الفورمالدهيد ومشتقاته قد يؤثر على عمل الغدد الصماء، ما يؤدي إلى اضطرابات هرمونية، خاصة عند النساء. كما أن التأثير التراكمي لهذه المواد يمكن أن يؤثر على جهاز المناعة، ويجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالحساسية والأمراض المزمنة.

التأثيرات المحتملة على الحوامل والمرضعات

تُعد فترة الحمل والرضاعة من الفترات الحساسة التي تتطلب تجنب التعرض للمواد الكيميائية الضارة. واستخدام البروتين المعالج للشعر خلال هذه الفترة قد يؤدي إلى:

• امتصاص الجلد لبعض المواد السامة ونقلها إلى الجنين عبر المشيمة.

• تعرض الأم والجنين معًا لأبخرة سامة عند تسخين الشعر.

• احتمال حدوث تشوهات خلقية أو تأثيرات سلبية على نمو الجهاز العصبي للجنين.

المضاعفات المرتبطة بالاستخدام المتكرر

الاستخدام المتكرر للبروتين المعالج يؤدي إلى تراكم المواد الكيميائية في الشعر وفروة الرأس، مما يضاعف التأثيرات السلبية ويزيد من احتمالية الإصابة بمضاعفات صحية مزمنة مثل:

• تغير لون الشعر وتحوله إلى لون باهت أو رمادي مبكر.

• صعوبة في استعادة نمط نمو الشعر الطبيعي.

• مقاومة فروة الرأس للعلاجات الأخرى أو المنتجات الطبية.

مقارنة بين البروتين الطبيعي والمعالج

بدائل آمنة للبروتين المعالج

بالنظر إلى الأضرار الكبيرة المرتبطة بالبروتين المعالج، ينصح الخبراء باستخدام بدائل طبيعية وآمنة، مثل:

• الزيوت النباتية: مثل زيت الأرغان، زيت جوز الهند، وزيت الخروع، والتي تعمل على تقوية الشعر وترطيبه دون أضرار.

• الأقنعة الطبيعية: المصنوعة من البيض، الزبادي، العسل، أو الأفوكادو، والتي تعزز بروتين الشعر الطبيعي.

• المنتجات العضوية: التي لا تحتوي على فورمالدهيد أو مشتقاته، وتستخدم مكونات نباتية 100%.

التوصيات الطبية والتجميلية

ينبغي على الأفراد الراغبين في استخدام البروتين المعالج التفكير مليًا في الفوائد المؤقتة مقابل الأضرار طويلة الأمد. كما يوصى بالخطوات التالية:

• استشارة طبيب جلدية قبل أي إجراء تجميلي.

• قراءة المكونات بعناية وتجنب أي منتج يحتوي على فورمالدهيد أو ميثيلين غلايكول.

• تجنب استخدام البروتين أثناء الحمل والرضاعة.

• الحرص على وجود تهوية جيدة خلال جلسات العلاج.

• تقليل تكرار الاستخدام إلى مرة سنويًا على الأكثر، إن دعت الضرورة لذلك.

الخلاصة

رغم الشعبية المتزايدة للبروتين المعالج في أوساط العناية بالشعر، إلا أن الواقع العلمي والطبي يكشف عن جملة من الأضرار الصحية التي لا يمكن تجاهلها. فالنتائج التجميلية قصيرة الأمد لا تبرر المخاطر الجلدية والتنفسية والهرمونية المرتبطة بهذه المواد الكيميائية. إن الوعي بالمكونات والمخاطر المحتملة، وتبني بدائل طبيعية وآمنة، يشكلان الخيار الأفضل للحفاظ على صحة الشعر والجسم.

المراجع

1. International Agency for Research on Cancer (IARC). “Formaldehyde, 2-Butoxyethanol and 1-tert-Butoxypropan-2-ol.” IARC Monographs on the Evaluation of Carcinogenic Risks to Humans, Volume 88, 2006.

2. National Institute for Occupational Safety and Health (NIOSH). “Hair Smoothing Products That Could Release Formaldehyde.” U.S. Department of Health and Human Services, CDC, 2011.